لِما هو عليه من زخم فني تراثي شعبي وتنوع تعبير وايقاع وفرجة وفلكلور، وعلى أساس اشارات وردت هنا وهناك بأبحاث ودراسات ذات علاقة على ندرتها، يمكن الحديث عن تفرد طبع المغرب ولا يزال بحكم تميز موقع وبنية ثقافة وتفاعل وتاريخ منذ القدم. وبقدر ما تراث البلاد بحاجة للاطلاع على مخزونه الشفاهي كذخيرة بدوية وأرشيف هام من أجل معرفته، بقدر غياب نصوص مكتوبة تخصه في الماضي لتشخيصها وفق ما هو متعارف عليه حالياً، فقط ما كان من فرجة وتعبير جسد واشكال احتفال ارتبطت بمواعد خاصة واهتمامات. وليست إثارة ما هو رقص وغناء وتعبير وبوح بدوي من تراثنا عمل نشاز، كما قد يعتقد كثير ممن هم بفهم مدرسي وانبهار ورؤية وحديث عن ثقافة إفراز تقني ورقميات في زمن عولمة باتت بلا حدود، ناهيك عما هناك من إعلام وتدفق قيم وسلوك عابر لثقافات وانسان. بل أمر الواقع يجعل الحديث عما هو إرث رمزي وفنون شعبية بدوية أكثر حاجة ومشروعية معاً، بعيداً عن أية نظرة تقديس لماض وعياً بما هناك من أهمية تخص تلمس خصوصية شعوب من شأنها تحقيق تنوع وغنى حضارة وتفاعل وحوار، وكم هو جميل بقاء ما هو خاص ببصمات عابرة للزمن وبأنماط تعبير متباين في معناه ومحتواه وبصدى هنا وهناك. ولعل شواهد رقص وغناء قبائل المغرب الجماعي لا تخلو من أهمية ثقافية مثلما لا يزال قائماً ببوادي البلاد، وفق توزع مجالي وإيقاع على امتداد فترات تحدث عنه "هنري باسي" في عشرينات القرن الماضي، مشيراً إلى أن في ترفيه القبائل لا نجد غير رقصات جماعية رغم ما هي عليه من تباين بين جهة وأخرى مضيفاً أن ميزتها الأساس كونها بتماثل وتوحد. ومن هنا ما يمكن أن نقف عليه من طابع مشترك في ارث ثقافي فني شعبي بدوي مغربي، رغم ما يسجل من تفرع واختلافات سطحية ذات علاقة بما هو محلي. ولا شك أن ما هناك من تنوع مجالي ولغوي بالمغرب له أثره في تنوع ما هو تعبير ثقافي احتفالي، يستمد صوره مما هو أدب وثقافة شفاهية من قبيل زجل وغناء وعادات وتفاعلات وعموماً من مكونات ذاكرة جماعية محلية. وبقدر ما تراث المغرب الفني البدوي يشكل جانباً حياً من كيان المجتمع وهويته، بقدر ما هو وعاء جامع لتفاعلات ومعرفة وخبرات وابداعات وأنماط تفكير وتعبير تراكمت عبر قرون. تجعل منه خزاناً ثقافياً لا مادياً خصباً جديراً بعناية وانصات بحثي، في أفق جعله بدور رافع لِما هو ثقافي حديث يستمد منه طاقته وقوته ونفسه خدمة لإنسان وإنسانية أوسع وأرحب. ولعل ما تزخر به بوادينا من إرث وتعبير فني دليل على ما كان عليه سلفنا من فلسفة حياة وأنماط عيش وثقافة تفاعل، بقدر ما يحتاج لاستكشاف وبحث ودراسة وحماية بقدر ما يقتضي الأمر استثماره كموارد زمن، وفق ما ينبغي من مقاربات ورأي واستشراف ووعي رصين، بعيداً عن أي استيلاب وتواضع تقدير لتراث هو نتاج انسانية ومقوم هويات وعلامات تميز ثقافات. ولا شك أن ما هناك من متغيرات تجعل تراثنا بحاجة لتأملات أفيد وأهم ليس فقط تجاه ما يجب من حماية وتوثيق وأرشفة، انما أساساً لتجاوز رؤية مدرسية ضيقة كثيراً ما تحصره في غناء ورقص وقول ومواعد وتقاليد