ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تازة وإقليمها في عصر بني مرين .. ملاحظات وتساؤلات
نشر في هسبريس يوم 01 - 03 - 2020

من بذور الأمل والتفاؤل رغم كل المثبطات، الانتعاش النسبي للكتابة التاريخية والتراثية في الفترة الأخيرة حول جهات المغرب المتعددة ومنها إقليم تازة، هذا الإقليم المجاهد الذي لم يكن له حظ كبير على مستوى الكتابات المونوغرافية فضلا عن تصنيفات التاريخ المغربي العام، ولن نخوض في أسباب أو عوامل هذا الوضع الذي بدأ على كل حال يتغير إيجابا اعتبارا من 2010 - 2014 وهي الأسباب والعوامل الذاتية والموضوعية المباشرة وغير المباشرة، في الواقع يتعلق الأمر بالفراغ الرهيب الذي سجله الجميع، باستثناء جهود مبعثرة مشكورة تحتاج بعض تخريجاتها إلى تحقيق وتمحيص وتدقيق، ولا تصل كميا في مجموعها، إلى عُشر ما بذلته وقدمته الإستوغرافيا الكولونيالية بمختلف توجهاتها ومجالات اشتغالها، سواء ما كتبه الضباط الفرنسيون أو المستكشفون أو الإثنولوجيون أو علماء الاجتماع أو رجال الإدارة الاستعمارية أو حتى علماء اللغة واللسانيون حول تازة والأحواز، بحيث ظلت تلك الكتابات مرجعا وثائقيا ومستندا بيبليوغرافيا للباحثين لحد الآن.
ولم يأخذ الباحثون المغاربة بزمام المبادرة في تجميع المواد والوثائق ثم دراسة وتحليل تاريخ منطقة تازة إلا في العقود الأخيرة ودون تبخيس أو بخس جهود ثلة من الرواد المتقدمين زمنيا سواء منهم الجامعيون أو بعض المهتمين المتوجهين إلى عموم الجمهور المثقف المتتبع ونذكر هنا خصوصا ما قدمه أبو بكر البوخصيبي وج امحمد الأمراني ومبروك الصغير وتوفيق أكومي وعبد الرحمان المودن علاوة على الأطاريح الجامعية التي يرتقي بعضها إلى مصاف الوثائق والمستندات والكتابات المحترمة ذات المصداقية المنهجية والمعرفية وكذا في مجالات محددة كموضوع المقاومة بتازة والصناعة التقليدية والظاهرة القايدية بتازة ومقاربة أوضاع المنطقة عبر بعض المراحل التاريخية المحددة مثلا وكذا تناول مجال بشري معين من منطقة تازة كإحدى المجموعات القبلية (غياثة – التسول – البرانس- هوارة ولاد رحو - بني وراين – مطالسة علاوة على مدينة تازة ذاتها) خلال مرحلة أو مراحل تاريخية معينة وعلاقتها بالمخزن المركزي .
في ذات السياق، همنا فرح غامر- والحق يقال- بصدور كتاب جديد حول تاريخ تازة وأحوازها برسم سنة 2020 وبدعم من وزارة الثقافة عن دار أبي رقراق بالرباط من توقيع الأستاذة المحترمة سميرة التراب، يحمل عنوان" تازة وإقليمها في عصر بني مرين (609ه/ 916ه - 1212/ 1510 م) وهو في الأصل أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه في التاريخ وضمن وحدة التكوين" الدولة المغربية في العصر الوسيط" التي ظل يشرف عليها لسنوات كما أشرف على بحث الطالبة ذ سميرة الأستاذ المقتدر بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس م هاشم العلوي القاسمي، المؤرخ والباحث الغني عن التعريف وصاحب العديد من الكتابات حول المغرب الوسيط، كما للأستاذ الجليل أياد بيضاء في ميدان التحقيق وإخراج العديد من الوثائق خاصة منها النوازل الفقهية وبعض المخطوطات التي أغنت الخزانة المغربية وحملت من المادة التاريخية العلمية الشيء الكثير.
وكتاب الأستاذة سميرة في حدود علمنا هو باكورة إنتاجها العلمي أي أول عطاء لها في مسيرتها العلمية التي نرجو لها الاستمرار والتألق، والكتاب/ الأطروحة إياه والذي يقع في 428 صفحة قدم أمام لجنة المناقشة سنة 2010 وطبع مؤخرا سنة 2020 أي أن المسافة الفاصلة بين تقديمه كأطروحة وطبعه وإخراجه إلى السوق هي عشر سنوات، جرت خلالها كثير من المياه تحت الجسر كما لا يخفى على أحد ((!!.
