في الوقت الذي يصرح فيه مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن النظر اقتضى عرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري لأنه يتضمن قضايا ذات طبيعة إستراتيجية يصرح حسن طارق البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي بأن المجلس الوزاري ليس من اختصاصه المصادقة على البرنامج الحكومي – جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 9982 ليوم السبت والأحد 7-8 يناير 212 – والحقيقة أن الأمر يعتبر سابقة في المغرب أن تلجأ الحكومة إلى المجلس الوزاري للتداول في البرنامج الحكومي قبل عرضه على البرلمان كما جاء في نفس الجريدة على لسان من وصفتهم بالفقهاء الدستوريين دون ذكر أي اسم من هؤلاء الفقهاء. والواقع حسب ما أعتقد أن الأمر قد أثير لأول مرة على صفحات أسبوعية المشهد المغربي التابعة لمجموعة " ماروك سوار" في عددها 103 الذي نشر يوم 30 دجنبر 2011 حيث أجرى معي الصحفي محمد السليكي حوارا يتعلق بالتصريح الحكومي المقبل في عهد الدستور الجديد ضمن ملف للعدد مرتبط بنفس الموضوع. وجاء التقديم للحوار من طرف الصحفي ذاته متحدثا عن مناطق الظل في التصريح الحكومي المنتظر والتي بحسبه ألقى الحوار عليها الضوء وخصوصا فيما يتعلق بضوابط إعداد هذا التصريح. وسبق أن أشار موقع هسبريس إلى الموضوع معتبرا أنني وضعت منهجية إعداد التصريح الحكومي تحت سياط النقد. في الحقيقة لم يكن نقدا من أجل النقد حيث سبق أن اشتغلت مع طلبتي في المدرسة الوطنية للإدارة على موضوع صناعة القرار الإستراتيجي في الدولة المغربية ضمن مادة الحكامة والتدبير العمومي التي أدرسها منذ سنة 2007 وسبق أن نشرت بعض الخلاصات التي توصلت إليها من خلال الأوراش التطبيقية في باب الرأي لموقع هسبريس أملا للخروج بالموضوع إلى دائرة واسعة للنقاش العلمي والمطارحة النظرية. وتعميما للفائدة ولاستقبال الآراء المتعددة أود المعذرة للتذكير بما سبق أن نشرته فيما يخص الموضوع لأنه لا محالة محل نقاش فيما هو مرتبط بقضية التنزيل الديمقراطي للدستور. 1- مقاطع من مقال : حكومة الحكامة نشر في هسبريس يوم 30/11/2011 أمام رفاق عبد الإله بنكيران اليوم تحدي أجرأة آليات اقتسام القرار الإستراتيجي في طاولة يجلس حولها فاعلون سياسيون مختلفون في الأهداف لكن تجمعهم مصلحة واحدة وهي إنجاح برنامج حكومي متوافق عليه. آليات هذا الفعل وإن كانت تحتاج إلى المراس السياسي لكنها تنتمي إلى مجالات تدبير القرار العمومي وإلى فضاء السياسات العمومية. الشق الأصعب في التمرين هو كيفية تدبير العلاقة مع الملك باعتباره رئيسا للدولة ورئيسا كذلك لمجلس الوزراء. لقد قال بنكيران في ندوته الصحافية يوم الأحد الفارط أنه لا يمكن حكم المغرب ضد إرادة الملك لكنه وفي نفس الآن ضرب مثالا عن مولاي أحمد العراقي، الوزير الأول في نهاية ستينات القرن الماضي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يُكاتب الملك، وإذا لم يتلقّ أي ردٍّ منه خلال ساعتين، يعمل بقراره، على أساس أن الملك غيْر مُعترض. الإشكالية اليوم تبدو أعقد بكثير مما عرفه مغرب الحسن الثاني لأن كيفية ممارسة العلاقة بين الملك ورئيس الحكومة مؤطرة اليوم بدستور ينظم الصلاحيات بشكل دقيق وبنتائج لصناديق اقتراع شفافة، وعليه يصبح سلوك رئيس الحكومة اليوم عنصرا استراتيجيا محددا في تأويل روح ومضامين الدستور الجديد. يجب أن يلمس المغاربة عنوان الإنتقال الديمقراطي في المغرب من خلال جزئيات هذا التفصيل الذي يحدد بشكل واضح على مستوى السلوك هوامش القرار بين مساحة صلاحيات الملك ومساحة صلاحيات رئيس الحكومة. لايمكن أن نتحدث اليوم عن حكامة في تدبير الشأن العام إذا لم تتضح مساحات القرار للفاعلين الإستراتيجيين في الدولة وبالتالي نستطيع أن نضبط إيقاعات المحاسبة وفق قاعدة" لا يمكن محاسبة من لا يمتلك القرار". 