آخر تهديد للصحة العالمية هو التفشي الجاري للمرض التنفسي الذي أطلق عليه حديثا اسم مرض فيروس كورونا 2019 ( كوفيد-19). تم التعرف على مرض كوفيد 19 في شهر دجنبر2019 . تبين أن هذا المرض هو بسبب فيروس كورونا جديد قريب بنيويا من الفيروس الذي تسبب في متلازمة التنفس الحادة والشديدة المعروفة اختصارا ب"سارس". [بالإنجليزية :Severe Acute Respiratory Syndrome (SARS)]. كما كان الحال بالنسبة للفترتين السابقتين حين ظهر مرض فيروس كورونا في السنوات الثماني عشرة الماضية – "سارس" (سنتي 2002 و2003)، ومتلازمة التنفس الشرق أوسطية [(ميرس: Middle East respiratory syndrome (MERS] منذ 2012 إلى الآن، فإن انتشار كوفيد-19 شكل تحديا حرجا للصحة العمومية، للبحث العلمي، وللمجتمعات الطبية. في مقالهم المنشور في "مجلة نيو-إنجلاند الطبية"، قدم " لي" Li وزملاؤه وصفا إكلينيكيا (سريريا) ووبائيا مفصلا للأربع مائة وخمس وعشرين حالة مقررة في بؤرة تفشي المرض: مدينة ووهان في مقاطعة هوبيي بالصين. ورغم كون هذه المعلومات ضرورية وحاسمة في إخبارنا بكيفية الرد المناسب على تفشي المرض، كما سبق وأشار كاتب المقال، فإن هذه الدراسة تواجه محدودية متعلقة بمواكبة تطور انتشار مرض في مراحله الأولى. ومع ذلك، يمكننا هذا التقرير من تبصر بعض الوضوح. وُجِد أن متوسط أعمار المرضى هو 59 سنة، مع حدة اعتلال ونسبة وفيات أكثر ارتفاعا لدى كبار السن ولدى الذين يعانون مع أمراض أخرى Coexisting onditions (كما هو الحال بالنسبة لمرض الأنفلونزا)؛ 56% من المرضى هم ذكور. والملاحظ أنه لم تسجل أي إصابات لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس عشرة سنة. ربما الأطفال أقل احتمالا للإصابة بالمرض، وهذا قد يقودنا إلى استنتاجات في علم الأوبئة.. أو ربما الأعراض كانت فحسب جد خفيفة إلى درجة أن إصابتهم لم تتم ملاحظتها، ولهذا الاحتمال تبعات بخصوص مبلغ النسبة المصابة من المجتمع. استنادا إلى كون تعريف الحالات المرضية يعتمد على تشخيص للالتهاب الرئوي، فإن نسبة الوفيات الحالية من جراء هذا المرض هي 2%. في مقالة علمية أخرى نشرت في "مجلة نيو-إنجلاند الطبية"، حدد ﯕوان Guan وزملاؤه نسبة الوفيات في 1.4% من ضمن 1099 مريضا مؤكدّة مخبريا إصابتهم بمرض كوفيد-19؛ وقد كانت لهؤلاء المرضى درجات متفاوتة من حدة المرض. إذا افترض المرء أن عدد الحالات التي لم تظهر أعراضا، أو خفيفة الأعراض، يفوق بعدة أضعاف عدد الحالات المسجلة، فنسبة الوفيات قد لا تتجاوز 1%. هذا الاستنتاج يوحي بأن المضاعفات الإكلينيكية الإجمالية لكوفيد-19 قد تكون في نهاية المطاف أشبه بمضاعفات الأنفلونزا الموسمية الحادة (التي تبلغ نسبة الوفيات جراءها تقريبا % 0.1)، أو أقرب إلى الوباء العالمي للأنفلونزا (كجائحة 1957 أو جائحة 1968)، منها إلى داء شبيه بالسارس أو الميرس اللذين لهما نسبة وفيات تعادل 9% و10% على التوالي. لفعالية انتقال أي فيروس تنفسي دلالات كبيرة تتعلق بإستراتيجيات الحد من انتشاره واحتوائه. الدراسة الحالية تحدد معامل تكاثر الفيروس (R₀) في نطاق 2.2؛ وهذا يعني أن كل شخص حامل للفيروس يعادي شخصين إضافيين. وكما يشير كاتب المقال، فطالما أن الرقم يتجاوز 0.1 فإنه من المحتمل استمرار تفشيه. بعثَت تقارير صدرت مؤخرا، تقول بالتواجد الكبير للفيروس في منطقة البلعوم الفموي (في البلعوم، بين الأنف والحنجرة – المترجم) خلال المراحل المبكرة من المرض، (بعثت) القلاقل بخصوص قدرته المعدية المرتفعة خلال مرحلة الأعراض الدنيا. أقامت الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أخرى إجراءات للتقليص من السفر بغية إبطاء تفشي هذا المرض الجديد في الصين وعبر بقية العالم. وشهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية انخفاضا