جمهورية كوت ديفوار تجدد التأكيد على موقفها الثابت الداعم للوحدة الترابية وسيادة المغرب    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    إتقان ولي العهد الأمير مولاي الحسن للغة الأمازيغية.. رمز لتجذير الهوية الثقافية المتعددة في المغرب    المغرب يدعو بجنيف للتصديق الكوني على الاتفاقية الدولية بشأن الاختفاء القسري    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    الحكومة الاسرائيلية تعطي الضوء الاخضر لاتفاق الهدنة في غزة    المحكمة الأميركية العليا تقر قانون حظر تيك توك    'إف بي أي' يشيد بتعاون الأمن المغربي في القبض على 'سليمان الأمريكي' المتهم بالانتماء إلى 'داعش'    الاستحقاقات القارية : الرجاء الرياضي ينتظر هدية عسكرية من جنوب إفريقيا    المغاربة يتصدرون قائمة الأجانب المسجلين في الضمان الاجتماعي بإسبانيا    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    هال سيتي يعلن التعاقد مع أمرابط    الشرع يستقبل وفد المحكمة الجنائية    توقيف تسعة أشخاص وإصابة رجل أمن وخسائر مادية في أعمال شغب رياضي بالبرنوصي    الثلوج تستنفر سلطات إقليم الحسيمة    عاشِق في كَذِبٍ صادق !    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    محمد الشوبي يشتكي الإقصاء من الاعمال التلفزيونية    كحول مغشوش يودي بحياة 37 شخصا في إسطنبول    التأشيرة الالكترونية.. نتائج إيجابية على القطاع السياحي بالمغرب (وزارة)    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    فتح استثنائي لمعبر "زوج بغال"الحدودي بين المغرب والجزائر    بوريطة يتباحث مع نظيره الإيفواري بالعيون    انضمام الحارس المغربي أنس الزنيتي إلى الوصل الاماراتي    مغاربة يحتفلون باتفاق غزة وينددون باستمرار الإبادة عقب صلاة الجمعة    إجبارية تأمين "مخاطر الورش" و"المسؤولية المدنية العشرية" تدخل حيز التنفيذ    الدولي المغربي حمزة منديل ينضم إلى أريس سالونيكا اليوناني    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    "الأخضر" في افتتاح بورصة البيضاء    السيتي يحصن هالاند بعقد "تاريخي"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    ارتفاع أسعار النفط في ظل مخاوف بشأن المعروض    مشروع قانون الإضراب يثير جدلاً بمجلس المستشارين بين المطالبة بالتعديل والإشادة بالمكتسبات    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    الرجاء يعلن انطلاق عملية بيع تذاكر مباراته ضد مانييما    عائدات سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء بلغت 177 مليون درهم خلال سنة 2024    تاوريرت.. توقيف أستاذ يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم "داعش" الإرهابي    منع الجمهور التطواني من التنقل لمتابعة مقابلة النادي المكناسي    الصين تؤكد على التزامها الدائم بتعزيز التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون    الصين: حوالي 278 مليار دولار، حجم الاقتصاد الرقمي لبلدية بكين خلال 2024    مشاريع توفر الدخل لسجناء سابقين    استطلاع هسبريس: المغاربة يفضلون "الكاش" على البطاقات البنكية    سايس: لم أعتزل المباريات الدولية    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    أشغال بناء سدين تنطلق في تنغير    لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! اللقاء مع ماكرون وجنرال المخابرات المغربية وتهديد شيراك»أسلم تسلم وإلا السلاح بيننا (4)    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية في معادلة التطور الرقمي
نشر في هسبريس يوم 09 - 12 - 2019


تقديم
أصبحت التربية تسائل الجميع من تربويين ومختصين ومثقفين نظرا للتطور التكنولوجي والرقمي الهائل في وسائل التواصل، في إطار ما يعرف بالثورة الرقمية التي غيرت بشكل شبه جذري العادات والتقاليد والسلوكات إيجابا وسلبا، بحيث تسارعت المتغيرات بشكل كبير أمام ما تفرزه شبكات التواصل الاجتماعي من ظواهر أصبحت تهدد جميع الأعمار دون استثناء. فماهي إيجابيات الثورة الرقمية وماهي سلبياتها وماهي البدائل التربوية الملحة التي يمكن للمدرسة العمومية أن تقوم بها، حتى يتمكن المجتمع أفرادا وجماعات من التعامل مع التدفق الهائل للمعلومات والتمييز بين المعلومات الزائفة والكاذبة والمفبركة والمعلومات التي يمكن الوثوق بها واستعمالها؟
1 - إيجابيات وسلبيات التطور الرقمي
لقد حمل التطور الرقمي متغيرات وإيجابيات هائلة غيرت الشيء الكثير في عملنا اليومي وفي قيمنا وسلوكاتنا، بحيث ساعدت في سرعة الاتصال والتفاعل باستعمال الحاسوب والهواتف الذكية وما تتوفر عليه من الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات متعددة، جعلت المواطن قادرا على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بمختلف الأعمار من حيث إعداد البحوث المدرسية أو الجامعية والاستفادة من الأعداد الهائلة للمراجع التي تتوفر عليها شبكة الانترنيت. هذا بالإضافة إلى المعاملات التجارية في عالم الأعمال والخدمات والترفيه ومن بيع وشراء والتي يمكن للمواطن القيام بها وهو في منزله.
