قدّم متحف التراث الثقافي اليهودي بالدار البيضاء آخر كتب الأكاديمية أورنا باعزيز (بازيز) حول أقوى زلزال عرفه المغرب في تاريخه الحديث والمعاصر بمدينة أكادير. وخطّت الكاتبة المغربية الإسرائيلية "زلزال أكادير .. قصّة ناجية 1960-2020" باللغة الفرنسية، ونشرته دار النشر "ملتقى الطّرق"، ومن المرتقب أن يكون متاحا للقارئ المغربي والفرنكفوني في منتصف شهر مارس الجاري. وفي هذا التقديم الذي نظّمته مؤسّسة التراث الثقافي اليهودي المغربي مساء الأحد، تحدثت الكاتبة أورنا باعزيز عن ذكريات "الليلة الملعونة" التي تقدّم مثالا عن "نهاية الأزمان"، واصفة مسقط رأسها أكادير بأنه مدينة أحلامها وكوابيسِها. وعبّرت الكاتبة عن مدى تأثرها بزيارة الملك محمد الخامس إلى أكادير المدمّرة، ساعات قليلة بعد الزلزال، مع ابنه وليّ العهد آنذاك الحسن الثاني وبنته، وتنقّله بين الأنقاض، وكونه كان من الأوائل الذين أعادوا بناء المدينة، ونادته: "يا ملكي الصّالح الذي ينصت، ويعي، ويطمئِننا". وأعادت الكاتبة سرد خطاب الملك محمد الخامس عقِبَ زلزال أكادير الذي أتمّ سنته الستّين في اليوم التاسع والعشرين من شهر فبراير الماضي، قائلة: "أبجِّل الملك محمدّا الخامس، وسلالته أيضا، ولكن أبجّل محمّدا الخامس خاصّة، وقد لا تَعُونَ ما يمثّله الملك وأنتم هنا، ولكن في أماكن عديدة من العالم أقول إنّ الملك عندنا ليس دمية مثلما في بريطانيا، بل هو شخص يتحرّك من أجل شعبه". باعزيز التي كان عمرها عشر سنوات عندما فاجأ الزلزال حيّها الذي كان يجمع يهودا ومسلمين من قاطني أكادير، ذكرت أنّه سبق لها أن كتبت كتابا حول الزلزال بالعبرية، ودرَّسَت في الجامعة "الصّدمة وما بعد الصّدمة" انطلاقا من أبحاثها حول "كارثة أكادير". ولم تمرّ مناسبة تقديم الكتاب بالمتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء دون أن تستثمرها ابنة مدينة أكادير المغربية في الحديث عن الحاجة إلى الاستفادة من إحساس اليهود المغاربة القويّ بالمغرب، لا في إسرائيل فقط، بل في كندا ونيويورك الأمريكية ومدن ودول أخرى... من أجل "تعزيز السِّلم"، مخاطبة الطّائفة بقولها: "لنقم بمجهودنا ليكون المغرب نموذجا للاعتدال والسلام بين الشعوب". وقالت الكاتبة إنّ "السياسة خانتنا كلنا"، وعلّقت الأمل على "الأشخاص"، مضيفة أنّ "المغرب يمكن أن يلعبَ دورا كبيرا"، وأنها تنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية لتقترِح على وزير الخارجية "مشروعا للتقارب". وأضافت الأكاديمية المتخصّصة في العبرية أنّها "بفضل الإله (...) غرسَت بالقدس في سنة 2003 غابة باسم المختفين، وكتبت للملك محمد السادس، عبر المستشار أندري أزولاي، داعية إيّاه لتتجوَّلَ به بين هذه الأشجار التي غرستها باسم المختفين من أكادير"، وقالت معبّرة عن أملها: "لعله يوما ما يزورها". وفي خضمّ الأسئلة والمداخلات التي تستعيد ذكريات فردية لمأساة جماعية، قالت الكاتبة بتواجُدٍ: "شكرا لك إلهي (هاليلويا) هذا ما أحس به حقا-لقد-أعطانا ستين سنة إضافية من الحياة، وكان من الممكن أن تكون النهاية في ذلك الوقت". وتوجّهت أورنا باعزيز إلى ناشرها شاكرة إيّاه على تمكين الكتاب من رؤية النّور بالمغرب، وإلى زهور رحيحيل، محافظة متحف التراث الثقافي اليهودي بالبيضاء، قائلة إنّ "الطائفة لم تكن لتأمل محافظة أحسن للمتحف اليهودي"، ثم أثنت عليها بالعامّية المغربية قائلة: "تبارك الله عليك"، كما وصفت سيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الطّوائف اليهودية بالمغرب، بكونه نموذجا، وخاطبته قائلة: "أفتخر بانتمائي للطّائفة التي تديرها منذ ستين عاما تقريبا". عبد القادر الرتناني، المدير العام لدار نشر "ملتقى الطرق"، قال إنّ كتاب "Tremblement de terre d'Agadir .. Récit d'une rescapée 1960-2020"، لم يكن ضمن برنامج نشره السنوي، لكنّه نشره بعد لقائه بالكاتبة عبر صديق وبدئ قراءة نصّه الذي طَبَعه "Marqué". وقال: "تحدَّثَت وعملت في هذا الكتاب مع أكثر من صحافيّ استقصائي، وحكت كل الحكايات، والمعاناة التي عاشتها، وهو عمل يستحق أن ينشر، توصِل فيه رسالة كانت تريد إيصالها منذ ستّين عاما". بدوره، كشف سيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية المغربية، أنّه كان متعجبا من مشاكسة الكاتبة واستمرارها في هدف كتابة هذا المؤلف، وهو ما لم يكن سهلا مع قلة المراجع، موردا أنّه تتبّعها من بعيد، وتابع كتابَها الأول حول زلزال أكادير الذي خطَّته بالعبرية. وذكر بيرديغو أنّه قال عندما اكتمل الكتاب: "أخيرا ستكون ثَمَّةَ شهادة حقيقية على ما حدث فعلا بأكادير، المدينة التي انقطعت تماما على العالم، ولم يستطع شخص الولوج إليها، ولم نكن نسمع أخبارها إلا في قناة راديو خاصّة". وتذكر الأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية المغربية ما حكاه له أصدقاؤه الناجون عن رعب الحدث وصدمتهم التي تستمرّ إلى اليوم، مسجّلا تأثير الصور المعروضة بالمتحف حول الزلزال فيه. وخاطب الكاتبة قائلا: "هي صفحة مؤلِمَة، وبفضلك أورنا باعزيز هي صفحة للأمل".