2 – مقاطع من مقال : حكومة محاربة الريع والفساد نشر في هسبريس يوم 03/12/2012 في الواقع تمرين تشكيل الحكومة مرتبط بالاتفاق على سقف شعارها الإستراتيجي المتمثل في شعار محاربة الريع والفساد والأمر فيه كثير من التعقيد ويتطلب الكثير من القدرة على المرونة والمناورة واستيعاب منطق التدرج، لقد عاش حزب العدالة والتنمية ثلاث حكومات في موقع المعارضة ويحتاج إلى نفس المدة على الأقل لتحقيق شعاره الانتخابي الذي قد يصبح شعار حكومته الحالية إذا ما استطاع تقديم التنازلات والضمانات المطلوبة. أمام الحكومة المقبلة مخاطر كثيرة لكنها تتمتع بمشروعية دستورية ومشروعية صناديق الاقتراع والمسلسل في بدايته والتمرين صعب وتحفه مخاطر أهمها أن تحارب الحكومة الجديدة الفساد بالدرجة التي لن تحدث تناقضا في المصالح بين الفاعلين الرئيسيين في معادلة التوازن والإستقرار بهذا البلد الحبيب، هناك إرادة للإشتغال إلى جانب الملك فهل ستكف جيوب مقاومة التغيير عن التحرش بحكومة مسؤولة أمام الملك والشعب. 3 – مقاطع من مقال : محاولة لفهم سياق مايجري نشر في هسبريس يوم 14/12/2012 فعندما كانت الدولة المغربية تضبط مواقعها ضمن اختيار استراتيجي مبني على ملكية دستورية في إطار تعددية سياسية، كانت تنشئ أحزاب السلطة التي يطلق عليها نعت الإدارية، وبالتالي تضمن أغلبيتها الحكومية عبر التحكم المباشر في صناديق الاقتراع فتتوزع الأدوار بين النخب السياسية على شكل نخبة الحكومة تقودها أحزاب السلطة ونخبة المعارضة التي قبلت بالخيار الديمقراطي عبر محطات بعد تلقي ضربات قوية من السلطة. حينما دق ناقوس الربيع العربي ونجحت الثورة في تونس ثم في مصر وبدأ نظام القذافي بالانهيار مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الكثير من الأقطار العربية دخل المغرب الذي لم يشذ عن القاعدة مع انطلاق حركة 20 فبراير في إستراتيجية استباقية لمواجهة الخطر كانت بدايتها إعلان الملك استعداده للتخلى عن جزء من صلاحياته الدستورية في إطار معادلة جديدة لترتيب دوائر القرار ضمن دستور جديد يفوض صلاحيات التدبير اليومي للشأن العام إلى رئيس للحكومة بصلاحيات فعلية. 4 – مقطع من حوار أسبوعية المشهد نشر يوم 30/12/2012 وعقب عنه موقع هسبريس في البداية يجب التعامل مع وثيقة التصريح الحكومي من حيث طبيعتها هل هي وثيقة إستراتجية ام وثيقة لترجمة التوجه الاستراتجي العام للدولة الذي يعتبر اختصاص المجلس الوزاري دستوريا،ففي الحقيقة نحن أمام تمرين جديد على فن إدارة الحكومة بكل تفاصيله ،فإذا كانت الوثيقة ذات طبيعة إستراتجية فماذا نعني في الدستور بصلاحية المجلس الوزاري الذي من صلاحياته تحديد السياسات العامة والإستراتجية للدولة وإذا كانت الوثيقة ما هي إلا ترجمة للتوجهات العامة للدولة فالمجلس الوزاري لم ينعقد بعد. وما يؤكد على أننا في مرحلة تمرين حقيقي هو أن الإستراتجية العامة للدولة تحدد في مجلس وزراي، وبالتركيبة نفسها باستثناء جلالة الملك يجتمع رئيس الحكومة مع أعضائها فيما يسمى دستوريا بالمجلس الحكومي لترجمة هذه التوجهات العامة إلى مشاريع. لذلك نحن أمام ما يمكن أن نطلق عليه مؤسسة إستراتجية في الدولة بعنوان المجلس الوزاري والمؤسسة نفسها بعنوان الحكومة هي من سيسهر على تنفيذ تلك التوجهات العامة في شكل سياسات عمومية وقطاعية. 