وعادات وبيئات وغيرها، عوض ما ينبغي من نظر له ككيان رمزي ومعارف ومهارات وخبرات تقنية وتعبير فني وتجلي ثقافي وتملك روحي وفكري وموارد. وجدير بالإشارة أن مساءلة تراثنا الفني البدوي الشعبي ينطوي على إشكال مركب متشعب بمستويات عدة ومتداخلة، تجمع بين وقع ودلالات وممارسات وتوطين وأبحاث ووعي وتحولات وصعاب وبرامج وغيرها. بحيث بقدر ما يحتويه تراثنا وما يسهم به في ابراز ما هو خاص ومميز من وجود وتطور، بقدر ما يكشف عما هو جوهري يخص تحقيق الأفضل بواسطته انسانياً وانمائياً. ولعل تراثنا اللامادي ذاكرة وهوية وشواهد على فعل وتفاعل سلفنا وحضارتنا عبر الزمن، فضلاً عما هو عليه كذخيرة رافعة للتنمية جعلته بإشارات معبرة وعناية خلال السنوات الأخيرة، في أفق التفات وجهود تشريع وأوراش حماية ورؤى استثمار أفيد للبلاد والعباد. متغيرات وغيرها تضفي شرعية سؤال حول وضع وواقع تراث ثقافي خاصة منه الفني الشعبي البدوي، من حيث تاريخيته وتنوعه وتوزعه وغناه كذا اختلالاته واشكال تراجعه واهماله فضلاً عما هناك من جهود تدخل وآليات حماية. في هذا الإطار وحول ما تزخر به بوادينا وقبائلنا من ايقاع وتعبير فني شعبي واسع ومتنوع، ارتأينا ورقة تخص ما يحتويه مجال مقدمة جبال الريف من معالم تراث بدوي بقدم، تحديداً منه رقصة " تشكلل البرنسي" بتازة نسبة لقبيلة البرانس محلياً، وبخاصة مجالها الغربي الغني بيئياً وثقافياً من خلال وعاء زاخر بصور تعبير وتفاعل وشواهد تراث وذاكرة جماعية. و"تشكلل البرنسي" كتوصيف مرتبط بذاكرة شعبية بدوية محلية على أساس طبيعة ايقاع رقصة ارتبطت بربوع بادية مقدمة الريف منذ زمان، بل أيضاً توصيفاً كان بتردد لدى بعض أعلامها كما بالنسبة للمقدم بوجمعة الحداد رحمه الله. و"تشكلل البرنسي" كرقصة بدوية جبلية يفضل البعض تسميتها برقصة المقص أيضاً، لِما لهذه الأداة المعتمدة فيها من صدى في نسق سيرها وضبط توهجها وتوزيع ايقاعها، بل من الباحثين والمهتمين من يفضل تسمية هذه الرقصة الشعبية برقصة "الطايفة"، لِما يعتقد حول علاقة هذا الموقع والمكون في نشأنها وتبلور تركيبها وتعبيرها غير بعيد عن واد لحضر في تماس مع قبيلة التسول. ورقصة "تشكلل البرنسي" هذه جنس فني شفاهي بدوي، يحكمه تعبير ولغة وجسد ونسق وإرث خاص ويتقاسمه ايقاع ونغم ولحظات وقول وعفوية زجل. ولعل ما هي عليه هذه الرقصة من وقع وفرجة و وتمثلات، يجعلها بعشق واعتبار وجذب وأريحية رغم كل زخم حداثة وسرعة حياة وما يسجل من تدفق صور وأنماط تعبيروغيرها. ورقصة "تشكلل" حيث قبيلة البرانس وحيث مجالها الغربي، نسق فني بدوي يتقاسمه نغم وايقاع ومثن فضلاً عن بنية أداء وحركة وترتيب وتداول وقانون لعبة. بقدر ما تقوم على تجليات قبيلة وذاكرة ودهنية وشأن وهوية، بقدر ما تعد لوناً ثقافياً فنياً بدوياً من أقدم ألوان البلاد الفلكلورية وأشدها أصالة. رقصة ذكورية بنظم وتلقائية ومقامات ووضعيات، كذا زجل بدوي وراقصين وانصات واشارات وأدوار وقدرة تدافع. انما عبر مرسوم مقام ورسومات مقدم سيد احتفال وفرجة وسلطة موعد وايقاع، يتقاسمه