يشهد العالم الآن بأسره، بشهادة منظمة الصحة العالمية، هجوم أقوى فيروس عرفه تاريخ البشرية، لم ينفع معه علاج إلى حد الساعة، وهو فيروس كورونا أو كوفيد 19 الذي استطاع أن يصيب ويفتك بأرواح الكثير من الناس بمختلف بقاع الكرة الأرضية؛ ولم تصمد أمامه حتى كبريات الدول المعروفة بتقدمها العلمي والطبي والتكنولوجي. فهذا رئيس وزراء دولة إيطاليا يصرح للعلن بأن حلول الأرض لمواجهة هذا الوباء العالمي انتهت بالنسبة لإيطاليا والأمر متروك للسماء. ورغم الأخبار التي نقرأها هنا وهناك عن التوصل إلى لقاح فعال يقينا شر هذا الداء، مازال الأمر يحتاج إلى تأكيد رسمي من طرف منظمة الصحة العالمية؛ وفي انتظار ذلك لم يبق لنا سوى الوقاية كأفضل علاج في هذه المرحلة للتقليل من حجم انتشار الوباء وتجنب خطورة أضراره، وذلك باتباع النصائح والتدابير الوقائية الطبية التي تفرض عدم الاختلاط بين الناس وترك مسافة الأمان عند التواصل وغسل اليدين بالماء والصابون وتعقيمهما بالمطهر الكحولي، وارتداء القفازات والكمامات الطبية عند الاقتضاء...وغيرها من التدابير الوقائية الأخرى. وإذا كان هذا هو الوجه المظلم لداء كورونا، فإن له وجها مشرقا آخر باعتباره كأي أزمة من الأزمات تخرج أحسن ما فينا، وقد تكشف حتى عن أقبح مساوئنا؛ أفلم يقل إن {الأزمات تكشف معادن الرجال}؟ إذ تتبعنا عن كثب عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي المواقف الإنسانية العظيمة التي طبعت تصرفات مواطني العديد من الدول التي ابتليت بالداء، وكيف تطوع الأشخاص المعافون في دولة الصين لنقل الدواء إلى المرضى المصابين، وكيف فتحوا منازلهم كمستشفيات للعلاج رهن إشارة الأطقم الطبية، وكيف التزموا بالتحذيرات الوقائية الطبية لتفادي تفشي المرض بكل ثبات وانضباط. وحتى مع إقرار تدبير حظر التجول شاهدنا كيف أن المواطنين في إيطاليا وإسبانيا تغنوا عبر شرفات منازلهم بالأناشيد الوطنية والمعزوفات الموسيقية وشكروا الأجهزة والأطقم الطبية الساهرة على أمنهم وصحتهم. والمغرب بدوره لم يشذ عن هذه القاعدة، حتى قبل أن تصل إليه عدوى كورونا، حيث بادر جلالته نصره الله إلى إعطاء أوامره المولوية السامية بإحضار الطلبة المغاربة من مدينة ووهان الصينية في عز الأزمة، وتكلف برعايتهم بعد دخولهم أرض الوطن وتسليمهم لأسرهم سالمين معافين. وبعد تسجيل حالات انتقلت إليها العدوى أمر جلالته بإحداث صندوق تدبير جائحة فيروس كورونا، بعدما ضخ فيه حفظه الله ملياري درهم من ماله الخاص.. كما لاحظنا كيف هبت مختلف مؤسسات الدولة إلى المساهمة بدورها في ميزانية الصندوق في تعبير تضامني قوي جدير بأصول وتقاليد وأعراف المغاربة عبر مر العصور، الذين كلما اشتدت عليهم الكروب والمصائب إلا وازدادوا إيمانا وتضامنا وقوة وشموخا، ومن بينهم أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذين تبرعوا براتب شهر وكافة قضاة المملكة الذين تبرعوا بنصف رواتبهم الشهرية بمختلف رتبهم ودرجاتهم، دون الحديث عن باقي المواقف التضامنية لمختلف أفراد وفعاليات المجتمع، بين من صال وجال الدروب للتحسيس والتوعية ومن فتح مصحاته ووضعها رهن إشارة وزارة الصحة لإسعاف وعلاج المرضى، وغيرهم كثير... وانطلاقا من واجب الودادية الحسنية للقضاة كجمعية قضائية مهنية مواطنة، تهمها مصلحة الوطن والمواطن، فقد بادر رئيسها منذ الإعلان عن صندوق تدبير جائحة فيروس كورونا إلى إطلاق حملة جمع تبرعات في صفوف القضاة، الذين كانوا عند العهد وفي الموعد. كما أنه حرصا من الودادية الحسنية للقضاة على مصلحة القضاة وسلامتهم باعتبارهم يقدمون خدمات ذات ارتباط وثيق بمصلحة المواطن، وتتسم بالديمومة والاستمرارية، فقد بادر مكتبها الجهوي بالدار البيضاء، بتوجيهات من السيد رئيس الودادية، إلى وضع برنامج استعجالي يروم تأمين وتزويد مختلف قضاة محاكم الدائرة القضائية بسائر أدوات السلامة والوقاية من جائحة فيروس كورونا {مطهرات كحولية/قنينات صابون معقم/قفازات طبية/ كمامات طبية..} شرع في تنفيذه هذا اليوم على صعيد مختلف محاكم الدائرة القضائية بالدار البيضاء، التي تم تزويدها بالمطلوب؛ علما أن هذه العملية ستستمر بشكل تدريجي طيلة فترات الأزمة حتى تنفرج بإذن الله. ستنتهي أزمة كورونا ولا شك لأن لكل شيء نهاية، ولأن من أنزل الداء أنزل الدواء...لكن لا ينبغي أن تفقدنا هذه الأزمة إنسانيتنا وآدميتنا وإيماننا بأن في تضامننا قوتنا، فالأزمة ستنجلي وسينظر كل واحد منا في عين الآخر، فإما يعانقه عناق المشتاق أو يقول له إليك عني، ماذا فعلت لي عندما كنت بحاجة إليك؟...وللحديث بقية. *رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدار البيضاء