"الإشادة باغتيال السفير الروسي تجر نشطاء رقميين للمتابعة في المغرب"، "المدون عمر الصنهاجي في ضيافة رجال الخيام"، "مكتب الخيام يحقق مع زينب بنموسى بسبب تدوينة"، هذه العناوين وأخرى لم تنافس فقط شخصيات وأشخاص وأحداث جرت على مستوى العالم الافتراضي المغربي لسنة 2016، بل جعلت "المحقق الرقمي" أو مكتب الخيام، يزيحها من طريقه ويستحق لقب "الشخصية الرقمية للسنة". التحقيقات التي فتحها مكتب الخيام، سواء بمبادرة منه أو من وزارتي الداخلية والعدل، وبمبادرة من النيابة العامة أو من المجتمع المدني أو من أي مواطن توجه بشكاية حول تدوينة ما، هذه التحقيقات من مكتب تأسس السنة الماضية، تعطي إشارات للمواطن المغربي الرقمي بأن عليه من الآن فصاعدا أن يتعامل بجدية أكثر مع "سلوكه الرقمي" على شبكة الإنترنت، وأن يفهم أن وسائل التواصل الاجتماعي وإن كانت وفرت له كمواطن منبرا للتعبير عن الرأي والمواقف، وأحيانا حتى للإخبار، وأن المواطن الرقمي بات جزءا من تشكيل الرأي العام في المغرب، فعليه أيضا أن يفهم أن هذا المنبر، كما كل المنابر، له حقوق وعليه واجبات، وأن واجباته هو احترام الآخر وتجنب ما يعرف ب"التحريض على الكراهية الرقمية". التحركات التي قام بها رجال الخيام في ما يخص تدوينات بعض المواطنين الرقميين تدخل في هذا الإطار الذي يعرف ب"خطاب الكراهية على الإنترنت "، أو ما أسميه ب"خطاب الكراهية الرقمي"، وهو "السلوك الأمني" الذي نجده في دول متقدمة مثل السويد، التي تتبنى بشكل كبير كل المؤتمرات والبرامج التدريبية التي تسعى إلى وضع حد لخطاب الكراهية على الإنترنت، ومقاومته بالقانون والمحاسبة القضائية، وأيضا مرافقته بحملات توعية تجعل المواطن الرقمي يفهم شعرة معاوية التي تفصل بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية. تحركات مكتب الخيام تجاه "مواطنين رقميين" بداعي "التحريض على الإرهاب"، أو "الإشادة بأعمال إرهابية"، على خلفية تدوينات على "فيسبوك"، هي تحركات تحدث في أعتى الدول الديمقراطية التي تعي جيدا أن العالم الرقمي لم يعد عالما "افتراضيا" محضا، وأنه مع الوقت ومع التطور الذي ستعرفه التكنولوجيا لن يصبح من السهل الفصل بين الواقعي والافتراضي، لكن هذه الدول الديمقراطية تنشط فيها، وبشكل كبير، جمعيات ومنظمات ومؤسسات تربوية وإعلامية تتحدث بشكل مستمر عن العالم الرقمي، والمواطن الرقمي، وحرية التعبير الرقمية، وخطاب الكراهية الرقمي الخ... وهذا ما زال ينقص المجتمع المغربي؛ إذ لازال يستعمل "فيسبوك" و"يوتيوب"، مثلا، ويقضي فيهما ساعات طوال، ويعتمد عليهما في معرفة الأخبار، وفي تشكيل مواقفه وآرائه، ومع ذلك لا زال هذا المواطن نفسه يتعامل باستهتار مع هذه المواقع، وهو ما نستشفه من عبارة: "وهاداك غي فيسبوك"... لهذا، لا يكفي فقط المقاربة الأمنية في التعامل مع المواطن الرقمي، بل يجب أن تواكبها مقاربة إعلامية وتربوية وفنية، وعلى جميع المستويات، يكون هدفها تشجيع المواطن المغربي الرقمي على مواصلة استعمال وسائل الإعلام الاجتماعي في الإخبار، والتعبير، والضغط، لكن مع الوعي، كامل الوعي، بالحدود التي إن لم يقف عندها فتسقطه في خطاب يحرض على الكراهية، ونعرف أن خطابات الكراهية هي التي تشكل النواة الأولى للإرهاب، وعلينا أن نعرف أن الإرهاب يبدأ فكريا قبل أن ينتهي بتصفية جسدية. لذلك كل تهاون مع تدوينة، أو كل استهتار برد فعل على تدوينة، أو كل جهل بأثر الكلمات، هو تعبير صارخ على أن المواطن المغربي يستعمل وسيلة المفروض أنها أنشئت لمساعدته على إيصال صوته بدون وسائط من أجل مجتمع أكثر ديمقراطية، وليس وسيلة للإقصاء وللتحريض وكراهية الآخر وتصريف الكثير من العنف، كما نلاحظ آسفين على مستوى المحتوى الرقمي المغربي. آليات "فيسبوك" أو "يوتيوب" في محاربة التحريض على الكراهية تبقى ضعيفة، وتنحصر في حذف صفحة، أو حرمان مدون من صفحته، ومقاربة مكتب الخيام هي مقاربة جيدة، لكن وحدها ليست كافية؛ لذلك فتح نقاش حول "المواطنة الرقمية" في المغرب على المستوى التعليمي والإعلامي والفني والحقوقي يجب أن يتماشى مع تحركات رجال الخيام تجاه المواطنين المغاربة الرقميين، وهو ما يمكن أن يفتتح من قبل مكتب الخيام بصفحة على "فيسبوك" و"تويتر" وحتى قناة على "يوتيوب"، يدخل فيها المكتب في تواصل مباشر مع المواطن الرقمي، ويشجع هذا المواطن على ممارسة مواطنته في المساعدة على حماية الأمن في مجتمعه، كما يحدث في دول مثل كندا وأمريكا؛ حيث التواصل مفتوح بين مكتب التحقيقات والمواطن عبر "تويتر". إلى ذاك الحين الذي يعي فيه مكتب الخيام بأن تعامله مع المواطن المغربي الرقمي لا يكون فقط بمراقبة سلوكه الرقمي، بل أيضا بالتواصل رقميا معه، يستحق مكتب الخيام أن يحمل لقب "الشخصية الرقمية لسنة 2016"؛ فسلوكيات المكتب تجاه مدوني "فيسبوك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي تنبئ بأن عهدا رقميا انتهى، وأن عهدا رقميا آخر سيبدأ، وسيكون فيه المواطن المغربي الرقمي أكثر جدية ووعيا وهو يمارس سلوكه الرقمي. * متخصصة في تحليل الخطاب الإعلامي الرقمي