نغم تقليدي لكل مصدر فيه حكاية واثارة ووقع مؤثث لرقصة قبيلة، بدأ اسمها يتردد بين صفحات كتب ويتداول بعد الفتح الاسلامي لبلاد المغرب. لدرجة أن أصل وواضع هذا الاسم غير معروف علما أن هناك من يقول بابتكاره من قِبل المسلمين الذين أطلقوا اسم"البتر" على قبائل أمازيغية كان أبناءها يرتدون لباساً قصيراً مبتوراً، ثم اسم "برانس" على أبناء قبائل كانوا يرتدون لباساً شهيراً بالبرنس. وقد يكون اسم "برانس" الذي اشتقت منه تسمية رقصة قبيلة شهيرة بمقدمة جبال الريف وتازة، مشتق من كلمة يونانية Baranos، ومعروف أن البرانس مجموعة قبائل حصرها ابن خلدون في عشر كتل هي ازداجة وأوريغة وصنهاجة وعجيسة وكتامة وكزولة ولمطة ومصمودة وهسكورة وأخيراً أوربة التي لا تزال بموقع وتداول وهوية وثقافة بشمال تازة. وإذا كانت رقصة "تشكلل البرنسي" لسان حال فرجة قبيلة بتازة يعتقد أنها بأصول أمازيغية، فهي أيضاً أدب شعبي بدوي ونسيج تعبير وعرض فولكلوي بفقرات مترابطة بعضها لبعض، كذا بيئة حاضنة وتاريخ وانسان ووجدان وأصول وثوابت وقدم وموطن وهوية، فضلاً عما يحتويه من صدق صور ونسق ونص شفاهي ومخيال. حيث غنى معنى وبلاغة صور وتعبير عبر زجل يحضره مجد المحلي من قبيلة وذاكرة ووقائع وهوية، الى جانب ما هناك من دروب حياة وفصل وانتاج وتقاليد وعادات وغيرها، ينقلها لسان راقص لفرجة وجمع من خلال عفوية قول واشارات ونسيج معاني. وبقدر ما لرقصة "التشكلل" آلات موسيقية عتيقة تجمع بين دفوف وتعريجة ومقص وغيطة مؤثثة للحظة فرجة ونسق وايقاع على بساطتها وضعف تكلفتها، فضلاً عما يميز راقصين من لباس تقليدي يجمع بين "فوقية" بيضاء وعمامة بتطريز خاص ولون أصفر اضافة الى أحزمة حمراء ولباس خفيف شفاف. بقدر ما للرقصة بناء هندسي فرجوي يقوم على جمع واحد متكامل في حوالي العشرة أفراد، بعدما كانت تقوم على مجموعتين متقابلتين في الماضي من خلال صفين متقابلين مستقيمين، مع أهمية الاشارة لما لعنصر الاختلاف بين المجموعتين من أثر في وقع رقصة وارتقاء بأداء وتفاعل وتدافع من خلال سمو وصف واثارة واقناع ثم غلبة. ليبقى جوهر ما كان يجمع بين المجموعتين في الماضي وفي مجموعة واحدة حالياً، هو ما يتداول من خطاب تعبيري بدوي يعرف محلياً في ثقافة الرقصة ب "الزريع" وسابقاً ب"الريح"، خطاب بقدر ما يكون دوماً على درجة من اثارة وحبك قصة واشارات وتتبع وانصات، بقدر ما يتم بناءه على تحرير حرفي بكلمات منتقاة فضلاً عما هناك من ارتجال وعفوية ودقة تلوين ولحن وابلاغ وقصد. ولعل رقصة "تشكلل البرنسي" هي بحركة جسد طيلة لحظة الحفل أولاً، ثم حركة مجموعة ككل ثانياً الى الأمام لعدة مرات من خلال خطوات منسجمة ودقيقة قبل العودة الى نقطة انطلاق. لينضاف لكل هذا وذاك كفقرات فرجة فاصلة، ما يسجل من بهلوانيات أحادية ثم ثنائية لراقصين يرومان اثارة تحكم في لعبة، وابراز مهارة في عزف على دفوف ضمن وضعيات جاذبة ومؤثرة، هذا قبل لحظة لاحقة كثيراً ما يطبعها تصاعد ايقاع متناغم متقاطع يجعل الحفل بروح فرجة خاصة. مع أهمية الاشارة الى أن