لكن الدور الحاسم في معادلة التطور الرقمي هي شبكات التواصل الاجتماعي التي حولت المواطن من مجرد مستقبل للمعلومات إلى فاعل في تدبير المعلومات واستعمالها والتعليق عليها ليقوم بدور الصحفي، في غياب التكوين في المجال الإعلامي أو على الأقل التكوين الذاتي والإلمام بأخلاقيات الإعلام. فأصبح المواطن يتفاعل مع الخبر إيجابا أو سلبا وينتج موقفا معينا حسب مستواه وتكوينه وكذلك حسب طبيعة وعيه صحيحا أم زائفا، في معادلة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. فأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي آلية العالم الافتراضي التي تساهم بشكل فعال في تشكيل الرأي العام وتوجيهه للتأثير والضغط وكذلك لممارسة النقد للقرارات والممارسات التي لا تعبر عن مصلحة المواطن.
في المقابل سلبيات التطور الرقمي أصبحت تتصاعد أمام الاستعمال غير السليم لهذه التكنولوجيا، وخصوصا أمام مواطن لم يستفد بعد من الحداثة وقيمها وتفشي الأمية والجهل في صفوف المجتمع، حيث غياب قيم الاختلاف والتسامح والحوار لا يزال متفشيا بشكل يجعل شبكات التواصل الاجتماعي تساهم في تعميق هذه المظاهر السلبية كالتشهير بالغير والمس بأعراض الناس وخصوصياتهم والمساهمة في نشر الأخبار الكاذبة بدون التحقق من مدى صحتها.
أيضا أصبحت التكنولوجيا الحديثة تؤرق الأسر لما أصبحت تشكله من خطورة على تربية الأبناء وصحتهم الجسدية والنفسية وعلى دراستهم نظرا لصعوبة مراقبة وتقنين هذه التكنولوجيا سواء من طرف الآباء والأمهات أو في فضاءات المدارس. فالطفل تراه منزويا لساعات ومنعزلا تماما عن العالم الخارجي ومندمجا في عالمه الافتراضي يصل في بعض الحالات إلى الإدمان. هذا دون الحديث عن حالة الفتور التي أصبحت تعرفه العلاقات الأسرية بين أفرادها، إذ تجد الآباء والأبناء على السواء في عالمهم الافتراضي اللامتناهي يسرق من الجميع الدفء الأسري والحنان وكل ما هو إنساني. والشيء نفسه ينطبق على العلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء وفي المناسبات حيث يتقلص التواصل المباشر ويصيبه الجمود.
2 - دور التربية في معادلة التطور الرقمي
تفترض الثورة الرقمية وما أحدثته من تطور تصورا واضحا لآليات المعالجة سواء من الدولة أو المجتمع في إطار قانوني، يحترم حرية التعبير للمواطن ودون المس بهذا الحق الذي يعد من الحريات الأساسية، التي تشكل أسس المواطنة وقيمها التي تنظم الحقوق والواجبات. هذا بالإضافة إلى البحث عن معالجة تربوية تبدو لحدود الآن مفقودة في التعاطي الرسمي مع هذا التطور الهائل في المجال التكنولوجي والتواصلي، ليقتصر الأمر على المقاربة الأمنية فقط الشيء الذي أدى إلى استفحال الظواهر السلبية والتجاوزات المذكورة أعلاه.