كل تعامل مع هذا الكتاب الهام حول تازة وإقليمها في عصر بني مرين يجب أن يستحضر كونه أطروحة جامعية أولا وأخيرا، محددة بالشروط والحيثيات العلمية والأكاديمية المعروفة، ويجب أن نفرق بالطبع بين الكتاب الأطروحة Thèse والكتاب الثقافي العام الموجه للمتخصصين وغير المتخصصين، ولذا فكتاب الأستاذة سميرة يدخل ضمن الصنف الأول، أي أن المطلع أو المتلقي يجب أن يتوفر على حد أدنى من المعرفة التاريخية والتراثية بالمنطقة، مع صبر وطول نفس كي يسبر أغوار محاور الكتاب ويستوعب خطابه ومضامينه وبالتالي طبيعة الإشكالية التاريخية التي تعالجها وتحللها صاحبته ومنهج المقاربة ثم النتائج والخلاصات التي أفضت إليها .
من المفترض أن أي مؤلَّف حين يُطبع وينتقل من القوة إلى الفعل أي حين يصبح جاهزا وينزل إلى سوق التداول، يَرفع صاحبه يديه عنه، نقصد أنه يترك الأمور تأخذ مجراها للنقاش والتدافع المعرفي والثقافي لما في ذلك من إغناء وتراكم أو حتى مراجعة وتصحيحات فالعلم يتقدم بتصحيح أخطائه كما هو معروف، وباعتبار الكتاب لم يعد ملك مؤلِّفه (بالفهم الثقافي والمعرفي أي مضامين الكتاب طبعا ولا علاقة لذلك بحقوق المؤلف مثلا) وإنما يصبح ملك جمهور المتتبعين والمهتمين وعموم الباحثين، وحينذاك يصبح من المشروع تماما أن يقع الكتاب إياه تحت مجهر التفكيك والإغناء والنقد والتقريظ أيضا، دون نفي مسؤولية صاحبه المعرفية والأخلاقية، لاسيما حين يتعلق الأمر بالمجالات الإنسانية كالتاريخ وعلوم الاجتماع والنفس واللسانيات والأدب وعلوم التربية، حيث النسبية في الزمان والمكان وتعدد وجهات النظر ومعها ميول المؤرخين أو الباحثين، بل وتعقد الحقيقة ذاتها ومن ثمة، صعوبة إعادة بنائها من جديد على ضوء ما وصلته نتائج العلوم الإنسانية وخلاصاتها، وما تحقق من تراكم .
من باب أولى أن أثني على المجهود الجبار الذي بذلته الباحثة الأستاذة تحت إشراف فضيلة الأستاذ مولاي هاشم العلوي، سواء لجهة التعامل مع الوثائق والبيبليوغرافيا وخاصة الحوالات الحبسية التي تعود إلى العصر المريني وكذا مع المخطوطات أو حصر المواد والوقائع والعناصر التاريخية ومن ثمة محاولة صياغة الأسئلة وطرح الإشكالية، وهو لعمري عمل كبير مظن دون مبالغة، لا يتجشمه سوى من عانى متاعب البحث العلمي بما يطبعه من تنقيب وتجميع وبحث وتساؤل وفرز وتحليل وتركيب وما يطرحه من مقارنة وإشكاليات وفرضيات وصعوبات عديدة متعددة معرفيا ومنهجيا، ولاشك أن الباحثة المحترمة قد كابدت في سبيل إخراج هذا العمل سواء خلال مرحلة الإعداد أو الانتقال من مستوى أطروحة جامعية إلى كتاب متداول قائم بذاته بشكل يستوجب الشكر والثناء .
كل تلك العناصر التي ذكرتها لا تحجب الحقيقة البديهية السابقة وهي مرور حقوق ملكية الكتاب المعرفية إلى المهتمين والمثقفين والباحثين طبعا ضمن شروط التعامل الموضوعي الهادئ والعلمي الهادف، بما يقتضيه من إحالات وشواهد وبيبليوغرافيا وقبل هذا وذاك بما يستوجبه من أمانة وأخلاق علمية، ومن ثمة لابد من ملاحظات وربما عدد من التصويبات تتمم أو تغني أو تملأ بعض البياضات أو الترع هنا وهناك والتي لمسناها في هذا الكتاب القيم، وقد وُزعت مفاصله إلى تقديم عام وفصل تمهيدي علاوة على خمسة فصول أخرى تحتها بدورها مباحث تتراوح بين مبحثين وثلاثة مباحث.
تنطلق الباحثة (من مواليد الجماعة القروية كهف الغار التابعة لدائرة تايناست إقليم تازة) من الأرضية المجالية لمنطقة تازة أي الموقع الجغرافي والطبوغرافي في ما يشمله الإطار الطبيعي بوجه عام ثم نوعية المناخ والتشكيلة البشرية وتحلل مميزات المجتمع التازي ومظاهر من حياته الاجتماعية على مستوى مدينة تازة وإقليمها، ثم تنتقل الأستاذة سميرة إلى تقديم الأوضاع التاريخية للمنطقة إلى حدود 916 ه / 1510 وهي فترة تاريخية طويلة تناهز ثلاثة قرون تستغرق الدولة المرينية والوطاسية وفي الفصل الثاني تحلل الباحثة الأنشطة الاقتصادية بالمنطقة خلال العصر المريني من فلاحة وتجارة وصناعة مع تفصيل الوسائل والآليات وطرق الاستغلال وأنواع الإنتاج وتنظيم الأسواق ودور الطرق التجارية، لتنتقل بعد ذلك إلى موضوع التطور العمراني لتازة خلال نفس الفترة التاريخية وأنواع العمارة والمنشآت الصناعية والتجارية وفي الفصل الرابع تعرضت الباحثة للحياة العلمية بتازة والإقليم لتنهي الكتاب بالفصل الخامس والأخير ويخص بعض مظاهر التراث الشعبي بتازة والإقليم فخاتمة ثم لائحة المصادر والمراجع والفهارس المختلفة .
