لا أسعى عبر هذا المقال، إلى بخس الحكومة الوطنية مجهوداتها، في لحظة عصيبة من تاريخ المغرب المعاصر، لحظة تستوجب تضافر مجهودات الجميع للانتصار على وباء كورونا، وغيره من الأوبئة الخطيرة كالفساد، انحطاط القيم، تخلف التعليم، والبيروقراطية البليدة، وغيرها من الحروب التي تستدعي تواجد حكومة كفاءات قوية، تمتلك الخبرة والجرأة، اليقظة والذكاء، وتستطيع إبداع الحلول الواقعية الفعّالة، لإخراج المغرب الحبيب من عنق زجاجة الأزمة الراهنة. بكل موضوعية وحياد وتجرد، ودون تحامل أو تساهل، أخفقت الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية سواء في نسختها السابقة مع السيد بنكيران، وأيضا النسخة الحالية التي يرأسها السيد العثماني في تدبير الشأن العام في المغرب، ولم تستطع حلحلة الكثير من الملفات العالقة، بل إنها أصبحت اليوم مشكلة يجب حلها وتعيين حكومة طوارئ، لا سيما وأن المغرب يحفل بالكثير من الكفاءات التي تستطيع تدبير هذه المرحلة بفعالية ونجاعة. إن الدعوة الملحّة والمستعجلة إلى تعيين حكومة طوارئ، ترتبط بمطلب الكفاءة لا غير، وليست انتقاصا من وطنية ومسؤولية وجدية جل مسؤولي الحكومة، ونواياهم الحسنة، لكن وباء كورونا ينتشر أكثر بالنوايا الحسنة، والقضاء عليه وتطويقه وإقباره يتطلب وجود حكومة ذكية تدرك أن السياسة هي القدرة على استكشاف العدو، بتعبير الفيلسوف الألماني كارل سميث Carl Scmitt. قرابة عقد من الزمن -تسع سنوات- هو عمر قيادة حزب المصباح لحكومة لم تستطع مكوناتها تبادل حسن النية، وأثبتت التجارب في الزمن الجميل قبل وباء كورونا، افتقارها للكفاءة، وسأقدّم أمثلة واقعية ناصعة ساطعة: سرّعت حكومة المصباح في تضخم المديونية الخارجية والداخلية وتفاقم عجز الميزانية، مع لجوئها المتكرر إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية، والنتيجة إغراق الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر، وجعل المغرب خاضع لإملاءات صندوق النقد الدولي المُجْحِفة كتمديد سن التقاعد، التقليص من مناصب الشغل، فرض نموذج للتنمية والتعليم، وغيرها من الشروط التي لا تستجيب لخصوصية المجتمع المغربي وانتظاراته. أفضى الاختلاف الإيديولوجي بين مكونات هذه الحكومة، في الكثير من المرات إلى تجاذبات ومناكفات ومشاجرات عصفت بمصداقيتها أمام المغاربة، وهذا ما جعل الكثير من المواطنين يتحدثون عن حكومة الظل، ووزراء الكواليس، وغيرها من الأوصاف الناتجة في الحقيقة عن ضعف كفاءة معظم عناصر الحكومة بدءا برئيسها العثماني. رغم الخطب الملكية الكثيرة بضرورة محاربة الفساد، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي يترأسه السيد إدريس جطو، وجهوزية المئات من الملفات حول قضايا الفساد، لكن حزب الصباح مازال متشبثا بشعار "عفا الله عما سلف".. في حين أن هذه هي اللحظة المفصلية لاسترجاع الأموال العمومية. وهنا لا بد من وقفة تفصيلية هادئة ودقيقة، حين يتساءل الملك محمد السادس أين الثروة؟ وحين يقول ألا أحد معصوم من الفساد سوى الأنبياء والرسل، وأن الفساد ليس قدرا محتوما، فالخطاب واضح هو ضرورة محاربة الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة لخزينة الدولة، وتطهير المؤسسات من المفسدين، في مختلف القطاعات، لا سيما في الميادين الحساسة والمصيرية كالتعليم، سيما وأن ملفات بعض مديري الأكاديميات وكبار الموظفين حبلى بالخروقات، وهم أشهر من نار على علم، نفس المسألة في مؤسسة الصحة، مؤسسة القضاء، وهلم جرا.. لم يكن إخفاق النموذج التنموي السابق لنقص في التمويل، كلا فقد خُصِّصَتْ له ملايير الدراهم وإمكانات هائلة لإنجاحه، لكن الارتجالية، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، أدت إلى نتائج ضعيفة جدا، والسبب هو ضعف الكفاءة، التي تسمح لضعاف النفوس بإمكانية التلاعب مادام الشخص السؤول لا يمتلك الخبرة لمراقبتهم ومعاقبتهم، وهذا ما رصدته تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والنتيجة تدخل الملك وإعفاؤه لوزراء ومسؤولين جراء التهاون في أداء الواجب الوطني والتقصير في تحمل المسؤولية، على غرار فضيحة مشروع منارة المتوسط. ملاحظة مهمة جدا، تعيين الملك للسيد شكيب بنموسى رئيسا للنموذج التنموي الجديد، يجسد الإرادة الملكية في محاربة