يعقد مجلس الأمن الدولي، هذا الأسبوع، أول اجتماع له بشأن فيروس كورونا المستجد. ونجد أن الغموض ما زال يكتنف ما ستؤول إليه هذه الجلسة، مع العلم أن مجلس الأمن الدولي أنشئ، وفقا للمادة 23 من ميثاق الأممالمتحدة، بغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين؛ وهو الجهاز الذي له سلطة اتخاذ قرارات تلتزم الدول الأعضاء بتنفيذها بموجب الميثاق، ومن أهدافه التخطيط لمواجهة الأخطار التي تهدد السلام العالمي. إن العالم بات في حالة حرب مع عدو لا مرئي، حيث بلغت نسبة المصابين أرقاما مخيفة، وكذلك نسبة الوفيات جراء هذا الفيروس، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والاجتماعية وعن القلاقل والاضطرابات التي يمكن أن تترتب عليه، وستؤدي لا محالة إلى تهديد للأمن والسلم الدوليين إن تمادى الوباء في الاجتياح عبر العالم... ناهيك عن مجموعة من الأسئلة التي لا تنتهي... إننا أمام مرحلة استثنائية في التاريخ، ناتجة عن ضعف في الإستراتيجيات الصحية على المستوى العالمي، وإلى ضعف في التنسيق على المستوى الدولي.. لقد عجزت منظمة الصحة العالمية عن إقرار سياسة صحية مشتركة لمواجهة الجائحة الوبائية؛ لأنها تعتبر من الناحية النظرية مرجعية عالمية حول هذا الموضوع. وهنا، يطرح سؤال حول ماهية الشرعية التي نمنحها للمؤسسات الدولية، إذا لم تكن لديها سلطة لإدارة الأزمات؟ مع العلم أن القطاع الصحي يقع تحت الصلاحيات الوطنية لدول العالم؛ لكن هذا لا يمنع تنسيق البرامج والخدمات الصحية عبر الحدود. إن مجلس الأمن الدولي مطالب بالبحث عن نوعية هذه الشرعية التي يمكن أن نمنحها للمؤسسات الدولية لإدارة الأزمات التي يعرفها المنتظم الدولي، كذلك من خلال "مبدأ التضامن الإنساني" يجب على أعضاء مجلس الأمن أن يتركوا الاتهامات والانقسامات جانبا بشأن الوباء، وأن يعلنوا على رغبة في الوحدة والتعاون على غرار ما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا... وعلى مجلس الأمن الدولي أن يدخل هذا الوباء في إطار الأمن البيولوجي العالمي-رغم الاختلاف في التعاريف والتفسيرات- وأن يضع إستراتيجية لمواجهة التهديد الوبائي، وأن يحث على أهمية العمل التكاملي الدولي، وإلزامية التنسيق والإخبار بين الدول في جميع مراحل التعامل مع المخاطر الوبائية، وأن يكون هناك استشعار مبكر، مما يعطي القدرة للمجتمع الدولي على الاستعداد الاستباقي وفق إستراتيجية واضحة الأهداف... تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2016، وأمام المجمع الفلسفي الأمريكي، الذي أسسه العالم الشهير بنيامين فرانكلين، ألقت العالمة الأمريكية بوني باسلر محاضرة بعنوان: "حديث قصير.. حوار الخلية مع الخلية في البكتيريا"، قالت باسلير: إن مجموعات البكتيريا الصغيرة تكون عاجزة إذا عملت بمفردها، لكنها حين تعمل معا تحصل على القوة والطاقة، ثم تضع إستراتيجية الهجوم على الجسد، وتسبب المرض، إنها تتكاثر، ثم تنسق، ثم تبدأ الهجوم المتزامن.." بعد أن تصل طبعا إلى العدد الكافي لتحقيق الهجوم.. تلك هي خطة العدو اللامرئي، الذي نواجهه اليوم، بينما نحن ورغم الصدمات والهزات المتتالية التي يعرفها العالم، ما زالت التحركات الأحادية تطبع موقف العديد من الدول، نتيجة الأنانية المفرطة، وغياب تنسيق دولي بشأن هذه الأزمة وغموض في مواقف بعض الدول التي تتهم بأنها قامت بإخفاء معلومات..!! بل الأنكى والأغرب من ذلك هو أن مواقف بعض الدول من اجتماع مجلس الأمن الدولي المقبل، كما تناقلت ذلك وكالات الأنباء العالمية، تدعي فيه أن وباء كوفيد 19 يمثل في الوقت الراهن أزمة صحية واقتصادية؛ في حين أن مهمة مجلس الأمن هي حفظ السلم والأمن الدوليين.. وبالتالي، فان التطرق لهذا الوباء ليس من شأن المجلس في الوقت الراهن...!! إن لمجلس الأمن الدولي موعدا مع التاريخ، ولنا الأمل أن تكون له القدرة على اتخاذ قرارات، وتقديم إجابات...