الرقصة أيضاً كثيراً ما يحضرها ارتجاف كتف راقصين، مع اندفاع واقدام لهم بحسب وضعيات مرة الى الأمام مع رفع الأرجل قبل عودة الى الوراء الى حين ما يعرف بقرار الرقصة، وهو ما يخضع ترتيبه لمقدم يتملك خبرة وشجاعة أدبية. ويبقى لَبحَّات الراقصين على تباين مقامهم ولصوت وبَحَّة راقص واحد كلما دعت ضرورة ولحظة الرقصة، أثره في تميز حفل وتفاعل متلقي وفرجة جماعة. كل ذلك في علاقة بخطاب "زريع" من لحظة لأخرى بحسب دفئ الحفل، بقدر دقة معانيه واشاراته ومقاصده العشقية، بقدر ما يكون تثمينه وتحفيزه وتعزيزه عبر زغاريد نساء هنا وهناك من رحاب جَمعٍ. بعض فقط من كل يخص وصفة رقصة بدوية راقية المعاني لا تزال تسكن مقدمة الريف، هناك على مشارف تازة وأعالي إيناون شمالاً حيث قبيلة البرانس. رقصة برمزية ووقع ضارب في عمق حضارة مغربية شعبية شفاهية، كثيراً ما تجعل من تاريخ قبيلة وبيئة وانسانية انسان وقوداً لنصوصها وفقراتها وحكوياتها وبهلوانيتها ثم أولاً وأخيراً لتعبيرها وفرجتها. ووعياً بكون تراثنا باعتباره غنى ثقافي وطني مادي ولامادي كما رقصة "تشكلل البرنسي" ببادية تازة، هو قوة ونَفَس ابداع حاضرنا ومستقبلنا يثري ولا ينضب. وعلى أساس ما هو عليه من قيمة مضافة رمزية وما يمكن أن يسهم به من نماء، فقط ما ينبغي من إرادة واجراء وتجاوز لِكل ابتذال وتشويه قد يفقده اصالته ويكون سبباً في تسطيحه ونشر رخيص له. وعياً بكل هذا وذاك فإن حماية تراثنا الشفاهي البدوي وأرشفته، بات ضرورة لحفظ ذاكرة وتاريخ ومهارة وتجارب ما. علماً أنه بقدر ما للتقنيات الحديثة من جوانب ايجابية عدة، بقدر ما يمكن أن تشكله من خطر على التراث بإفقاده وصفته وقيمته وهيبته واصالته، وبالتالي ما قد يحصل من تهجير له هجرة منه، كذا من نسيان واهمال وضياع في نهاية مطاف لرأسمال رمزي ثقافي حضاري هو جزء من هوية بلاد وعباد. ولا شك أنه رغم ما يسجل من وعي وجهد في حماية تراثنا الشفاهي وفرجة بوادينا، فإنه من خلال نظرة خاطفة على ما لايزال قائماً من عناصر أصالة، يظهر أن مكونات عدة فيه باتت تحتضر أو في طريقها لذلك، شأنه في ذلك شأن أثاث كثير انساني بدوي من سكن وحرف وأنماط حياة وعيش وتعبير وغيره. ولعل الحديث عن حماية ارثنا الثقافي البدوي كما فرجة "تشكلل البرنسي"، يدفعنا للسؤال حول طبيعة قصد الحماية وحول هل للمسألة علاقة بشكل ما محدد في الرقصة مثلاً. وفي هذه الحالة على أي أساس يتم تحديد شكل من اشكالها هل القدم أم درجة انتشار وارتباط بزمن ما ومكان ما وجماعة ما، وعليه لابد من تحقيق دقيق وتوازن بين أصالة العنصر التراثي وحركيته في الزمن، وفي تغيراته وقدرته على تفاعل يكون وراء ما يحدث من تعديل في شكل ومحتوى ووظيفة وامتداد وقيمة. علماً أن ما هناك من أبحاث ودراسات ذات قيمة حول تراثنا الشفاهي البدوي، بقدر ندرتها بقدر ندرة كفاءات تجمع بين منهج ومعرفة بالمجال وتكوين. وعلماً أيضاً أن من جملة ما يقتضيه حفظ وحماية هذا اللون من تراثنا، درجة الاطلاع على ما هناك من شواهد لم تعد جارية ما قد نجده في أقوال اخباريين