الفساد، وبناء المغرب المعاصر في زمن صعب، يستوجب كفاءات عالية، تمتلك طاقة هائلة وأدمغة رباعية الدفع، وذكاءات متعددة، وخبرات متنوعة لمواجهة التحديات المعاصرة الرهيبة. غالبا ما يتدخل الملك محمد السادس بحكمته، ويكون دائما صاحب المبادرات الاستباقية، في الدفاع عن الوحدة الترابية، وافتتاح القنصليات في الصحراء المغربية، واستقدام الاستثمارات الأجنبية لإنعاش الاقتصاد وسوق الشغل الوطنية، وغيرها من المبادرات. بخصوص كورونا منذ الأيام الأولى للوباء، استقدمت المبادرة الملكية الطلبة المغاربة من الصين، وتم تخصيص مراكز استشفائية للتأكد من حملهم أو خلوهم من فيروس كورونا كوفيد19، حتى مغادرتهم المستشفيات سالمين. أيضا حث الملك الحكومة على الإحداث الاستعجالي لصندوق تدبير ومكافحة الوباء، قصد التكفل بالنفقات المتعلقة بتوفير وتأهيل الآليات والوسائل والمعدات الصحية، ودعم القطاعات الأكثر تأثرا بسبب انتشار الوباء، للتخفيف من حدّة التداعيات والإفرازات الاجتماعية لهذه الأزمة، وتبعاتها التي أصبحت واضحة للعيان بعد تطبيق قانون الإقامة الصحية، إذْ وجد الكثير من الناس أنفسهم دون شغل أو دخل. ماذا فعلت الحكومة؟ قبل التطرق لاعتباطية تدابير الحكومة، لا بد من كلمة في حق البرلمان المغربي، الذي اعتدنا على مشاهدة مقاعده الوثيرة الفارغة، وهو يجسد إلى حد بعيد ظاهرة "البرلمانيين الأشباح".. ممثلو الأمة الذين نذكر لبعضهم تلك الصورة الرائعة تارة في النوم العميق، وتارة أخرى في السب والشتم، دون نسيان تلك الصورة الاستثنائية في التسابق على اختطاف الحلويات.. وتذكرنا اليوم بظاهرة الجشع، في تسابق البعض لتكديس المؤن الغذائية من المحلات التجارية، هكذا يتحول البرلمان إلى مدرسة لتعليم فنون الانتهازية والأنانية. يجب حل البرلمان، إذ فضلا عن الإجراءات الوقائية التي تمنع التجمعات حفاظا على صحة المواطنين، فقد اعتدنا غياب جل البرلمانيين، علما أن أجورهم تشكل اليوم عبئا ثقيلا على خزينة الدولة، ويمكن استثمارها اليوم في تغطية نفقات القطاعات المتضررة بسبب كورونا، خصوصا للمياومين في كل المهن والحرف. أزمة كورونا هي النقطة التي أفاضت كأس فشل حكومة السيد العثماني، ومع تزايد القرارات الخاطئة التي تتخذها الحكومة، وإفرازاتها الكارثية التي تثقل كاهل الشعب المغربي، وخصوصا شريحة الفقراء، وهي النسبة الساحقة المسحوقة في المغرب. أيضا التسرع في تجميد قرار الترقية لشغيلة التعليم، وهي رهان المغرب، لما تقوم به من تضحيات، وتعبئة الإمكانيات لمواصلة تربية وتعليم المتعلمين المغاربة عن بعد، وهي نظرة سطحية للتعليم باعتباره مجرد ترفة، لا سيدي رئيس الحكومة، العلم والتعليم هو السلاح لمواجهة المستقبل، وتنشئة الأجيال على المواطنة. لكل هذه الاعتبارات، وفي هذا الزمن الاستثنائي، يجب حل هذه الحكومة، وتعيين حكومة الطوارئ، وأعتقد أن لجنة المشروع التنموي الجديد التي يرأسها شكيب بنموسى بمعية السيد إدريس جطو وعبد اللطيف الحموشي، هي كفاءات تستطيع تدبير هذه المرحلة، وإسناد تسيير الصحة إلى المؤسسة العسكرية لحنكتها الكبيرة.. هذه الحكومة بكفاءاتها وجديتها وصرامتها تستطيع السير بالمغرب نحو شاطئ الأمان وتجاوز قتامة هذه المرحلة. نعم هذه اللحظة تحتم وجود كفاءات قادرة على اتخاذ القرارات السريعة الصائبة التي تتسم بالفعالية والمجدية، واستباق الأحداث، والأهم هو القدرة على تحسيس المواطنين بالطمأنينة والأمن والأمان، وهي آلية تتطلب وجود حكومة قوية، كما يقول مونتسكيو في كتابه روح القوانين. المواطن المغربي اليوم وفي ظل أزمة كورونا في حالة ترقب وخوف على غرار معظم البشر في العالم قاطبة، إضافة إلى عدم الثقة في قرارات السيد العثماني، وهذا ليس تبخيس لاشتغاله، بل هو مجرد وصف موضوعي لممارسته السياسية، ولولا الكثير من المغاربة الشرفاء وتفانيهم في أداء واجباتهم تجاه الوطن والمواطنين، لانكشفت عورة الحكومة أكثر بكثير.. نحتاج حكومة تحول أزمة كورونا إلى لحظة اتحاد وتلاحم بين المغاربة.. لحظة تاريخية مفصلية.. سننتصر فيها بمشيئة الله.. ونخلد لأبنائنا وأحفادنا دروسا من المجد والتضامن والأخوة والتكافل والازدهار.. وهذا لن تحققه حكومة "المصباح". من أجل المغرب.. والشعب المغربي الأبي، أقول ما قلت، لأن حب الوطن من الإيمان.