أصبحت القارة الأوروبية بؤرة جديدة لوباء "كوفيد-19"، بالنظر إلى تفشي الفيروس بشكل سريع بين مختلف أنحائها، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الوفيات في الأسابيع الأخيرة، باستثناء ألمانيا التي حافظت على معدل منخفض للوفيات مقارنة مع بقية بلدان التكتل الأوروبي. ووفق المعطيات المنشورة من قبل البلدان الأوروبية، فإن معدل وفيات "كورونا" في ألمانيا (1122 وفاة من أصل 86 ألف إصابة) هو سبع مرات أقل من فرنسا (5300 وفاة من 60 ألف إصابة)، واثنا عشر مرة أقل من إيطاليا (حوالي 14 ألف وفاة من 115 ألف إصابة)، ما يطرح الكثير من التساؤلات بشأن "الوصفة الميركلية" المتبعة في احتواء ومحاصرة الجائحة التي تهدد الأمن القومي للدول. وفي هذا الصدد، قال الطبيب راينهارد بوسه، رئيس قسم إدارة الرعاية الاجتماعية في جامعة برلين للتكنولوجيا، وفق ما نقلته إذاعة كندا الدولية، إن "ألمانيا اكتشفت مبكرا الحالات الأولى للإصابة بفيروس كورونا في أوائل فبراير المنصرم، ما جعلها تحاصر الوباء، عكس البلدان الأوروبية الأخرى". وأضاف أن "السلطات الصحية الألمانية تابعت بشكل صارم الأشخاص المخالطين للمصابين بالفيروس المستجد، عبر وضعهم في العزلة الصحية حتى يتم التحقق مخبريا من مدى إصابتهم"، موردا أن "العامل الثاني في نجاح ألمانيا يكمن في رفع عدد الفحوصات اليومية". وأردف الطبيب الألماني قائلا: "في الأسبوع الماضي لوحده، أجرت ألمانيا قرابة 350 ألف اختبار، وكانت النتيجة إصابة 7 في المائة"، موضحا أنه "لا يمكن إخضاع جميع المواطنين للفحوصات الطبية وإن توفرت لدى الدولة البنيات الصحية اللازمة، بل يتم إخضاع الحالات التي ظهرت لديها أعراض مشابهة للفيروس، أو التي خالطت أحد المصابين به". وبخصوص الرفع من وتيرة الكشف عن فيروس "كورونا" المستجد وتعميمه على مختلف فئات المجتمع، اعتبر الدكتور الألماني أنه "لا بد من إجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بكوفيد-19 على نطاق واسع، ففي ألمانيا كشفنا عن عدد كبير من الإصابات وسط الشباب أكثر من البلدان الأخرى، ليتم وضع هذه الفئة في الحجر الصحي تفاديا لنقل العدوى إلى كبار السن". وحول التجربة الألمانية في الكشف السريع عن الإصابات بهذا الفيروس، أشار رئيس قسم إدارة الرعاية الاجتماعية في جامعة برلين للتكنولوجيا إلى "البنية الصحية المؤهلة التي تتوفر عليها ألمانيا منذ سنة 2003، بفضل المجهود الكبير الذي قام به الدكتور كريستيان دروستين (عالم فيروسات) الذي صمم أولى اختبارات الكشف عن مرض سارس، ما يجعلنا حاليا مؤهلين لإجراء 500 ألف اختبار في الأسبوع". وقال المسؤول الطبي الألماني ذاته: "في بداية الأزمة الوبائية، كنّا نفرض مراقبة شاملة على جميع التجمعات العمومية حينما كانت مسموحة حينذاك، فضلا عن إلزامية تجميع معطيات الحاضرين في أي مؤتمر أو ندوة أو تجمع عام من طرف اللجنة المنظمة، ما ساعدنا على الوصول إلى جميع المخالطين في حالة تسجيل أي إصابة بالفيروس". وأبرز المتحدث أن "ألمانيا-على غرار بلدان أخرى-استغرقت وقتا أطول من أجل احتواء الأزمة في بداياتها، حيث أقدمنا على حظر التجمعات العمومية التي تفوق ألف شخص، بينما الآن أصبح الحد الأقصى لأي تجمع لا يتعدى شخصين، فضلا عن إجراءات إضافية أكثر صرامة اتخذت قبل أسبوعين". لذلك، تتزايد حالات الإصابة بالوباء بشكل بطيء حاليا، وفق الدكتور بوسه، الذي أكد أن "استمرار حالات الإصابة بالفيروس بهذه الوتيرة البطيئة سيمكن من محاصرة الوباء وتخفيض معدل الوفيات"، وكشف وجود "1200 شخص في العناية الصحية المركزة، بينما نتوفر على 15 ألف سرير في المشافي". وختم الدكتور بوسه مقابلته بالإشارة إلى أن "الإجراءات الصحية المتخذة مكّنت من جعل النسبة الكبيرة من المصابين بفيروس كورونا المستجد تنتمي للفئات الأصغر سنّا، ومن ثمة هي أقل عرضة لخطر الوفاة"، لافتا أيضا إلى أن "ألمانيا كانت محظوظة نظرا لقلة عدد الإصابات بالفيروس في بعض التجمعات العمومية خلال بداية الأزمة".