5- مقاطع من مقال : في شروط العبور نحو الديمقراطية نشر في هسبريس يوم 04/01/2012 لا أعتقد أن هناك كثير من الاختلاف بين المحللين والراصدين للحالة المغربية على أننا نعيش مرحلة تحول فعلي وحقيقي، وعلى أننا نتجه نحو محاولة إرساء قواعد ومعادلات جديدة في أسلوب إدارة شؤون الدولة وشؤون الحكم وشؤون تدبير الشأن العام. فنحن أمام دستور جديد ينظم صلاحيات الفاعلين في القرارات الإستراتيجية للدولة بشكل واضح وأمامنا مرحلة تمرين حرج وصعب على ممارسة هذه الصلاحيات والنجاح في محطة بداية التحول ضمان للاستمرار في التمرين وما دونه فقدان للبوصلة وانتظار المفاجئات. ثمة بعض عناصر التشخيص الاستراتيجي فيما هو مرتبط بالتمرين الأول لهذا التحول وهو التمرين على إنتاج القرار الإستراتيجي في الدولة وكيفية ممارسته. يجب التنبيه في البداية إلى أنه لا توجد في المغرب مؤسسة يخول إليها رسم التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة خارج نطاق المجلس الوزاري ويتحدث الدستور الجديد في الفصل 49 أن من اختصاص هذا الأخير التداول في ما هو استراتيجي على مستوى السياسة العامة للدولة، وكما هو معروف، فإن تركيبة المجلس الوزاري تتكون من الملك رئيسا ومن رئيس الحكومة والوزراء والآلية المعتمدة دستوريا هي التداول. وعليه ،على مستوى الموقع، نحن أمام مجلس استراتيجي للدولة بعنوان المجلس الوزاري مخول له دستوريا التداول في التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة. وعلى المستوى الوظيفي يمكن أن نعتبر أن الوظيفة الأسمى لهذا المجلس تتحدد في الحفاظ على المصالح العليا للمغرب في بعدها الإستراتيجي اقتصاديا وأمنيا بلحاظ المهام الأخرى المخول له التداول فيها وخصوصا التوجهات العامة لمشروع قانون المالية ومشاريع مراجعة الدستور ومشاريع القوانين التنظيمية وإشهار الحرب أو إعلان حالة الحصار ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري. وبنفس التركيبة وفي غياب الملك يصبح المجلس حكوميا يرأسه رئيس الحكومة وتسقط عنه دستوريا صفة المؤسسة الإستراتيجية وينظم صلاحياته فصل آخر من الدستور وهو الفصل 92 وتصبح وظيفته تنفيذية أكثر منها تخطيطية بالرغم من تداوله في بعض القضايا الإستراتيجية كالسياسة العامة للدولة وتوجهات قانون المالية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لكنه لا يتخذ أي قرار بشأنها إلا بعد عرضها على المجلس الوزاري. وخلاصة ما سبق أن صناعة القرار الإستراتيجي في الدولة أصبحت محط تداول بين الملك من جهة ورئيس الحكومة ووزراء أغلبيته من جهة أخرى. وبالتالي ومن خلال التأويل الديمقراطي للدستور لم يعد الملك يحتكر القرار الإستراتيجي بل أصبح يتقاسمه بصيغة تشاركية مع الحكومة وهو تقاسم أيضا للمسؤولية لأن كل ما يصدر عن المجلس الوزاري مشترك بين الملك والحكومة فيما يتعلق بالشؤون الإستراتيجية. لم يتحدث الدستور الجديد عن قانون تنظيمي يمكن أن ينظم عملية اشتغال المجلس الوزاري وتحدث فقط عن آلية اسمها التداول وترك المجال مفتوحا بين أعضائها في حين تحدث في الفصل 87 من الدستور عن قانون تنظيمي يحدد القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة. هذا التمييز من الناحية الإستراتيجية يوضح الاختلاف في الوظائف بين مؤسسة المجلس الوزاري ومؤسسة المجلس الحكومي لأن العلاقة المنظمة لسير أشغال المجلس الوزاري محكومة باختيار نمط الحكامة التشاركية فيما يعنيه إمكانية اقتسام القرار الإستراتيجي في الدولة بين الملك والحكومة واستتباعا اقتسام ما سيترتب عن القرار من مسؤولية. فعملية المحاسبة على الاختيارات الإستراتيجية للدولة والتي هي بطبيعة نمط الحكامة المتبع سوف تشمل كلا من