إن المقاربة التربوية والمتفاعلة جدليا مع المقاربة السياسية الحداثية والديمقراطية من شأنها إعادة بناء المدرسة العمومية المغربية ومنظومة قيم المجتمع وتحديثها وتنظيمها، وهذا يفترض القبول بحتمية التغيير كضرورة العصر ومتطلباته، والأخذ بأسباب التقدم وبسيادة مجتمع العلم والمعرفة المبني على سلطة العقل، للحد من واقع الفوضى المعممة التي نعيشها والتي أدت إلى التسيب وانعدام المسؤولية في غياب المحاسبة التي يمكنها إرجاع الأمور إلى نصابها في إطار القانون.
لذلك فالمدرسة العمومية تقوم في جميع دول العالم بأدوار تربوية واستراتيجية مهمة إذا ما توفرت لها جميع الإمكانيات المالية والبشرية والتكنولوجية، للنهوض بدورها كمؤسسة تنتج الإنسان الذي نريد في المستقبل وفق استراتيجية محددة تهدف إلى تحقيق التطور والتقدم في جميع المستويات، وعلى رأسها ترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام المتنور لبناء المواطن الصالح. وهذا في انسجام تام مع ما يتطلبه المجتمع لربح رهان التنمية الحقيقية والنهوض بوضعية المواطن في المدن والبوادي وتحسين دخله والرفع من مستواه المعيشي وانتشاله من مستنقع الفقر والتهميش والجهل، في عالم يتطور بسرعة هائلة يفترض الدخول إلى الحداثة والديمقراطية من أبوابها الواسعة لمسايرة المتغيرات التكنولوجية والثورة الرقمية بطريقة أعمق وأشمل. وهذا لا يمكنه أن يتحقق إلا من منظور تصور مجتمعي وتنموي جديد يؤسس لبناء المجتمع على أسس صلبة قوامها الديمقراطية والتربية المواطنة المبنية على العلم والمعرفة وثقافة الحقوق والواجبات وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن الثورة الرقمية أصبحت سلاحا ذا حدين تفرز الإيجابيات والسلبيات. هذا الواقع يفرض القيام بمجهودات تربوية جبارة للنهوض بالتربية الإعلامية المندمجة مع العملية التربوية التي تقوم بها المدرسة العمومية، وتحديثها ودعمها ماديا وجعلها النواة الصلبة للمجتمع التي من المفروض أن تعيد تشكيل الوعي الجمعي بقيمه وثقافته والقادرة أن تجيب عن السؤال التربوي في بعده الفلسفي: أي إنسان نريد في عصر الثورة الرقمية؟ وعدم الاطمئنان للأجوبة السهلة التي تعيد إنتاج الواقع المتخلف الذي نعيشه. إنه السؤال التربوي الذي يفترض جوابا جديدا يؤسس لمجتمع جديد متصالح مع ذاته ومع حداثته ويتجه نحو المستقبل بخطى واثقة لبناء مجتمع حداثي يؤمن بالتعدد والاختلاف لمواجهة كل التحديات وعلى رأسها رهان الديمقراطية والتنمية في عصر الثورة الرقمية.
خلاصة
وفي الأخير تبقى المسؤولية الكبرى في يد الدولة وكذلك المجتمع لتوفير الشروط الموضوعية والتربوية لتأهيل المدرسة العمومية، حتى تساهم في بناء مجتمع العلم والمعرفة لتكون لنا مكانة بين الأمم المتقدمة. هذه المكانة تظل مستعصية في غياب خطاب تربوي علمي حقيقي يهدف لإعادة بناء المجتمع على أسس جديدة للخروج من مستنقع الجهل والتخلف. هذا بالإضافة إلى مساهمة المجتمع المدني كقوة اقتراحية للبدائل الممكنة لتطوير منظومة القيم لمواجهة التفاهة والانحطاط، ودعم العلم الذي يتكامل مع الإبداع والفنون الراقية ومنظومة القيم الروحية والدينية المتنورة التي تهدف لبناء الإنسان المتصالح مع ذاته وحداثته المعاصرة، في مدرسة عمومية تسع للجميع في إطار الاختلاف والتعدد والمساواة. وفيها أيضا تتحقق التربية السليمة لمواجهة تحديات العصر وعلى رأسها الثورة الرقمية بمضمون ديمقراطي وحقوقي لبناء مستقبل أفضل.
*أستاذ باحث في القانون والترجمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.