الحسن بن علي الصباح، قاد ثورته ضد الدولة السلجوقية في القرن الخامس الهجري بواسطة الحشيش الذي كان يطعمه لجنوده أو إن صح التعبير لبعض المريدين في جيشه قبل أن ينزلهم جنة على الأرض في الجهة الأخرى من قلعته الشهيرة "ألموت" التي تعني عش النسر المنيع، كان المريد، و تحت تأثير المخدر يعيش ساعات ما قبل الفجر في جنة "الموت" بين أواني الخمر و خصور النساء اللواتي اشترين وأعددن لهذا الغرض، معتقدا أنها الجنة الأخرى، الجنة التي وعد المؤمنون المستشهدون بدخولها دون حساب.. جرعة من الحشيش كانت كافية للانتقال إلى العالم الآخر ورؤية الجنة، الجرعة نفسها تكفي بعد إعداد المريد أيديولوجيا وعقديا ليصبح سلاحا بشريا فتاكا يسعى إلى الموت بنفسه طمعا في العودة إلى "الجنة " التي رآها بعينيه تحت تأثير الحشيش؛ سلاح بشري خطير كان يؤمن بالقضية و يعرف المصير بعد الموت، يستهدف به الحسن بن علي الصباح في ثورته ضد السلاجقة كبار الرؤوس في الدولة للإطاحة بهم والجلوس على كرسي الحكم مكانهم؛ لهذا يرجع كثير من المؤرخين تسمية هذه الطائفة الدينية بالحشاشين نسبة إلى المادة المحركة للجندي الثائر، فأصحاب هذه الأفكار الخرافية المنحرفة، لا يتركون وسيلة من الوسائل للوصول إلى أهدافهم ومصالحهم الشخصية الضيقة، إلا واستعملوها وركبوها ولو كانت هذه الوسيلة شيطانية ولا تمت للدين الإسلامي بصلة، فهذه التيارات الخرافية من المشعوذين والدجالين وضاربي الكف والفنجان، والمتنطعين من رجال الدين وأدعياء العلم عادة ما يخرجون من جحورهم أيام المحن والأزمات الاجتماعية لتدشين سلسلة من الفتاوى والقصص الخرافية التي لا يقبلها عقل ولا دين، ومن هذه القصص التي طلعت علينا هذه الأيام في زمن كورونا ، أن هناك "شعرة" في المصحف، من يعثر عليها، ويضعها في الماء ويشربها، ستحصنه من فيروس الكورونا، ومن يقرأ الدعاء الفلاني أو السورة الفلانية لا يقربه فيروس كورونا، وهناك نبوءة انتشرت بين الناس تدعي إذا تساوى الرقمان 20=20 فإن ذلك يعني نهاية العالم، كما انتشر أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هناك آيات من القرآن الكريم كدليل على أن فيروس كورونا مذكور في القرآن، وغير ذلك من القصص والخرافات التي لا تعد ولا تحصى، وفي هذا السياق رأينا بأم أعيننا مسيرات وتظاهرات بشرية هستيرية تجوب الشوارع في المغرب ومصر وتونس منددين ومطالبين من فيروس كورونا بالرحيل؛ مع أن الخبراء والأطباء ووزراء الصحة في كل دول العالم، يحذرون من التجمعات، وخطورته في نشر الفيروس، بينما المتنطعون من الدجالين والمشعوذين والخرافيين، يدعون لمسيرات وتظاهرات من أجل مقاومته وقتاله بأجساد عارية، هل رأيت تخلفا وتنطعا مثل ذلك؟!. فتاريخنا الإسلامي في الحقيقة عرف نماذج لا تعد ولا تحصى من هذا النوع من الحماقات والخرافات؛ لكن مع التطور العلمي والتقدم الحضاري الذي عرفته البشرية كنا نظن بأن "الحشايشية" انقرضوا وانقرضت معهم أفكارهم ومذاهبهم الباطنية الخرافية، البعيدة كل البعد عن المنطق والحكمة والفهم الصحيح للدين الإسلامي، متى يعلم هؤلاء الشباب وشيوخهم ودعاتهم وزعمائهم الذين يحركونهم من وراء حجاب أن سوق صكوك الغفران قد تفكك وانتهى بلا عودة -إن شاء الله -وأن العالم اليوم يسير بالعقل والعلم والتخطيط المحكم والتدبير العقلاني للأمور، وهذا لا يتعارض أبدا مع مبادئ ديننا الإسلامي ومقاصده الكبرى، فليحذر هؤلاء من تسييس جائحة كورونا أو تغليفها بخلاف ديني مذهبي من أجل تحقيق مصالح شخصية، فنحن في سفينة واحدة، إما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا، فالإسلام كما هو معلوم ينظر إلى الفرد والجماعة نظرة شمولية انسانية واحدة لا نظرة إقصاء طرف على حساب الطرف الآخر، فليس للفرد في الإسلام الحق في أن يطغى على الجماعة، وليس للجماعة كذلك الحق في أن تطغى على الفرد، وليس أبلغ في الدلالة على هذه النظرة الإنسانية العقلانية الرافضة لمنطق الفردية المُطلَقة من هذه الصورة الجميلة التي يرسمها الحديث النبوي الشريف: "إن قومًا ركبوا سفينة، فاقتسموا فصار لكل منهم مَوضِع، فنقَرر جل منهم موضعه بفأسه، فقالوا له: ما تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع فيه ما أشاء، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا جميعا، وإن تركوه هلك وهلكوا جميعا"، وعليه فمن يتسبب في تهييج الناس للخروج في هذه الظرفية الحرجة بدعوى الالتجاء إلى الله "جل جلاله" بالدعاء والتكبير والتهليل يُخشى عليه أن يكون في حكم الشريعة الإسلامية من القتلة، لأنه يدفع بالناس دفعا إلى التهلكة، والله يمنعنا من ذلك، يقول سبحانه "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". فمن يسمع لهؤلاء ويلبي نداءهم في الخروج الى الشوارع والأزقة فقد لبى نداء الشيطان وخالف هدي نبيه عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته الكريمة وخصوصا في ما يتعلق بمحاصرة الأمراض المعدية مثل ما جاء في الحديث النبوي الشريف: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ"، وفي حديث آخر: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ"، وحديث: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ (يعني: الطاعون) بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه" ومخالفتهم كذلك لتعاليم القرآن الكريم يقول تعالى "وَإِذَا جَاءَهُمُ أَمْرٌ مِنَ الاَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الاَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا". ذلك أن الوباء لما كان من أمر الخوف لم يحل للأفراد الاستقلال بالتصرف فيه، بل مقتضى التَّدَيُّن الحق رَدُّه إلى أولي الأمر الذين يختصون بامتلاك إمكانيات المعرفة به وبدرجات خطورته وبطرق محاصرته كالسلطات الرسمية المعنية ووزارة الصحة والخبراء من الأطباء وأهل الاختصاص..؛ بحيث تصير مخالفة توجيهاتهم في ذلك ابتعاداً عن فضل الله ورحمته؛ بسبب اتباعهم لخطوات الشيطان الفَرِح بالمخالفة؛ دليله قوله تعالى في ختام الآية "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا" في سياق الأمر بالرد إلى أولي الأمر. لا ريب أن الدعاء في حال التلبس بإتيان أسباب قتل الآخرين عند الاختلاط بهم أو بغيرهم ممن سيحمل لهم الفيروس المعدي؛ دعاء على غير الوجه الشرعي؛ فليست العبرة بالإتيان بصورة الطاعة مقرونة بما يحرك العواطف كالبكاء، وإنما العبرة بموافقة مراد الله في شريعته، موافقة تتوقف على العلم الذي يختص بمعرفته العلماء الذين أمرنا الله بسؤالهم، يقول تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". ولهذا من يدفع بهؤلاء العامة والدهماء من الناس للخروج في الشوارع مكبرين مهللين في المدن في عز قانون الحجر الصحي وفي ذروة انتشار فيروس كورونا الخطير في العالم؛ في الحقيقة شبيه بصنيع من أفتى صاحب جراحة الرأس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه لا يحل له التيمم؛ بل يجب عليه الاغتسال فمات، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: "قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا إذ جهلوا إنما شفاء العي السؤال"، فالدين يا سادة يؤخذ بالعقل والفقه والعلم وليس بالأحلام أو بالعواطف الجياشة التي يذهب ضحيتها الأخضر واليابس والصالح والطاح، فهذا السبيل الذي سار عليه أصحاب التنطع والتدين المخشوش في دولنا العربية والاسلامية اليوم سار عليه من قبلهم جماعة دينية تسمى بالخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامه.. يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم؛ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". الله المستعان. *باحث في الفكر الإسلامي – البرازيل