جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    للا مريم تترأس حفلا في ذكرى برلمان الطفل    أخنوش: الميثاق الجديد للاستثمار أسهم في مضاعفة الاستثمارات الصناعية إلى 140 مليار درهم    وصول اللحوم المستوردة يخفض الأسعار إلى 80 درهم.. هل تتأثر أسواق الناظور؟    روسيا: أوكرانيا تضرب بصواريخ أميركية    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    أمن النرويج يقبض على ابن ولية العهد    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    تهم ثقيلة تلاحق "رضى ولد الشينوية"    "حب الوطان" جديد كوكب المغرب حياة الإدريسي بمناسبة الذكرى 69 لعيد الإستقلال    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    دوري أبطال أفريقيا للسيدات.. الجيش الملكي يلاقي المسار المصري وعينه على العبور للنهائي    "جون أفريك": الأرشيف الذي تعهدت فرنسا بإعادته للمغرب قد يُعزز مطالب المملكة ويُغير معالم الحدود مع الجزائر    اللجان الجهوية للاستثمار عالجت 2012 مشروعا صناعيا خلال الولاية الحكومية الحالية    حادث مأساوي على طريق القصر الكبير – العرائش ينهي حياة طالب جامعي    جماعة الزوادة في قلب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية الحقيقية بالإقليم    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    نظرية الجسد النسوي    المؤسسات والمقاولات العمومية تساهم بما يفوق 10 مليارات درهم في ميزانية الدولة    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما وتسجيل 26 هدفا لم يكن بالأمر السهل    وزارة الداخلية تخصص 104 مليارات سنتيم لإحداث 130 مكتبًا لحفظ الصحة    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»        أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشرطة توقف ناقل "حبوب مهلوسة"    نزاع حول أرض ينتهي بجريمة قتل    اليونسكو تدرس ملف "تسجيل الحناء"    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    المقاو-مة الفلسطينية: تصحيح المعادلات وكسر المستحيلات    اتهمتهم بمعاداة السامية.. عمدة أمستردام تعتذر عن تصريحات تمييزية بحق مسلمي هولندا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    ميناء الداخلة الأطلسي: مشروع استراتيجي يحقق تقدمًا بنسبة 27%    يحدث هذا في فرنسا … !    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا توطّدت علاقة مغاربة بالأولياء والأضرحة خلال "زمن الجوائح"
نشر في هسبريس يوم 13 - 04 - 2020

سبق لموقع هسبريس أن نشر لنا مساهمة علمية حول معاناة ساكنة دبدو مع الأوبئة خلال النصف الأول من القرن العشرين، وقد وقفنا فيها على حجم الخسائر البشرية التي خلفتها الأمراض والأوبئة بين سكان دبدو المغربية، وحصدها للعديد من الأرواح بالمدينة، فلم تكن تميز بين الساكنة، مهما اختلفت وتباينت معتقداتها وتراتبيتها الاجتماعية.
وللخروج من الزاوية الوصفية والكمية في تعاملنا مع تاريخ الجوائح بمنطقة دبدو ونواحيها، ومحاولة منا أيضا، تسليط الضوء على ردود أفعال الساكنة وعقلياتها خلال فترات الأوبئة، فقد ارتأينا تخصيص هذه المساهمة لعلاقة سكان دبدو بالأضرحة، وإبراز مدى ارتباطهم بالأولياء وكراماتهم في زمن الجوائح.
ويمكن القول إن اهتمامنا بهذا الموضوع نابع من قناعاتنا بالأهمية التي يكتسيها البحث في تاريخ الذهنيات والعقليات لسكان دبدو، والتعمق في دراسة تاريخ سوسيولوجية مجتمع مدينة دبدو، إضافة إلى رغبتنا في تجاوز تلك الرتابة التي اعتدنا عليها في كتب التاريخ العام، باقتصارها على وصف الأحداث السياسية والعسكرية للمدينة دون إيلاء الاهتمام لدراسة المجتمع الدبدوبي وبنيته وعاداته وتقاليده وسلوكياته.
ولعل فضل مدرسة Jacques Le Goff، الذي يعتبر رائدا من رواد مدرسة تاريخ الذهنيات والعقليات، سيكون كبيرا على جل الباحثين في حقل الديموغرافيا التاريخية، والتاريخ الاجتماعي بشكل عام، بإرساء مدرسته لمناهج وأدوات الأبحاث الأنثروبولوجية التاريخية، والتركيز على بعض الظواهر الاجتماعية غير المألوفة في الكتابات التاريخية السابقة، ولو من وجهة نظر استعمارية.
لقد أثارت التقاليد والعادات التي ميزت ساكنة دبدو فضول بعض الكتابات الأوروبية حول المدينة، حيث شكلت مجموعة من الظواهر المحلية من قبيل: العرف، القبيلة، والزفاف، ونمط العيش، وطقوس الموت..... مادة دسمة للعديد من الكتابات الاستعمارية التي أنجزت حول مدينة دبدو.
وفي هذا الصدد، نذكر بالدراسة المهمة التي أنجزها المراقب المدني المساعدle Contrôleur Civil Adjoint لمنطقة دبدو Michel Lecomte حول "قبائل ملحقة دبدو " Etude sur les Tribus de l'Annexe De Debdou » «، حيث تناول فيها بإسهاب كبير علاقة ساكنة دبدو ونواحيها بالأضرحة في الفترات التي كانت تنتشر فيها الأوبئة والمجاعات بالمنطقة.
وكان Michel Lecomte شغوفا بشكل كبير بالبحث في تاريخ أضرحة دبدو وكرامات الأولياء بالمنطقة، إلى درجة أنه أشرف بشكل شخصي على بناء قبة الولي سيدي يحيى التي تتوسط المدينة العتيقة لمدينة دبدو سنة 1950، وقام بدراسة ميدانية لجميع الأضرحة التي تتواجد داخل المجال الجغرافي الممتد من دبدو إلى ضفة واد زا، كما حدد بدقة الفترات التاريخية التي عاش فيها أولياء منطقة دبدو وسرد كراماتهم، معتمدا في ذلك على روايات محلية، ومعاينات ميدانية.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين الظواهر التي وقف عندها Michel Lecomte على سبيل المثال أثناء زيارة بعض سكان دبدو لضريح الولي سيدي اعمر العجان، الذي عاش خلال القرن السابع الهجري ودفن بجوار حي المصلى بمدينة دبدو، نذكر ظاهرة التبرك بتراب الضريح، ومسح جزء من جسد المريض أو الموبوء بالتراب، طلبا في الاستشفاء من بعض الأمراض كالكوليرا والروماتيزم، وأمراض الأطفال، وعلاج العقم، ظنا من زوار الضريح بأن ترابه حسب عقليتهم واعتقادهم يعتبر وسيلة ناجعة بالنسبة إليهم للعلاج والتداوي من المرض. وفي الواقع، فإن ظاهرة تبرك الناس بتراب الأضرحة طلبا في الاستشفاء من بعض الأمراض لم تقتصر على الفترة الحديثة والمعاصرة فحسب، بل لها جذور عميقة في تاريخ المغرب تعود إلى الفترة الوسيطية، فقد أشار التادلي المعروف بابن الزيات (توفي سنة 617 ه) في كتابه "التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي" إلى تبرك المرضى بتراب قبر محمد بن سعدون القيرواني الذي توفي بأغمات سنة 485ه. وأفادنا كذلك الحسن الوزان، في كتابه وصف إفريقيا، بمعطيات مهمة تبين لجوء ساكنة المغرب إلى التداوي بالتراب في زمن الطاعون عن طريق التمسح بالتراب الأرميني حول دمل الطاعون للاستشفاء من هذا الوباء.