ورواية شفوية ومخطوطات ومواد متحفية وغيرها. ولا شك أن تراثنا الفني البدوي كما رقصة "تشكلل البرنسي"، هو جزء من تاريخ مكان وذاكرة انسان وثقافة جماعة، وكل حماية وجهد لهذا الغرض ينبغي أن يقوم على جميع ما يمكن الوقوف عليه من أثار ومعالم عبر مراحل مضت. وشتان في هذا الإطار بين عناصر تراث رمزي لا تزال حية ماثلة متداولة يتم الحديث والتفكير في حمايتها وانقاذها، وبين ما كان قائماً منها واختفى في زمن ما جزئياً أو كلياً. وفي هذه الحالة بقدر ما عمل حماية هذا التراث بحاجة لوثائق وشواهد وأبحاث ودراسات على درجة من التأسيس العلمي، وبقدر ما عناصر هذا التراث اختفت بشكلها القديم والأصيل بقدر ما قد تنبعث ضمن أسلوب جديد إما قريب أو بعيد الصلة بالأصول. إن حماية تراثنا البدوي عموماً يتوقف على كل السبل الممكنة، ومنها جمع عناصره جمعاً علمياً منظماً مؤسساً من خلال مختصين وورشات عمل بطبيعة فنية اجرائية، كذا الاجتهاد على أساس ما ينبغي أن يتوفر من اطلاع وتجارب وتسجيل وتصنيف. بل لابد من بنية علمية تجمع بين مراكز حفظ وتقديم خدمات وأقسام تراث فني بدوي بمتاحف ولِما لا متاحف خاصة بهذا الارث الانساني. وبقدر ما هناك من حاجة لتوحيد سبل وأساليب الجمع والحفظ بين الجامعين والقائمين على فهرسة وتصنيف، بقدر ما ينبغي من تكوين وتدريب خاص لمعنيين ومهتمين وقيمين أيضاً على دور الأرشيف، مع أهمية الاشارة لِما ينبغي أن يحاط به الفاعلون في المجال من أهمية دون النظر إليهم مجرد أرقام في معادلة لا غير. وقد باتت حماية تراثنا قضية بأهمية كبرى في زمن عولمة وتدفق قيم، وعندما نتحدث عن حماية تراثنا البدوي الشعبي مثلاً معناه الجمع والتوثيق والحفظ مع وقف نهبه وتشويهه. ولعل تراث بوادينا الفرجوي جزء من أرشيفنا الوطني يقتضي قاعدة بيانات تخصه فضلاً عن توفير أطر متخصصة وانتقاء طرائق تعامل، فمن شأن أرشيف هذا التراث تحقيق حماية وصيانة على نحو علمي أكثر تنظيماً وتدقيقاً. وتبقى بادية مقدمة الريف حيث تازة مجال بتنوع تراثي كبير، وغني فني شعبي وايقاعات فرجة واسعة لعل منها رقصة "تشكلل البرنسي" نموذجاً فقط لموارد ثقافية هائلة رافعة لتنمية محلية جهوية ووطنية. وبقدر جوهر هذا الرهان وحسن تدبير موارد الثقافي بجعلها داعمة للاقتصادي، وبقدر أيضاً ما تزخر به بوادي تازة من تراث فني بتفرد ايقاعي وهندسة عرض وفرجة بمنحى انساني، بقدر ما هذا التراث وهذه الموارد الثقافية المحلية بحاجة ليس فقط لتثمين وحسن دمج انمائي بل لعمل حفظ واعتبار وحماية. ولعل الأمر يبدأ بالتعريف به وبكل السبل المفيدة، من دراسة وتحليل ومقاربة وندوات علمية واحتفاليات مؤطرة هادفة وظيفية بعيداً عما هو بهرجة، مع تحفيز البحث حوله ونشر جهود المتخصصين وتقاسمها على أكثر من مستوى ارتقاءً بشأن تراث المنطقة ومن خلاله بتراث بلادنا ككل، عبر ما يجب من اعتبار ووعي وايمان بقيمته وبمكانته وموقعه ودوره في تنمية استشرافية لدى الجميع كل من موقعه بما في ذلك المتلقين. *عضو مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث