إن الاستعمال المتزايد من طرف المواطنين بمختلف أعمارهم وانتماءاتهم واهتماماتهم لمواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الحجر المنزلي المقررة بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية هو الذي جعلني أتقاسم مع المهتمين هذا الموضوع الذي أضحى يشكل واقعا اجتماعيا وثقافيا وحقوقيا يتعين ملامسة أنساقه الافتراضية والتحسيس بآثاره الواقعية. إن التغلغل الكبير لشبكة الإنترنيت والانخراط اللامتناهي للمواطن في تطبيقاتها بشكل جعلها خيارا لا مناص له منها، ساهم بشكل أو بآخر في رسم صورة جديدة لمفهوم المواطنة، بين أفراد ينزوون في أركان بيوتهم وثنايا حجراتهم ويتفاعلون مع غيرهم عن بعد، فأصبحت بذلك المواطنة رقمية والتعابير عن التشاركية الاجتماعية إلكترونية. ولا شك أن غياب الرقابة القبلية واعتماد نسق المجهول (Anonyme) كان لهما الأثر البليغ في ممارسة المواطنة الرقمية بشكل لافت و واسع عبر بيئة افتراضية يسعى مستعملوها إلى رصد ومراقبة القيم المجتمعية والتدابير الاحترازية المعتمدة والتعبير عن اهتماماتهم منها وانتقاداتهم لها وأحيانا عن اقتراحاتهم في تنفيذها. ولا شك أنه مع إعلان وإقرار حالة الطوارئ الصحية بالمملكة المغربية، لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في قياس درجة المواطنة ومؤشر المنبهات السلوكية والثقافية لمستعمليها، حيث إلى جانب مجموعة من مواقع الشبكات الاجتماعية والوسائط الرقمية والتفاعلية التي كان لها الفضل في نشر قيم المواطنة، رغبة منها في بلورة مفهوم واعي للمواطن الرقمي Digital Citizenship حسب تعبير الفقيه برنسكي: Prensky، ظهرت مواقع أخرى وتم استعمال وسائط شتى كالواتساب واليوتوب وتويتر وفيسبوك وإنستغرام وغيرها، واعتمدت في خطابها اليومي على محادثات صوتية وملفات وصور وتعليقات وفيديوهات تسيء في مضمونها إلى المجهودات المبذولة من طرف مختلف الفاعلين الطبيين والمدنيين والعسكريين والسياسيين والإعلاميين لتجاوز هذه الأزمة الاستثنائية، وهو ما استغلته بعض المنابر الإعلامية الأجنبية وعمدت على توظيفه بشكل يخدش صورة المغرب ويعاكس تنويه مجموعة من المتتبعين الدوليين لما حققه من استباقية بتوجيهات سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل رصد وتتبع مؤشرات الجائحة الطارئة ومحاصرتها من الانتشار. ولعلي أجد نفسي إلى جانب مختلف المتتبعين بأن هذه السلوكيات تضرب في العمق قيم المواطنة باعتبارها مجموعة من المعايير والمبادئ التي توجه سلوك الفرد داخل المجتمع وتجعله قادرا على ممارسة حقوقه والقيام بمسؤولياته و واجباته والمشاركة الفاعلة في محيطه الواقعي أو الافتراضي. ولست أعني بذلك الحد من التشاركية الرقمية، ولكن أؤكد بأن نجاح رهان المواطنة الرقمية رهين بامتلاك بيداغوجيا موازية ومهارات معرفية تجعل المواطن المغربي الرقمي يساهم في خلق النقاش العمومي بكل لياقة رقمية وسلوكات واعية تراعي القيم المجتمعية ومتطلبات الصحة النفسية والبدنية للمستخدمين وفق مبادئ علم الأرجونوميكس: Ergonimics" "الذي ينبني في عمق منهجه على أساس الملاءمة الفيزيائية والنفسية بين التكنولوجيا والبشر الذي يتعامل معها. ولأجل ذلك وحماية لوطننا لا سيما في ظل هذه المرحلة العصيبة التي خلقت القلاقل الاجتماعية والاضطرابات النفسية، فإن النفاذ الرقمي يقتضي منا في مرحلة أولى الوعي بالموضوع ومآلاته فيما يتعلق بسؤال الانتماء والهوية، وفي مرحلة ثانية بتوجيه الممارسة الرقمية وذلك باكتساب أساليبها والتي حدد المتخصصون أبرز مظاهرها في ضرورة الانصياع إلى اللياقة الرقمية والقوانين الرقمية، وفي الاستعمال للتكنولوجيا في احترام تام للحقوق والمسؤوليات، بما يضمن الأمن الرقمي والصحة الرقمية، وذلك في أفق بلورة النمذجة والقدوة في المواطنة الرقمية كمرحلة ثالثة من مراحل تنمية الذات الرقمية، والتي لا يمكن بلوغها إلا بوعي الفاعل العمومي بأهمية تدريس موضوع المواطنة الرقمية في إطار مناهج التربية والتعليم كما هو الشأن في كل من بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا وأستراليا، وذلك في أفق ترويض السلوك التكنولوجي بشكل يجعله يتسم بالقبول الاجتماعي، ويضمن للمواطن وعيه الرقمي. *دكتور في الحقوق