قريبا.. ستغزو شوارعنا سيارات مسرعة تنبعث منها أحلى الغازات، ويرتفع صوت أجراسها ليعزف سمفونية "الضجيج" بلا مقامات. سنعود إلى العمل ليل نهار وكأننا في صراع مع الذّات، نُسابق الزمن لنكدّس الثروات. قريبا.. سنقضي أوقات فراغنا في المقاهي والمحلّات، نتحدث في كلّ شيء نعرفه أو لا نعرفه ونسمع التّفاهات، وستعود الأسواق إلى اكتظاظها والشوارع إلى ازدحامها وتمتلئ الطُّرقات. قريبا.. سنشتري أجمل الألبسة والهواتف الذكية، ونرتدي الحلي والألماس النقية، ولن نبالي إن صنعها عمال بائسون في وضعية رديئة، أو كانت على حساب أرواح بريئة.. قريبا.. ستمتلئ الملاهي بالرّاقصين والراقصات، وتمتلئ المسارح والقاعات، ويتسابق الناس لمشاهدة الفنّانات والفنّانين. قريبا.. لن نتذكر طبيبا يتصبّب عرقا في غرفة العمليات، أو ممرضة تقاوم النوم في المستعجلات... سننساهم إلى حين. قريبا.. ستعود الحملات والانتخابات، وستخلو النقاشات من أزمة المستشفيات، وستعود وعود السياسيين. قريبا.. سنستمتع بالمسلسلات وبأغاني المطربين، وسننشغل بأخبار الفرق واللاعبين، وستمتلئ الملاعب بآلاف المشجعين والمشجعات، سنتباهى بلاعب يتقاضى الملايين، وبفاحشي الثراء المعروفين، القادمين من عالم المعلوميات. قريبا.. ستشتعل الحرب من جديد بين القوى العتيقة، بسبب أرض أو معتقد أو بئر نفط عميقة. قريبا... ستعود المصانع إلى صناعة الأسلحة والسجائر والمساحيق الرّقيقة، وسننتشي وندخّن، ونعود إلى القتل كلّ دقيقة. قريبا.. ستحلق الطائرات في الأجواء، وتختفي الطيُور وزُرقة السماء، وستمتلئ البحار بالباخرات، وتُستنزَف الأسماك وتُلقى النفايات. قريبا.. سنعود إلى إدماننا على الاستهلاك غير مكترثين، ونُلوّث بيئتنا بأيدينا غير مبالين، وسنعود إلى أنانيّتنا وجشعنا وننسى الفقراء والمحتاجين، ونغضُّ بصرنا كما ألفنا عن أطفال الشوارع وعن المهاجرين. قريبا.. سننسى شعارات الوحدة والسلام ونسترجع هويّاتنا القاتلة، وسنعود إلى حياة اللهو واللامبالاة والأيام المتماثلة. قريبا.. سنوَدِّع أيّام الحجر القاسية، وما تعلّمناه قسرا من دروس في الإنسانية، سنوَدِّع حياة العائلة بتفاصيلها وتقاسم الأدوار ولَعِبها في لحظة من المساواة، سنودع اللعب مع أطفالنا والجلوس مع أفكارنا والاستغناء عن الماديات. قريبا.. سنعود إلى حياتنا الطبيعية، وستنتهي هذه المعاناة !! *أخصائي الجراحة على السرطان باحث في علم الوراثة والجينات