بعد فرض حالة الحجر الصّحّي الإجباري في شهر مارس الماضي وقايةً من انتشار جائحة فيروس "كورونا" المستجَدّ بالمغرب، شدّد فاعلون سياسيون ونقابيون على ضرورة مساعدة الفئات التي تأثّرت كثيرا من تداعيات الإجراءات الوقائية المتّخذة، والانتباه إلى عدم تغطية تدابير "لجنة اليقظة الاقتصادية" كافّة المتضرّرين. وقال عمر بلافريج، برلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، إنّه تحدّث في لجنة اليقظة الاقتصادية المحدثة لمواكبة تداعيات الفيروس عن أنّ الأولوية الاجتماعية والاقتصادية يجب أن تكون هي أداء جميع أجور شهر مارس، عن طريق الاتصال بجميع أرباب العمل وتعويضهم بدعم مباشر أو بفتح باب القروض لهم بصفر فائدة مثلا، مع صرامة الدّولة في هذا الإجراء وإعلانها أنّها ستتجه إلى التأميم إذا لم يتمّ احترامه، "وهو ما لم يتمّ مع الأسف". وفي ندوة رقمية نظّمتها السبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثمّن بلافريج مجموعة من "الإجراءات الإيجابية الوقائية والصحية" المتخذة في قلب الأزمة، وخصّ بالذّكر "الدعم المباشر" لمن لديهم نظام التغطية الصحية "راميد"، ولم ينس ما طالب مع النائب البرلماني عن "الفدرالية" مصطفى الشناوي بوضعه كأولوية مثل الصحة والتعليم، قائلا: "لم تسمعنا الحكومة، وليس هذا وقت المحاسبة، لكن سنحاسبهم عندما ستمرّ الأزمة التي نتمنى أن تنتهي في وقت قريب"، مضيفا أنّه وزميله في البرلمان يقومان ب"معارضة من أجل الوطن والأولويات التي يجب أن تكون ببلادنا". وحمّل البرلماني ذاته مسؤولية عدم تمرير مقترحات للفدرالية تنتصر للصّحّة والتعليم كأولوية للشعب المغربي لأنّ النواب الآخرين يمثّلون من صوّتَ لهم، و"يجب أن يدعمنا الناس بالتصويت إذا أرادوا أن يُستَمَع لمقترحاتنا"، موردا أن "رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، قال إنّه يجب على المغرب رفع اليد عن الصحة، وصوت له الناس بعد ذلك، ومن حقهم ذلك، وصوتوا لليبرالية المتوحشة". وذكر بلافريج أّنّ هناك مقاولات استغلّت الأزمة الراهنة ووجدت فيها "فرصة لطرد شغّيلتها"، وقال: "نجد هذا في المقاولات المهيكلة، ويمكن أن يكون أسوأ بكثير في القطاعات غير المهيكلة، واكتشفتُ أن أغلب ندل المقاهي لم يتلقوا أجرة شهر مارس، عِلْما أنّهم ينتمون للقطاع غير المهيكل، وهم تقريبا خمسمائة ألف مغربي"، ثم استدرك قائلا: "دون تعميم، هناك أرباب مقاولات قاموا بالواجب وولاد الناس"، أي أناس طيّبون. ويرى بلافريج أنّ من الواجب أن تتواصل الدولة مع أرباب العمل عبر وزارة الشغل والداخلية والجماعات المحلية، مع التهديد بالتأميم في حالة أرباب المقاهي على سبيل المثال، معتبرا أن "هذا حلا ليس شيوعيا؛ فألمانيا الليبرالية تقوم به". وذكر عمر بلافريج أنّ الدعم عبر "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (cnss) غير كاف"، ورأى أن "الحكومة تسرّعت وارتجلت فيه"، وأنّها كان يجب أن تتواصل مع أرباب المقاولات، لأن "من أجرته 6000 درهم كيف سيؤدي ثمن الكراء ب2000 درهم من الدعم؟". وأعرب بلافريج عن تطلّع إلى مرحلة ما بعد أزمة الجائحة، قائلا: "يجب إعادة النظر في التعاقد الاجتماعي بهذا البلد، لا النموذج التنموي فقط"، وقدّم مثالا على ذلك ب"الحاجة إلى إنهاء الخوصصة أو جعلها تمثل واحدا في المائة فقط، وأن تكون الصحة العمومية بالبلاد في مستوى يتداوى فيه الجميع من فقراء وأغنياء، لأنّنا نحتاج صحة عمومية في المستوى، تكون ميزانيتها معقولة وكافية". ومن بين الإيجابيات الاقتصادية التي يتمنّاها النائب البرلماني عن فدرالية اليسار الديمقراطي مستقبلا، "رد الاعتبار نسبيا للإنتاج الوطني"، وهو ما رأى بوادره في مجموعة فيسبوكية مهمة تمثّل رأسمالا وطنيا لعائلة نقلت إنتاجها خلال الأزمة الحالية من النسيج إلى إنتاج الكمامات. من جهتها، قالت سميرة الرايس، فاعلة نقابية، إنّ هناك مشاكل مجترّة للشغيلة خلال الأزمة الحالية، مثل عمال "أمانور"، وشغّيلة "الإنعاش الوطني"، ومستخدمي المطارات، وعمال النظافة غير المعترف بهم الذين لا تتجاوز أجرتهم ألفا وخمسمائة درهم. وذكرت عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشّغل أنّ النقابات تستغرب كون "لجنة اليقظة الاقتصادية لا توجد فيها النقابات، وتوجد فيها الحكومة وأرباب المقاولات (الباطرونا)، ولا يوجد بها من يكونون مع الشغيلة عن قرب ويدافعون عنها"، واعتبرت أنه "من الضروري إشراك النقابات". وذكرت الفاعلة النقابية أنّ القطاع الفلاحي عرف أزمة "الفيروس" وقبله الجائحة الكبرى المتمثّلة في الجفاف، وهو ما يزيد الأمور تعقيدا، ورأت أنه "من الضروري أن تكون هناك إجراءات أكثر عقلانية لإنقاذ القطاع الفلاحي". وقالت المتحدّثة إنّ العمال والعاملات الزراعيين في جهة سوس ماسة يشتغلون إلى حدود اليوم وكأن الواضع عادٍ، "مع استثناء بعض أرباب العمل في الضّيعات الذين يحترمون القانون"، ووجود "من سرّحوا عمّالا وعاملات في هذه الظروف الصعبة"، وهم عمّال ليسوا مسجّلين في "راميد" ولا في "صندوق التضامن الاجتماعي"، ولن يحصلوا أي تعويض إذا لم يصرّح بهم أرباب العمل. وشدّدت النقابية ذاتها على "ضرورة حضور الحسّ الوطني بصرف الأجور كاملة كدعم"، كما استحضرت تهديد شركات "الكابلاج"، التي يشتغل بها الآلاف، بتسريح العمال الذين لم يلتحقوا بالعمل في الظروف الحالية، وتساءلت: "أين حماية العمال والعاملات؟". بدوره، قال عبد الله لفناسة، ناشط نقابي وحقوقي، إنّ تفشي فيروس كورونا المستجد جاء في ظروف سيئة أصلا بالنسبة للطبقة العاملة المحرومة من مجموعة من الحقوق بالمغرب، موردا أن "أقل من خمسة عشر في المائة من المقاولات تطبّق قانون الشغل، وبالتالي الإجراءات المتخذة لدعم العمال الآن ستهمّ قلّة منهم". وبيّن عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ "أغلب المقاولات تصرّح بجزء من عمّالها لإعطاء صورة عن تسوية أوضاعهم"، كما أنّ "المصرّح بهم يصرّح ببضعة شهور من عملهم أو ساعات أقلّ من ساعات عملهم". وأضاف: "ما يقرب المليونين غير مصرّح بهم، أو مصرّح بهم جزئيا"، وأربعة ملايين مغربي يعتبرون ساكنة غير نشطة فيما هم معطّلون في الحقيقة، و"أقدّر أنّ عشرة ملايين من المغاربة غير معترف بهم كعمّال أو هم عمال غير مصرّح بهم". وباستحضار هذه المعطيات، يرى المتدخّل أنّ إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية تمّ "في وقت كان يفرض أن تكون يقظة اجتماعية أيضا"، موردا أن "لجنة اليقظة اليوم لجنة تكنوقراطية شُكِّلَت بسرعة، ولا تعرف وضعية العمال، وتطلب أن يصرّح بهم المشغلون إلى حدود شهر فبراير، وكأنّ الوضع بخير، بينما حتى الشركات المنظَّمَة تتأخّر في التصريحات أو تصرح بجزء ولا تصرّح بجزء، بل هناك عمّال لم يتوصّلوا حتى بمستحقّات شهر فبراير، فكيف بالتصريح بهم!". وتمنّى النقابي والحقوقي ذاته أن يحترم الناس إجراءات السلامة، وربط عدم احترامها في بعض المناطق بأنّ فيها أناسا غير عاملين، إما يشتغلون في "الموقْفْ"، أي مياومين، أو أغلقت معاملهم، أو هم في مناطق منكوبة فلاحيا، ولن يستفيدوا من التعويض، قبل أن يجدّد تأكيده على ضرورة الالتزام بتدابير الوقاية من عدوى "كوفيد-19". وذكر المتحدّث أنّ على أرباب العمل صرف أجور العمّال، و"التعبير عن روح وطنية ولو مؤقّتة"، ثم "استعادة الوقت فيما بعد"، وأضاف: "لا يمكن تحميل المسؤولية الأولى للمشغّلين، بل للدولة لأنها المسؤولة عن حماية السكان من البطالة، والتدخّل لأنها من تُحَصِّلُ الضرائب". وفي ختام مداخلته، توجّه لفناتسة إلى "القوى الديمقراطية" ل"توجيه الهجوم المضاد" ضدّ السياسات الدولية بالمغرب منذ "دمار التقويم الهيكلي" على الأقل في سنة 1983، ومن أجل وقف العمل بقانون المالية الحالية الذي "يحمل نفس التوجيهات"، على حد تعبيره.