بقدر ما هناك من سعي إلى الألفة والتقارب بين الشعوب، بقدر ما يسجل لدى هذه الأخيرة من ميل إلى تأكيد هوياتها وتثمين تراثها وبحث في جذورها الثقافية تأصيلاً لكيانها؛ ما يتبين جلياً من خلال ما أنجز من أبحاث ودراسات تخص ما هو تراثي بكل أبعاده وتجلياته، وما أحيط به من عناية وحماية معاً، وعياً بما يحتويه من فكر ومكامن نماء رافعة وقدرات خلق وإبداع. وغير خاف ما نوجد عليه من عولمة وزمن رقميات بوقع وهواجس عدة ومتداخلة، فضلاً عما هناك من ثورة إعلامية ونقل وتناقل لمعلومة وسلوك بشكل رهيب.. مع ما هناك من تأثير غير مسبوق في تاريخ البشرية وتشتت لهويات وذوبان لخصوصيات، كذا تزايد نفوذ هوية قوي على ضعيف باتت معه المجتمعات بحاجة إلى جهود أكثر حماية لذاتها وإلى البقاء متمسكة بتراثها. وشأنه شأن باقي الدول النامية يعد المغرب مجتمعاً ريفياً بتراث أرياف واسع ومتشعب، وحتى ما يتقاسم البلاد من تحديات ذات طبيعة اجتماعية هي بأصول وعلاقة بأريافها، وحتى ما توجد عليه هذه الأخيرة من عناية منذ حوالي العقدين، يدخل ضمن ورش إنماء بأبعاد متعددة واستشرافية في أفق رهان ترابي ريفي رافع للبلاد. وبقدر ما كانت أريافنا بوقع معبر في زمن بلادنا لِما كانت عليه من توجيه لوقائع وأحداث، بقدر ما يطبعها من غنى تراثي بحكم موقع بلاد وطبيعة تفاعل إنسان وانفتاحه عبر الزمن.. تراث أرياف بمعالم وتجليات لا شك أنها رافعة لحاضر البلاد ومستقبلها، إنما وفق ما ينبغي من وعي وصيانة باعتبار هذا وذاك من شروط ترسيخ واستدامة واستثمار. وكثيرة هي سبل وآليات جعل تراث أريافنا بأدوار معينة في إنجاح أوراش تنمية بلادنا، فانفتاح أعمالنا الدرامية مثلاً على قدرات هذا المجال واستحضار أريافنا باعتبارها مساحة تراثية رمزية بمكامن ووثائق قائمة الذات ومعبرة سيجعلها بقوة رافعة، ومهام عدة تجمع بين استثمار وتوظيف وتوثيق ومعرفة وتعريف وإشعاع وتثمين وهوية. وباعتبارها وسيلة إعلام وتواصل ومصدر معرفة، لا شك أن أعمال الدراما هي بأثر وتأثير معبر عما هو تنشئة اجتماعية وثقافية، ومن هنا سؤال مضامينها وحمولاتها وقضاياها وطبيعة مواضيعها، كذا درجة حضور ما هو تراث ثقافي فيها، بل وكيفية تقديمه تبعاً لرؤية ما ومنشود ما، إما من خلال عرض أصول لهذا الإرث الرمزي أو عبر عناصر استلهام وصياغات بآفاق وأبعاد جديدة وبنوع من التعديل. ولا شك أن الباحث والمهتم بالتراث المغربي في كل مستوياته يجد نفسه بدهشة سؤال وتأمل تجاه ما تحتويه أريافنا وما تحتضنه من جوانب تراثية هامة وشواهد معبرة من زمن البلاد، كذا من غنى يشهد على عظمة وجود وتفاعل تاريخي إلى درجة حديث عن روح خاصة تطبع تراث هذا المجال الممتد وتجعله بتفرد. وإذا كان تراث أريافنا يشكل بحق شواهد توثيقية ومشاهد غنى لامادي وموارد زمن على درجة علية من الأهمية، فإن حمايتها وإبراز رمزيتها وتميزها إنسانياً وثقافياً، كذا حسن استثمارها يجعلها بحاجة إلى التفات أفيد وأوسع، وعياً بما في ذلك من تنوير لناشئتنا وترسيخ لهويتنا واعتزاز بماضينا عموماً وماضي أريافنا خاصة؛ فضلاً عما هناك من صيانة واعتبار لذاكرة جماعية لتظل حية ناطقة بفخر وأثر وتلاقح وضمير ووجدان. إنما بقدر حاضر تراثنا وتراث أريافنا، خاصة بقدر ما هناك من أسئلة عالقة تخص وعينا وإنصاتنا والتفاتنا لهذا التراث، كذا درجة انفتاح نصوصنا عليه وأوراش فنوننا، كما بالنسبة لأعمالنا