في الأيام الأخيرة، تعاظمت مخاوف المغاربة، مواطنين ومسؤولين بخصوص وتيرة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بالمغرب، وانتاب الجميع نوع من الارتباك بخصوص فعالية الإجراءات التي قامت بها الدولة المغربية من أجل محاصرة الفيروس والقضاء عليه، من إغلاق للمدارس وللحدود وإيقاف العمل بعدد من القطاعات، والاشتغال عن بعد، وتفعيل حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر والتزام البيوت من طرف جميع المواطنين إلا للضرورة القصوى وفتح حساب تبرعات وصندوق خاص لتمويل كل الاجراءات الأساسية في هذه المرحلة. ومن البديهي القول بأن هذه الاجراءات وأخرى لم يسع المجال لتفصيلها، رغم تأثيرها على المعيش اليومي للمواطنين، إلا أن الكل استحسنها واعتبرها ضرورية لتدبير الأزمة، بل وذهبت بعض الدول والمنابر الاعلامية الدولية والمؤسسات العالمية إلى الإشادة بها واعتبارها إجراءات احترازية واستباقية قام بها المغرب، حتى لا يقع في عدد من الأخطاء التي ارتكبتها بعض دول الجوار. إلا أنه كما أسلفنا، مع توالي أيام الطوارئ الصحية والتزام المواطنين بيوتهم، برزت بعض المؤشرات السلبية التي بثت نوعا من القلق والارتباك لدى المغاربة نوعا ما، وهي: ارتفاع سريع في عدد الإصابات الذي وصل إلى 450 حالة (في الفترة المممتدة من 02 مارس إلى 29 منه)، ما يقارب نصفها في الأربع أيام الأخيرة. انتشار الفيروس في عشر جهات من أصل إثني عشر جهة حسب التقسيم الجهوي للمغرب. انتشار الفيروس في بعض المدن الكبرى التي تعرف كثافة سكانية عالية، الدارالبيضاء مثلا تجاوزت رقم 120 حالة إصابة. إجراء التشخيص على عدد ضعيف جداً من المخالطين والمشتبه فيهم (1624 حالة مستبعدة)، في وقت تقوم الدول بتشخيص بالآلاف بشكل يومي قبل ظهور الأعراض. ارتفاع نسبة الوفيات في صفوف الإصابات إلى ما يقارب 6 بالمائة وهي نسبة مرتفعة ومقلقة على المستوى الدولي. في مقابل هذه المؤشرات التي تبدو مقلقة من حيث الكم، يمكن استخراج العديد من المؤشرات الايجابية في هذه المرحلة والتي تؤشر على أن الانتصار قادم لا محالة على فيروس كورونا المستجد. أولا، عدد كبير من الاصابات في صفوف مفاربة قادمين من الخارج أو سياح أجانب، ومن خالطوهم، بمعنى أنه في حدود شهر، لا زال القائمون على تدبير مكافحة هذه الجائحة، قادرين على ضبط المعطيات المرتبطة بحالات الإصابة، وهذا يعني أن التحكم في تصريف التدابير اللازمة دون اللجوء إلى المستشفى مباشرة لا زال ممكنا وفعالا، مثل التزام الحجر المنزلي، الحجر الصحي، تطويق بعض الأحياء السكنية، التواصل مع المخالطين المشتبه في إصابتهم، وهذا يوفر الكثير من التكاليف الطبية من قبيل اختبارات الكشف وأجهزة التنفس الصناعي، وأسرة الانعاش… ثانيا، تسخير كل الامكانيات المادية التي تتوفر عليها الدولة من أجل مواجهة هذا الفيروس، ومنح الأولوية لتأهيل القطاع الصحي، حيث بلغت الموارد المخصصة التي ضخت في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، 23.5 مليار درهم في ظرف أسبوع من الإعلان عنه،وهي تبرعات ومبالغ ضخمة لم تكن منتظرة مقارنة مع ما تعرفه الدول الكبرى، وهو ما مكن المسؤولين من مباشرة اقتناء آليات وأدوات طبية بشكل استعجالي بقيمة ملياري درهم، وتخصيص تعويضات هامة لفائدة عدد من الشرائح الاجتماعية المتضررة من جراء فقدان الشغل. والأمر الثاني تعبئة القوات المسلحة الملكية من أجل تنزيل القرارات بشكل صارم ومساهمة الأطر الطبية العسكرية إلى جانب زميلتها المدنية في احتواء الوضع الصحي، وأيضا انخراط القطاع الخاص بمختلف أشكاله في المساهمة بالامكانيات التي يتوفر عليها. ثالثا، ارتفاع منسوب الثقة لدى المواطنين، واندحار مقولات التشكيك والتحليلات المجانبة للصواب، وأصبحت الأغلبية من الجمهور تتداول المعطيات الإحصائية الواردة من الجهات الرسمية المسؤولة، بل وتعمل على نشرها من أجل مخاربة الأخبار الزائفة والكاذبة الناشرة للخوف والهلع. وهذا من شأنه طمأنة الجميع والتعامل معهم بكل شفافية ووضوح. رابعا، انخراط المواطنين فرادى وجمعيات في عمليات التحسيس والتوعية بضرورة الامتثال لقرارات السلطة بشكل مسؤول وملتزم، وأيضا مساعدة العديد من الأسر الفقيرة التي لم تستطع توفير قوتها اليومي بسبب حالة الطوارئ الصحية. خامسا، الشروع في استخدام دواء « كلوروكين » و« هيدروكسي كلوروكين » لعلاج المصابين بفيروس كورونا بمختلف جهات المملكة، وهذا ما سيساهم في ارتفاع حالات التعافي والتقليل من الوفيات. سادسا، انحسار الوباء في الصين وتراجعه بعدد من الدول الأسيوية، وهذا ما يجعلنا أمام تجارب غنية ومهمة يمكن أن نأخذ منها التدابير الفضلى لمواجهة الأزمة. إن تدبير الأزمات يقتضي منا قراءة دقيقة ومستشرفة، تعمل على اكتشاف الفرص واصطيادها مع تفادي المخاطر، والدول والشعوب التي تحافظ على هدوءها في الأزمات الخطيرة، وتشتغل بكل واقعية وحذر وتستخدم المنهجيات العلمية والطرق الحديثة غير التقليدية، مثل اعتماد فرق العمل، وتكوين احتياطي تعبوي للتعامل مع الأزمات، وإشراك الجميع بنفس ديمقراطي، وغيرها، ستنتصر لا محالة في مواجهة أزماتها، بل وستجعل منها جدارا دفاعيا وقائيا ضد الأزمات المقبلة. وعلى كل واحد منا أن يعرف أنه إذا أضاء شمعة صغيرة خير له من أن ينفق عمره يلعن الظلام، وأن من أطفأ شمعة غيره بقى في الظلام مثله. *رئيس المركز المغربي للتفكير والتطوير