دراماتيكيا في أعداد المسافرين من الصين، ومن مقاطعة هوبيي بالخصوص. إجراءات كهذه قد تكون ساعدت، مؤقتا على الأقل، في إبطاء انتشار الفيروس: إذ تم التأكيد المخبري ل78191 حالة في الصين ابتداء من يوم 26 فبراير 2020، و2918 حالة إجمالا في 37 دولة أخرى. في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ابتداء من يوم 26 فبراير 2020، تم اكتشاف 14 حالة لها علاقة بالسفر إلى الصين ومرتبطة بالاتصال بمسافرين إليها، و3 حالات لمواطنين أمريكيين تم إجلاؤهم من الصين، و42 حالة لمسافرين أمريكيين تم إجلاؤهم من على متن باخرة سياحية تفشت فيها العدوى. رغم ذلك، وبالنظر إلى فعالية العدوى كما تم الإشارة إليها في التقرير الحالي، يجب علينا الاستعداد لمواجهة كوفيد-19 ليكون لنا موطئ قدم في العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية. قد يحتم علينا انتشار المرض في الولاياتالمتحدةالأمريكية التحول من إستراتيجيات الاحتواء إلى إستراتيجيات الحد، كالإبعاد الاجتماعي (أي الحد من التواصل الاجتماعي Social distancing) من أجل تقليص العدوى. هذه الإستراتيجيات بمقدرتها عزل المرضى (بما فيها العزل الطوعي في المنازل)، إغلاق المدارس، والعمل عن بعد بقدر الإمكان (عبر الإنترنت أو الهاتف.. Telecommuting). يتم الآن إجراء بحث محكم من أجل تطوير لقاح ضد كوفيد-19. نتوقع أن يخضع المرشحون الأوائل للمرحلة الأولى من الاختبارات بحلول الربيع المقبل. يعتمد العلاج حاليا على العناية المدعَّمة للمرضى بالموازاة مع البحث عن مقاربات تحقيقية للمرض. من بين هذه المقاربات يوجد العلاج بمضاد الفيروسات "لوبينافير-ريتونافير lopinavir–ritonavir"، إنترفيرون-1 بيتا Interferon-1β، "ريمديسيفير Remdesivir" وهو كابح لانزيم بلمرة الحمض النووي الريبوزي، "كلوروكوين Chloroquine"، ومجموعة من المستحضرات الطبية الصينية التقليدية المختلفة. بمجرد توفرها، ستكون لمضادات الأجسام الفائقة المسحوبة من دم الأشخاص المتعافين، ولمضادات الأجسام المنسوخة، القدرة على جذب الدارسين لها كمدخل أولي للبحث. وباعتبار أنه من الضروري المضي قدما في هذا الميدان، حتى في سياق تفشي المرض، فإنه من السلامة أن تكون المستحضرات التحقيقية خاضعة لتقييم انطلاقا من دراسات ذات بعد علمي وأخلاقي. يتيح لنا كل تفش للمرض الفرصة من أجل الوصول إلى معلومات مهمة، بعضها لا يمكن التمكن منها إلا في فترات محدودة من الزمن. على سبيل المثال فإن ''لي Li" وزملاءه صرحوا بأن هذه الفترة تمتد من 9.1 إلى 12.5 يوما ما بين الإصابة بالمرض ودخول المستشفى. قد يخبرنا اكتشاف هذا التأخر في تطور المرض، من المراحل الأولى إلى الوضع الجدي، ببعض المعلومات الهامة حول تشكل الوباء الذي يسببه هذا الفيروس، وقد يمنحنا نظرة فريدة عن إمكانية التدخل. سيكون بلوغ فهم أوضح لتشكل الوباء معطى لا يقدر بثمن في عملية استكشاف هذا الميدان المجهول. زيادة على هذا، فإنه بمقدرة الدراسات الجينية تحديد العوامل العائلة (العوامل العائلة host factors : الكائن الحي الحاضن للفيروس قبل انتقاله – المترجم) التي عرضت الأشخاص للعدوى ولتطوير المرض. بقوة يعيد تفشي كوفيد-19 تذكيرنا بالتحدي المتعلق بظهور وعودة ظهور العوامل الممرضة المعدية، وبالحاجة للمراقبة المستمرة، للتشخيص الفوري، وللبحث العلمي الدقيق من أجل فهم البيولوجيا الأساسية للكائنات الحية وقدراتنا تجاهها، وكذلك من أجل تطوير إجراءات مضادة ذات فعالية. * مقال "Covid-19 — Navigating the Uncharted - الخوض في المجهول" المنشور في "مجلة نيو-إنجلاند الطبية" التي يصدرها أسبوعيا "المجتمع الطبي لماساتشوسيتس" بالولاياتالمتحدةالأمريكية. تأليف فريق الأطباء: Anthony S. Fauci, M.D. H.Clifford Lane, M.D. Robert R. Redfield, M.D.