الدرامية، في أفق ما ينبغي من تثمين وحماية وتقاسم واستدامة وتنمية واستثمار... مع أهمية الإشارة إلى أن موضوع علاقة فعلنا الدرامي بمخزون أريافنا التراثي، مازال بحاجة إلى جدل ونقاش ورأي ومقترح وتفاعل بين معنيين ومهتمين كل من موقعه. ولعل ما يزيد من أهمية إعطاء موضوع التراث ما ينبغي من عناية وحرص وتناول، ما يسجل من حديث حول زمن تطبعه تدفقات قيم وسلوك، كذا واقع هويات وخصوصية باتت بهواجس عدة. وإذا كان موضوع تراث أريافنا في علاقته براهن وطبيعة أعمالنا الدرامية هو دعوة إلى وقفة تأمل تجاه تراثنا وإبداعنا وفرجتنا وناشئتنا وهويتنا وذاكرتنا، وعموما تجاه آفاق أعمالنا الدرامية هذه، فإن كائننا من جهد واشتغال وحصيلة عمل وتراكم ووعي وتطلع في هذا الإطار يدفعنا للسؤال حول ما إن كان هناك اتجاه وورش يخص فعل أعمالنا الدرامية في علاقتها بتراثنا، ومن ثمة هل تبلور شيء ما على أرض الواقع يسمح بحديث عن معالم دراما تراثية وطنية؟ وهل هناك ما هو كاف وشاف من إنصات لتراثنا من قِبل فاعلينا الدراميين كل من موقعه؟ ثم بأي قدر تحضر أريافنا في نصوص أعمالنا وفق ما ينبغي من جهد واجتهاد درامي وتناول لقضايا إنسان وتاريخ وحضارة؟ وبماذا يفسر ما هناك من قفز إلى الأمام على حساب ما تزخر به بلادنا وأريافنا من مخزون تراثي واسع؟ وما درجة انفتاح أعمالنا الدرامية على أزمنة أريافنا وأمكنتها ووقائعها وصفحات تفاعلها؟ كذا على ما هناك من نصوص من شأنها جعل الفعل الدرامي بنفس ووقع وتجارب رافعة، كما بالنسبة لما هو تاريخي يخص عدداً من جوانب ذاكرتنا الوطنية من خلال ما تحتويه مثلاً خزانة المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وما تراكم لديها من أعمال علمية بقيمة مضافة عالية لِما هي عليه من تنوع قضايا وزوايا مقاربة وتوثيق وتكامل زمني ومجالي. فأية درجة إنصات بما هو كاف من قبل أعمالنا الدرامية لما هو هنا وهناك من مكامن تراث مغربي بدوي، ولما هناك من نصوص ذات علاقة في أفق جعل الرمزي التراثي المغربي بدور في النماء العام وتسويق التراب، فضلاً عما في ذلك من عمل حفظ وحماية وصيانة وتثمين؟ وهل البادية المغربية كوثيقة تاريخية وسسيولوجية وثقافية وإثنوغرافية وغيرها حاضرة في نصوصنا هذه وفق ما ينبغي من قضية وانتقاء وتناول وتقديم وإخراج كي تكون بدورها حاضرة رافعة لأعمالنا الدرامية ضمن ما هو منشود؟ بل هل هناك ما يكفي من وعي درامي بما تزخر به باديتنا من مخزون تراثي ومن صفحات إنسانية وحضارية واسعة ومعبرة؟ وأي التفات إلى عظمة باديتنا هذه بهذا الغنى التاريخي في علاقتها بإنسان ومجال وأزمنة ووقائع وأنماط عيش وموارد رمزية وتعبير وغيره يجعلها حاضرة وفق ما ينبغي من أسس من أجل أعمال درامية أكثر تأسيساً بصدى هنا وهناك وطنياً ودولياً. ولا شك أن نسق تراثنا وتراث بوادينا تحديداً هو بصياغات قائمة الذات يصعب القفز عليها، بل معالم هذا الإرث الرمزي يمكن أن تكون بدور هام في أعمالنا الدرامية باعتبارها موارد داعمة. ولنتأمل كيف كان التراثي بموقع عام استمدت منه أعمال عدد من الدول أعمالها الدرامية قوتها وكيانها فكان ما كان لها من صدى وتفاعل واستدامة.. فقط ما ينبغي من نصوص أكثر تملكاً ومهارة وقدرة تجميع وتركيب للصور؛ ناهيك عما هو مستوى فني وإبداع مطلوب. إن التفات أعمالنا الدرامية إلى ما هو كائن من غنى تراثي بباديتنا من شأنه أن يؤسس