كما ارتبط سكان دبدو بشكل وثيق بالأضرحة خلال فترات القحط والمجاعات. وفي هذا الإطار، تذكر لنا الرواية الشفوية أنه عند احتباس المطر كان سكان حي أولاد اعمارة بالمدينة العتيقة يبادرون إلى إقامة صلاة الاستسقاء، وإطعام الفقراء والمحتاجين "بالخروبة"، وهي مكان تواجد ضريح الولي سيدي بلعريف، الذي عاش خلال القرن الرابع الهجري، حسب ما أكده لنا المراقب المدني المساعد Michel Lecomte.
وغالبا ما كان يحضر في ولائم إطعام المحتاجين والفقراء بضريح الولي سيدي بلعريف، شرفاء من داخل دبدو وخارجها، كشرفاء أولاد سيدي اسعيد بن مخلوف، وبعض مريدي الزاوية الدرقاوية، والزاوية التيجانية، ثم شرفاء أولاد سيدي يعكوب، الذين كانت تربطهم علاقة وطيدة بساكنة المدينة.
وجدير بالذكر أن صلاة الاستسقاء لم تقتصر على المسلمين فقط، بل شملت كذلك الطائفة اليهودية؛ فانطلاقا من الإشارات الواردة عند المؤرخ الراحل الدكتور محمد الأمين البزاز في كتابه "تاريخ الأوبئة والمجاعات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر"، والمعلومات المستقاة من بعض الروايات الشفوية المحلية لشيوخ دبدو، فإن اليهود كانوا بدورهم يقومون بطلب الغيث، وتسمى صلاة الاستسقاء عندهم ب: " يقون هكشيم"، وغالبا ما كانت تقام في نفس الوقت الذي تنظم فيه صلاة الاستسقاء من طرف المسلمين. وحسب الرواية الشفوية المحلية، فإن يهود ملاح مدينة دبدو كانوا يتجهون في فترات القحط إلى عين إشبيلية، التي تعتبر المصدر المائي الوحيد لسكان المدينة، ويرددون بجانب صهريجها ونافورتها ابتهالات بالعبرية طلبا في نزول المطر، وعودة الحياة إلى العين المذكورة.
وتحولت بعض الأضرحة بمدينة دبدو إلى مزارات مشتركة بين اليهود والمسلمين، لا سيما خلال فترات الجوائح، مجسدين بذلك صورا للعيش المشترك بالمدينة، وهي ظاهرة شملت أيضا مجموعة من المدن التاريخية ببلادنا (فاس، صفرو، الصويرة، أزمور...).
ويشير Michel Lecomte في هذا الصدد إلى وجود أضرحة مشتركة بين المسلمين واليهود بملاح دبدو كضريحي سيدي يوسف الحاج، وسيدي بوقنادل (عاش خلال القرن الخامس الهجري)، ثم ضريح سيدي عبد الله القوبي الذي عاش خلال القرن الثامن الهجري، وقد تطرق Louis Voinot في كتابه " المزارات المشتركة بين اليهود والمسلمين بالمغرب" « le Pèlerinage judéo- Musulmans du Maroc » . لبعض المزارات المشتركة بين المسلمين واليهود بدبدو.
إن هذه المساهمة تحمل بين طياتها دعوة إلى الباحثين من أجل البحث في التاريخ الاجتماعي لمدينة دبدو، وسلوكيات وذهنيات سكان هذه المدينة، سواء من الزاوية التاريخية أو من جوانب أنثربولوجية، فالظواهر الاجتماعية والسلوكية التي ميزت ساكنة دبدو في زمن الجوائح، يمكن أن تكون مواضيع لأبحاث علمية وأكاديمية في المستقبل، وستميط اللثام بدون شك عن الردود النفسية والسلوكية لسكان دبدو خلال فترات الأزمات الديموغرافية. كما لا تفوتنا الفرصة في هذه المساهمة أن ننوه بالندوات والملتقيات العلمية التي نظمتها جمعية ابن خلدون للأبحاث والدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، والإصدارات التي أصدرتها حول مواضيع مهمة تتعلق بالتاريخ الاجتماعي لمدينة دبدو، كالأعراف المائية، والعادات الغذائية، والتراث المعماري، والتراث الشفوي للمدينة...
*باحث في تاريخ مدينة دبدو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.