بضحكاته المميزة المازجة بين القهقهة والازدراء، ينظر إليك غير آبه بردود فعلك، اللهم أن يثير فضولك أو يضحكك. يغني أحيانا المزوكي وأحيانا المثنّي وأحيانا رباعيات من زجل الميسوري الغزلي منه أو الهاجي. إذا بادرك بالقول فاعلم أن في كلامه ثوْرية، أي معنى آخر يقصده، فإن حدث وتجرعت الطُّعم، أصبحت جزءا من عرضه الساخر وأحد شخوصه في انتظار مقلب آخر. إن دخلت مقهى زيز أو طوطال تأخذك قفشاته البدوية الرائعة حتى وإن كنت غريبا أو عابر سبيل، وإن قدر لك وصافحته سهوا، ستشعر بسخرية القدر الذي وضعك في مأزقه لا محالة. عشاقه كُثٌر من الموظفين الذين يرتدون جلابيب الوقار ومن بعض المقاولين الذين لا تحلو لهم جلسة إلا بوجوده، إلى بقية الناس من رواد المقاهي ومن يتقبلون طريقته ويمازحونه فيما يحب وفيما يكره. إذا ما أراد أن يُوقعك في مقلب ألب الحاضرين عليك بغمزاته السريعة لتصبح بطلا تراجيديا لعرضه الفكاهي الساحر والساخر. وإذا ما شعر بتأففك من المقلب يحمل كأسه من الشاي ويفر إلى طاولة أخرى ليشعل سيجارة كازا، ويملأ أوداجه ثم ينفخ في اتجاه السماء وكأنه ينتشي بانتصار مستحق، في انتظار أن يهدأ روعك أو يستدعيه ثانية أحد المتابعين الشغوفين. إذا حضر الحاج لن يلتفت إليك أو لربما يطلب منك أن تتابع ما سيفعل به. الحاج هذا هو رئيسه في مشروع صرفت عليه الملايير، ولم يدر على المجلس الإقليمي للعمالة سنتيما واحدا، اللهم بعض الزيتون الذي تعرفون مآله وتطاحن الساكنة حول أراضي الجموع، وبكل تأكيد يدا عاملة تتعدى الخمسة أفراد. لكنه يبقى شاهدا على انتهاكات ارتكبت في حق المال العام بحسن أو بسوء نية، كما تشهد الناقة على بوحنانة وعدد البصاصين والمخبرين على الزقوري وشركة التنمية على بلماحي... لنعد إلى الحاج والرونو 4 وأبو دلامة فهم أولى بالحديث من مآسي وأحداث لن يكفي صابون تازة لغسل تاريخ أصحابها. يقف الحاج ذو السحنة السمراء ببذلته الأنيقة وربطة عنقه التي لا تفارق صدره كعادة الموظفين "السامين" بالمدينة، ينظر إلى القارورات الفارغة في انتظار ملئها بالكازوال متجاهلا وجود صاحبنا. يتفحص أبو دلامة وجه رئيسه ليقرأ ملامحه وبحسب مزاجه يبادره. فإن شعر بقلقه قام بوضع القارورات داخل الرونو 4، وإن هو أحس باسترخاء أسارير وجهه استفزه ليضحكه ويودع جماعة المقهى على طريقته الخاصة. تبدو هذه الأماكن اليوم فارغة أو هكذا يبدو لمن ألف وجود عمي دحمان فيها وهو يتنقل بين تلك التجمعات غير آبه بمن حوله يوزع روح الدعابة والفرجة على طريقة أهل البلد البسطاء والودودين. عمي دحمان كان قادرا على لم شمل أهل المدينة بقفشاته بعيدا عن سلطة المال أو الانتماءات القبلية أو السياسية، لكن هذا التلاحم فرقته التبعية لدوائر ضيقة ولمصالح زائلة، فأكلهم الذئب كما تؤكل النعاج القاصية. ملحوظة: كل تشابه في الأماكن أو الأسماء فهو من محض الصدفة.