لتطلعات تجمع بين فرجة وثقافة وتقاربا ووعيا وطنيا أعمق وأهم، طبعاً من خلال ما هو احترافي جاد بعيداً عن التسطيح مع أخذ المتلقي بعين الاهتمام كوعي مجتمعي. وانفتاح أعمالنا الدرامية على إرثنا البدوي بالقدر والنهج الذي ينبغي هو ترافع في التعريف به وإبراز لجوانب تفرده وإنسانيته. بل من شأن كل هذا وذلك من تفاعل آلتنا الدرامية أن يكون بدور استشرافي تجاه ما ينبغي أن تكون عليه بوادينا من وقع وتنمية وإشعاع. مع أهمية الإشارة إلى أن انفتاح الصورة المغربية الدرامية على مخزون بوادينا الرمزي هو انفتاح على مواضع وقضايا وأمكنة وأزمنة ووقائع وخصوصية؛ فضلاً عما هناك من شواهد ثقافية وحضارية مغربية وتفاعلات أكثر إثارة للسؤال وإغراء بالتناول والبحث والدراسة؛ وعليه، ما أحوجنا إلى دراما مغربية وطنية أكثر وعياً بتراث باديتنا بعيداً عن كل تسطيح ووفق ما ينبغي من تأسيس لفكر وهوية وحفز واعتزاز ورمزية لدى المتلقي. وإذا كانت الدراما المغربية منذ استقلال البلاد قد انفتحت على قضايا عدة وتناولت مواضيع مختلفة بعضها برأي المهتمين كان بنوع من التميز، فالظاهر بعيون مهتم ومتلق كونها مازالت تراوح مكانها في علاقتها بما تكتنزه باديتنا من غنى تراثي واسع، مع ما يسجل في هذا الباب حول كون أعمالنا الدرامية مازال حضورها بخجل كبير في عدد من المجالات، لعل منها ما يتعلق للإشارة فقط بورش ذاكرتنا الوطنية وقضايا تاريخ بلادنا ووقائعها ومساراتها وتفاعلاتها الكبرى، رغم ما هناك من أبحاث علمية ودراسات باتت في المتناول ومن خزانة لتاريخ وطني هي على درجة عالية من التوثيق والتغطية المجالية ومن الأهمية في علاقتنا بالبوادي تحديداً؛ علما أن هذه الأخيرة هي أصل حواضر بلادنا ونفسها وقوتها كانت دوما عبر التاريخ تستمد منها تفاعلها وكيانها وزخمها الثقافي. ومن هنا فبوادينا ليست بأي تمثلات ضيقة للأمر بقدر ما هي مخزون رمزي ثقافي تعبيري تاريخي واسع، كذا قضايا عميقة فاصلة ارتبطت بها وانطلقت منها، ما جعلها على امتداد الزمن المغربي بحضور معبر في تاريخ البلاد وذاكرة المغاربة، ووقائع البادية المغربية وتفاعلاتها كثيرة في هذا الباب يكفي التأمل في ما كان عليه هذا المجال من ملاحم بطولية خلال الفترات الحرجة من زمن البلاد كما فترة حماية الأجنبية خلال القرن الماضي، لإدراك ما تحتويه باديتنا من ذاكرة جماعية ورجالات وإعلام وأزمنة وأمكنة ووقائع على درجة عالية من الرمزية والوطن والوطنية. ومن هنا فباديتنا وعاء قيم وثقافة وهوية وأنماط تعايش وواقع وسبل تعبير، من شأنه إغناء أعمالنا الدرامية بإعطائها نفساً أوسع للاشتغال والتميز من خلال بلورة قضايا ونصوص أكثر انسجاما وإثارة وتجاوباً مع متلقي وقرب وهوية؛ فضلاً عما هناك من خدمة لناشئة في زمن عولمة وتدفق قيم. هناك روح خاصة تطبع باديتنا كأزمنة وأمكنة وإنسان، وهناك ذاكرة غنية وتراث رمزي ووقائع تاريخ هامة وبارزة، من شأن انفتاح أعمالنا الدرامية عليها بما ينبغي من الاحترافية والمهنية والإبداع والذكاء الفني بعيداً عن كل تسطيح وقفز أن يكون بدور معبر وأثر في التعريف بمواقع قد لا يكون المغاربة لا يعرفون عنها ربما إلا الاسم لا غير؛ فضلاً عما هناك من طبيعة وإنسان وثقافة محلية وذهنيات وعقليات وأنماط تفكير وعادات وتقاليد وغيرها، إضافة إلى ما لهذا وذاك من اهتمام بقرب ومحلي وبما هو تراث من المفيد جعله بصدى