الملك والحكومة لأنهما الفاعلان الرئيسيان في صياغة القرار الإستراتيجي في الدولة في حين تكون المحاسبة فيما يخص نمط التدبير الحكومي لقضايا الشأن العام مقتصرة على الحكومة لأن الدستور خول لها السهر على التدبير اليومي لشؤون المغاربة أهم ما يميز تمرين صناعة القرار الإستراتيجي في الدولة اليوم هو كفاءة الحكومة أمام الملك ومدى توفرها على ملفات مضبوطة واختيارات مبنية على سيناريوهات حقيقية ودراسات ذات جدوى وبوصلة في التنزيل والتنفيذ للبرامج وفق حسابات إستراتيجية واضحة بعيدة عن المخاطر والمنزلقات وتأخذ بعين الاعتبار أهمية التراكم في إصلاح الأعطاب الديمقراطية وهي محددات خلق الثقة داخل المجلس الوزاري لدى المؤسسة الملكية التي تعتبر في موقع المتفوق من حيث الخبرة والتجربة وفريق المستشارين وضبط الملفات وبالنتيجة التفوق على مستوى لوحة القيادة ورسم السيناريوهات وفهم المآلات. يجب أن نتعامل مع الواقع كما هو فيما يطرحه من معضلات لأن الذي يرث إدارة مترهلة يستحيل أن يكون له موقع تفاوضي في اجتماعات المجلس الوزاري كما أن الذي تسنده أغلبية لا تمتلك قرارها لا يستطيع حتى أن يدرج ما يريد في جدول أعمال هذا المجلس ذو الطبيعة الإستراتيجية. إن أي تدخل للحكومة على مستوى أنماط تدبيرها محكوم بالإطار العام للتوازنات المالية المقرونة بما سلف ذكره وبالتالي تعتبر عملية تحديث أنماط تدبير الشأن العام في الدولة كقرارات عملياتية مرهونة بقضايا مرتبطة على المستوى الإستراتيجي بحكامة تحديث هياكل الدولة فيما يعنيه من تطوير للهندسة المؤسساتية للحفاظ على أهداف المشاريع المهيكلة. خلاصة عامة: 1- لقد نجحت حكومة السيد عبد الإله بنكيران في أول تمرين صعب لتنزيل الدستور وهو اللجوء إلى المجلس الوزاري قبل عرض البرنامج الحكومي على البرلمان حيث جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن البرنامج يتضمن قضايا ذات طبيعة إستراتيجية، وكون الإجراء سابقة في المغرب يبرره أن الدستور المغربي ولأول مرة يفصل بين ما هو استراتيجي في الدولة ويضع له مؤسسة خاصة بالأمور الإستراتيجية وما هو تنفيذي يترجم التوجهات الإستراتيجية العامة وتتكلف به الحكومة بصلاحيات حقيقية وواسعة. ولو لم يتنبه رئيس الحكومة لهذا الإجراء التقني وطرح برنامجه مباشرة أمام البرلمان دون اللجوء إلى المجلس الوزاري علما أنه يتضمن قضايا إستراتيجية لكان موقفه ضعيفا أمام الملك وأمام المعارضة لأنه بذلك يكون في وضعية من يخرق الدستور وهو المسؤول الأول عن كيفية تنزيله. 2- قول حسن طارق عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي بأن المجلس الوزاري ليس من اختصاصه المصادقة على البرنامج الحكومي قول ينتمي إلى عهد الدستور القديم لأن المؤسسة المخول لها التداول في التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية لا بد وأن تتداول في الشق الإستراتيجي لما هو مرتبط البرنامج الحكومي وعليه يكون التنزيل الديمقراطي للدستور عنوان للانسجام مع روحه العامة والمتمثل في الحكامة التشاركية بين الملك والحكومة فيما يتعلق أساسا بالأمور الإستراتيجية في الدولة. 3 – حينما تتحدث الحكومة الجديدة عن وجود قضايا إستراتيجية في برنامجها الحكومي وأنها سوف تلجئ إلى المجلس الوزاري للتداول فيها، فهذا يعني أن الحكومة لها تصور استراتيجي تريد أن تتداول فيه مع الملك قبل طرح برنامجها على البرلمان ويمكن أن نعتبر أنه من ضمن القضايا الإستراتيجية الأكثر أهمية في المرحلة الراهنة والمطروحة على أجندة الدولة ملكا وحكومة ومعارضة ومجتمع مدني هي قضية تنزيل الدستور ولنا عودة مفصلة في الموضوع.