1- الرؤية الإستراتيجية العامة التي تؤطر البرنامج : جاء البرنامج الحكومي لأول حكومة في عهد الدستور الجديد منسجما مع التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة فيما هو مرتبط في خطوطه العريضة مؤكدا على الاستمرار في المشاريع الإستراتيجية المهيكلة التي يتطلب تنفيذها أكثر من ولاية حكومية، وجاء كذلك مترجما للتوجهات الكبرى للدولة المغربية المعلن عنها في الدستور الجديد سواء على مستوى تحديث هياكل الدولة من خلال استكمال البناء المؤسساتي لإرساء مؤسسات الحكامة والقوانين التنظيمية المرافقة أو على مستوى تحديث المجتمع من خلال البحث عن سبل امتصاص الهشاشة الاجتماعية وخلق شروط تنمية وتوسيع دائرة الطبقة الوسطى أو على مستوى تحديث أنماط تدبير الشأن العام من خلال تفعيل مقتضيات الحكامة في التدبير العمومي عبر آليات التشارك وربط المسؤولية بالمحاسبة. وكما أن لكل إستراتيجية رؤيتها العامة على المستوى البرنامجي فيما يخص الموارد الضرورية لبلوغ الأهداف، فقد جاء البرنامج الحكومي بمجموعة من التدابير المرقمة منها وغير المرقمة التي تعتزم الحكومة اتخاذها لتحقيق وعودها ضمن أهداف عبر عنها البرنامج بصيغة "التوجهات الكبرى" واعتمادا على آليات عبر عنها البرنامج كذلك ب "المرتكزات" ضمن أفق استراتيجي نستطيع أن نعبر عنه بأفق دولة الحكامة. 2 - في طبيعة الهيكلة الحكومية الجديدة : كما هو معروف في علم التدبير فإن التنظيم ابن الإستراتيجية وبالتالي يمكن أن نقرأ التفاصيل العامة للبرنامج الحكومي من خلال طبيعة الهيكلة الحكومية الجديدة والأدوار الجديدة التي سوف تضطلع بها بعض المؤسسات الوزارية المستحدثة. على مستوى رئاسة الحكومة أحدث منصب وزير دولة وهو بمثابة نائب فعلي لرئيس الحكومة يقتسم معه أعباء الأجندة الممتلئة ويمكن أن نقول بأن الدور الرئيسي الذي يمكن أن يلعبه هو الحفاظ على تماسك الأغلبية الحكومية. على مستوى وزارة المالية أحدثت وزارة منتدبة مكلفة بالميزانية وهو ما يعني أن البرنامج الحكومي مقبل على إعادة ترتيب بيت الميزانية العامة للدولة وفق خطة تمكنه من تمويل مرتكزات السياسة العامة للحكومة على المستوى الاجتماعي التي تقترح تدابير إجرائية من شأنها أن تحدث تغييرا كذلك على مستوى التوجهات العامة لسياسة الدولة فيما يخص التعاطي مع الطبقات الاجتماعية وروافدها الاقتصادية. هناك تصور أولي في هذا المجال يعتمد على تغيير نمط الحكامة لصندوق المقاصة وفق إجراءات أكثر عقلانية فيم يخص عملية استهداف جديدة وتحويل متجهات الدعم نحو صناديق اجتماعية أخرى. أما على مستوى السياسة المجالية فقد أضيفت عبارة "وسياسة المدينة" إلى اسم وزارة الإسكان والتعمير بعد حذف عبارة "والتنمية المجالية" وهو ما يعني أن الحكومة سوف تعمل بمقاربة جديدة لتدبير المدن المغربية بعد أن أصبحت نظريات التنمية الحديثة تتجه نحو إعطاء المدن دور الرافعات الأساسية للنمو الاقتصادي. أما على مستوى رأس الحكومة فقد أحدثت وزارة منتدبة سوف تعنى بشؤون الحكامة للتتبع والتنسيق بين الإستراتيجيات القطاعية في حين أصبحت وزارة العدل تحت اسم وزارة العدل والحريات للإعلان عن انطلاق برنامج حكومي سوف يتعاطى بطريقة مختلفة مع مجالات الحريات العامة والفردية وسوف يركز عليها بعد أن أصبحت السلطة القضائية بحكم الدستور سلطة مستقلة بمجلس أعلى. المجتمع المدني كذلك وانسجاما مع الدور الذي أصبح يضطلع به دستوريا يجد له مكانا في الهيكلة الحكومية حيث أضيفت مهمة العلاقة مع المجتمع المدني للوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان وخلاصة القول نحن أمام برنامج حكومي معالم توجهاته الكبرى انطلقت من خلال الهيكلة الحكومية الجديدة. 3 – في مهام وزارة الشؤون العامة والحكامة : يمكن أن نعتبر الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة هي أم الوزارات داخل التركيبة الحكومية الجديدة نظرا للدور الذي سوف تلعبه سواء على مستوى تفعيل مقتضيات محاربة الفساد والريع وتتبع أعمال مختلف أجهزة الرقابة على المال العام ومدها بالخطوط العامة لعملها وخصوصا عملية التنسيق على مستوى التوجه العام بين برامج المجلس الأعلى للحسابات وبرامج مختلف المفتشيات العامة (للمالية والمرتبطة بالوزارات وتلك المرتبطة بالإدارة الترابية) وكذا التنسيق مع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أو منظمات المجتمع المدني العاملة في نفس الميدان كالهيأة الوطنية لحماية المال العام أو تراسبارانسي المغرب وغيرها. من جهة أخرى سوف تتحمل نفس الوزارة أعباء تتبع السياسات القطاعية والتنسيق فيما بينها ضمن رؤية مندمجة للبحث عن شروط الالتقائية فيما بينها وكذلك بينها وبين المشاريع المهيكلة التي قد تفرض تدخل فاعلين آخرين سواء كانوا فاعلين اقتصاديين أو فاعلين مؤسساتيين يشتغلون تحت وصاية المؤسسات الوزارية. ومن جهة ثالثة سوف تتحمل هذه الوزارة كذلك مسؤولية تتبع أشغال مؤسسات الحكامة التي جاء بها الدستور الجديد والعمل على مرافقتها في إرساء أجندات اشتغالها وفق رؤية مندمجة كذلك لصهر أدائها وفق ما يخدم الأهداف العامة للبرنامج الحكومي. هناك طبعا إشكالات سوف تطرح على هذه المستويات الثلاث فيما يخص طبيعة مهمة هذه الوزارة وحدود اختصاصاتها وطبيعة تدخلاتها حيث لا يتسع المجال للتفصيل في هذا المقال. 4 – في موقف المعارضة أهم ما يميز موقف المعارضة بمختلف ألوانها هو توجيه نقد للبرنامج الحكومي طابعه العام يصب في غياب لغة الأرقام وعدم الوضوح في التدابير لتمويل البرنامج بالإضافة إلى إهمال معطيات الظرفية الاقتصادية العالمية وتأثيرها على الإقتصاد المغربي وغياب الجدولة الزمنية في تنزيل البرنامج مع التأكيد على التراجع فيما يخص قضية النوع الاجتماعي وعلى الخصوص المرأة وموقعها في الحكومة وفي البرنامج، ومخاطر التعامل مع صندوق المقاصة خارج نطاق رؤية شمولية مع الاحتجاج طبعا على تسريب البرنامج للصحافة قبل عرضه على البرلمان. لقد جاءت مواقف المعارضة ضمن الرؤية العامة التي تؤطر البرنامج الحكومي والمرتبطة بسياق الاستمرارية على مستوى التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة وهو ما يبشر بأفق سياسي يغلب عليه طابع الاستقرار فيما هو مرتبط بالاختيارات الكبرى التي لخصتها الوثيقة الدستورية. خلاصة: لقد دخل المغرب عبر محطة الربيع العربي إلى مرحلة سياسية جديدة ملامحها بدأت تتشكل من خلال الأسلوب المتحضر الذي بدأت تبين عنه النخب السياسية بأداء متميز سواء على مستوى كيفية تدبير الاختلافات أو على مستوى التعامل مع المواقع الجديدة لبعض الفاعلين السياسيين .نحن في بداية التراكم لما سيمكن ساحتنا السياسية مستقبلا من إفراز أقطاب حقيقية لها من الخبرة ما يكفي لممارسة تناوب ديمقراطي تفرزه صناديق الاقتراع بقيادة ملك له من الإرادة ما يكفي لاقتسام السلطة والقرار الإستراتيجي وخير دليل على ذلك لجوء حكومة الحكامة مباشرة إلى البرلمان للمصادقة على برنامجها رغم توجهها الإستراتيجي الجديد القائم على محور الحكامة بكل ما يستبطنه من إجراءات إن نجحت الحكومة في تطبيقها سوف تنتج معادلات اجتماعية غير مسبوقة.