يتردد بعيداً عبر زمن مغربي وإنساني معاً. وعليه ما أحوجنا إلى دراما مغربية وطنية بخط تحرير يسمح لها باستحضار باديتنا وتناول قضاياها وتراثها ضمن مسار تاريخ البلاد وملاحمها الكبرى، وفق ما ينبغي من تأمل ومقاربات ونصوص أكثر إبداعية وصدقاً وإثارة للمتلقي ونقلاً لما هو بمثابة نقاط قوة رمزية كبرى في تاريخ بلادنا. إن إثارة موضوع الدراما المغربية في علاقتها بالبادية كإرث رمزي إنساني والحديث عما يمكن أن تكون عليه هذه الأخيرة من دور رافع لفعل أعمالنا الدرامية يدفعنا إلى السؤال حول ما يمكن تقديمه والاشتغال عليه من أجل دراما تراثية مغربية أكثر إنصاتاً لتراثنا عموماً، باعتباره مكوناً أساسيا من مكونات هويتنا. ولعله بعد تجارب عدة ومتداخلة آن الأوان لتكثيف الجهود كل من موقعه من أجل تحقيق ارتقاء بتراث باديتنا في أعمالنا الدرامية، من خلال ما ينبغي من انفتاح لأهل القرار والاهتمام والفعل والكتابة والإخراج..على حقب تاريخية ووقائع وأمكنة ببصمات تفاعل إنسانية كبيرة، فضلاً عما هناك من أعلام وأعمال بطولية وشخصيات ومسارات تحولات وأشكال فرجة وإيقاعات وغيرها. ولا شك ما هناك من أبحاث علمية ودراسات تخص مجلات إنسانية عدة هنا وهناك من المجال المغربي، هي بدور هام رافع لإيقاع عملنا واستشرافنا الدرامي من ورش درامي بموارد منها ما يحتويه تراث باديتنا؛ ناهيك عما تحتويه هذه الأخيرة من حكايات شعبية ضاربة في القدم، الاشتغال عليها وتوظيفها درامياً من شأنه جعل وعاء المخيال الدرامي بأفق أوسع وأهم. وليس الانفتاح على تراث باديتنا عودة إلى ماض، بل عيش وتعايش مع ما هو رمزي وكيان. وما اكتمال قيمة ما هناك من تراث رمزي حي ومتداول إلا باستثماره إبداعياً وتوظيفه عبر شتى الفنون، بما في ذلك الدراما ذات الأثر الواسع، وبخاصة في الناشئة من الأجيال. يبقى أن العلاقة بين البادية والتراث والدراما ببلادنا ليست عملاً ولا مهمة سهلة، فالموضوع لا بد فيه من تداخل جهود الجميع باحثين مؤسسات فاعلين.. هذا إذا كان رهان ورش أعمالنا الدرامية يروم حقاً ما هو واسع من صدى وتفاعل ومن عالمية، تلك التي يمكن أن تكون موارد التراث رافعة ومحققة لها، إنما عبر ما ينبغي من إرادة وأفق علمي وفني ووطني. مع أهمية الإشارة إلى الدراما المغربية مدعوة إلى سبر أغوار تراث البلاد، وبخاصة المحلي منه الكائن بالبوادي، وفق ما تقتضيه المهمة من تنقيب ونسج وبناء وذكاء فني وحبكة ونبوغ؛ كما جعل البادية المغربية باعتبارها وثيقة تاريخية وحضارية وثقافية وإنسانية بموقع في أعمالنا الدرامية المنشودة رهينا بجهود نبش في مخزونها لإماطة اللثام عما هو خفي ورمزي عالق عبر فترات في حاجة إلى إنصات، ورهين بمواكبة ما هناك من تراكمات لنصوص بقيمة مضافة هامة. ولعل ما تحتويه خزانة المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في هذا على سبيل المثال كفيل بجعل الدراما المغربية على إيقاع ورش درامي تاريخي واعد في هذا الإطار؛ فضلاً عن كون انفتاح أعمالنا الدرامية على باديتنا، ومن خلالها على ما تحتويه من تراث، هو إغناء للخزانة الدرامية المغربية ودمج وإدماج لتراث باديتنا في ورش هذا الحقل الحيوي، من خلال اعتماد سبل اشتغال ونهج مؤسس على ما ينبغي من وعي ونظرة فاحصة لتراثنا ولتراث باديتنا في بعده الوطني والإنساني. *عضو مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث