لا يساور سفيان شك في ضرورة الالتزام بالحجر الصحي للوقاية من تفشي وباء كورونا المستجد، لكنه غير قادر على احتماله في منزله الضيق في أحد أحياء الرباط، والذي يقطنه مع والديه وخمسة أشقاء وشقيقات. ويقول سفيان لوكالة "فرانس برس" إن الذين يخرجون من منازلهم، رغم التوجيهات بالبقاء فيها ،"واعون بأن الحجر الصحي من مصلحتنا جميعا، لكن أغلبهم يقيمون في بيوت ضيقة لا تتجاوز أحيانا غرفة ومطبخا لأسرة كاملة". ويضيف وقد وقف عند مدخل زقاق ضيق: "من الصعب تحمل هذا الاكتظاظ يوما كاملا"، مشيرا إلى أن منزل العائلة يتألف من غرفتي نوم وتوابعهما. وبينما يسود الهدوء معظم شوارع العاصمة وأحيائها الخالية من المارة، منذ فرض حالة الطوارئ الصحية مساء 20 مارس المنصرم، مازالت أحياء أخرى تنبض بالحركة. وتنظم السلطات دوريات تجوب أزقة حي التقدم الشعبية مساء كل يوم للتوعية بخطورة الوباء، وإجبار المخالفين على دخول منازلهم. ادخلوا بيوتكم على طول الشارع الرئيسي وسط الحي يتوزع عدد من الشباب في مجموعات صغيرة يتجاذبون أطراف الحديث، أو حول محلات بعض الحرفيين التي مازالت مفتوحة، فيما يفضل آخرون الجلوس قبالة أبواب بيوتهم أو التسمر على نوافذ متفاوتة الأحجام. وتتفرع عن الشارع أزقة متشعبة، لا يتجاوز عرضها أحيانا المتر الواحد، تتكدس على جانبيها بيوت إسمنتية من طابقين إلى أربعة طوابق، وصولا إلى المنحدرات المطلة على نهر أبي رقراق. ولا يملك بعض قاطني هذه المنازل أحيانا أكثر من "غرفة واحدة لا تدخلها الشمس ومطبخ"، مثل منزل عبد الله، البالغ 49 عاما، الذي يقيم فيه مع زوجته وثلاثة أبناء؛ ويقول هذا البائع المتجول المتوقف عن العمل: "لسنا ضد السلطات، لكنني لا أستطيع البقاء في البيت طيلة اليوم". وتتناقض أجواء هذه المناطق المزدحمة في أطراف الرباط مع رحابة فيلات مجاورة، وأحياء أخرى في المدينة مزروعة بشوارع أنيقة وأزقة واسعة، ما يعكس الفوارق الاجتماعية الحادة في المملكة. وابتداء من السادسة مساء كل يوم، ومنذ بدء حالة الطوارئ الصحية التي تستمر حتى 20 أبريل الجاري، تبدأ السلطات المحلية وقوات الأمن دورياتها، وتضطر أحيانا إلى مطاردة المخالفين وتوقيف العصاة "حتى يكونوا عبرة للآخرين"، حسب تعبير أحد رجال الأمن. وأوقف حوالي 450 شخصا في المغرب لخرقهم حالة الطوارئ الصحية، حسب آخر حصيلة أعلنتها السلطات، وتتراوح العقوبات بين الحبس شهرا إلى ثلاثة أشهر ودفع غرامة مالية من 300 إلى 1300 درهم. وتتقدم "الحملة"، كما يسميها سكان الحي، سيارة توجه من خلالها السلطات عبر مكبر صوت نداء إلى السكان: "ادخلوا بيتوكم، احموا أنفسكم من هذا المرض الخطير لنحافظ على وطننا وسلامة صحتنا". دعم مالي تراهن السلطات على العزل الصحي للتصدي لانتشار المرض، وتختلف ردود الفعل بين من يلبي النداء حالا لدخول المنزل ومن يستجدي القليل من الوقت لقضاء حاجة طارئة .. بينما يتابع السكان الآخرون "الحملة" من النوافذ والأسطح، ويصورها بعضهم بالهواتف النقالة. وسرعان ما يعود بعض المغامرين للوقوف في زوايا أزقة تجاوزتها دوريات السلطات. ويقول أحدهم مازحا: "لا يمكننا التلهي طيلة اليوم بهواتفنا النقالة"، بينما تتواصل دوريات الشرطة في الأحياء طيلة الليل. وإلى جانب الحجر الصحي، أعلنت السلطات إجراءات لدعم المقاولات التي توقف نشاطها بسبب تداعيات الأزمة الصحية، تشمل تسهيلات في الحصول على قروض بنكية ودفع النفقات الاجتماعية، بالإضافة إلى تعويض قدره 2000 درهم شهريا للمتوقفين عن العمل في القطاع المنظم. وينتظر العاملون في القطاع غير المنظم بشكل خاص بدائل تساعدهم على تجاوز الأزمة، وأعلن عن صرف تعويضات مالية لهم ابتداء من الأسبوع المقبل. وبين هؤلاء الكثير من سكان حي التقدم، وفق ما يقول البائع المتجول عبد الخالق البالغ 52 عاما، موضحا: "أستطيع التحمل ولو أنني أشعر أحيانا بالاختناق في بيت من 40 مترا مربعا لأسرة من خمسة أفراد، لكن المشكلة كيف سأصمد دون عمل". وتتراوح قيمة الدعم المالي للمتوقفين عن العمل في القطاع غير المنظم بين 800 و1200 درهم للأسرة شهريا، حسب عدد الأفراد؛ وتصرف من صندوق خاص لمواجهة الأزمة بفضل العديد من التبرعات العمومية والخصوصية. *أ.ف.ب