هناك ملاحظة أولية تتجلى في إشكالية المسافة الزمنية التي تفصلنا عن العصر الوسيط، ومنه الفترة المرينية، وكذا المسافة الزمنية التي تفصل بين تقديم الأطروحة ذاتها وإخراجها من جديد ككتاب على الرفوف وبالتالي في متناول القراء والمهتمين، مما يفرض العديد من التساؤلات وأشكال الحذر المنهجي سواء من قبل صاحبة العمل أو من طرف المتلقين أنفسهم .
يطرح عنوان الكتاب بدوره والتنميط المجالي لتازة إشكالا تاريخيا لا يخلو من التباس، فكلمة" إقليم" توافق اللفظ الحالي في المغرب ويقرن عادة بلفظ عمالة Province/ préfecture فيقال عمالة إقليم تازة ...عمالة إقليم صفرو إلخ وارتقى هذا التقسيم كما هو معروف إلى مستوى الجهات Regions، وهو على العموم تصنيف مجالي حديث وليد الدولة الوطنية ضمن ما يسمى بالتقسيم الترابي أو الإداري، ولم ترد – في حدود علمنا عبارة" إقليم تازة" في المظان وكتب الحوليات بل وحتى الكتب الجغرافية والرحلات وكتب المناقب والفتاوي، مع طرح سؤال الحوالات الحبسية، فضلا عن أنواع الوثائق الأخرى وذلك خلال العصر المريني، وردت جملة" بلاد تازى" عند البكري وعبد المنعم الحميري والمراكشي المجهول باعتبارها بداية المغرب (الأقصى) وذلك قبل العصر المريني، ووردت"أنحاء تازة وتسول" و" جبال تازى" عند ابن خلدون (في حديثه عن مكناسة تازا) ونذكر أن أبا عبيد البكري يفيد بنزول إدريس الأول تازة في سنة 174 ه ويعلق " وهو موضع من أعمال بني العافية" مما يدل على أن تازة هي من تأسيس قبيلة مكناسة الزناتية ولكن في العصور الغابرة أي قبل القرن الرابع الهجري بكثير، وترد عبارة" بلاد تازا" أيضا في كتاب القرطاس لابن أبي زرع وهو من أبرز مصادر الفترة المرينية والمغرب الوسيط ككل .
بالطبع نصادف كثيرا عبارة" رباط تازا" في المظان والوثائق وكتب الحوليات التي تغطي فترة بني مرين وهو الذي يعني حاليا مدينة تازة أي الحاضرة، نعم وردت كلمة" إقليم" عند الحسن بن محمد الوزان Léon L'Africain صاحب كتاب "وصف إفريقيا" لكنه أدمج تازا وجبالها في إقليم الحوز(مع ما في هذا التقسيم من خلط والتباس) ويعتبره القسم الرئيسي من مملكة فاس (يقصد المرينيين والوطاسيين) كما أدمج فيه مناطق محسوبة على الأحواز الشرقية كتاوريرت فضلا بالطبع عن مدينة تازة وأحوازها، ولم ترد عنده عبارة" إقليم تازة" إطلاقا وإنما هو يقدم" مدينة تازة بوصفها" مدينة كبيرة لا يقل نبلها عن قوتها ....إلخ" ص 354 من كتاب وصف إفريقيا ج 1 نعم يضيف أيضا وصف قبائلها وأحوازها ويطلق على كل ناحية منها لفظ جبل كجبل غياثة وجبل مطغرة وجبل البرانس وجبل مجاصة وبني ورطناج (مجموعة التسول) أما مركز جرسيف فيطلق عليه" قصر جرسيف" مع ما في ذلك من تشبيه بالقصور الصحراوية.
والأوفق من وجهة نظرنا توصيف المنطقة خلال فترة حكم بني مرين ب" تازة وأحوازها أو تازة وناحيتها خلال ....".
على مستوى المجال المدروس وهو تازة والناحية، لم نلمس تحديدا دقيقا للمنطقة في الكتاب، علما بأن بلاد تازة في المظان القروسطية تبدأ غربا اعتبارا من المقرمدة (واد بوحلو حاليا) تارة أو مطماطة تارة أخرى، وتنتهي بالضفة اليمنى لنهر ملوية وشمالا، تنتهي بحدود جزناية الجنوبية وجنوبا بجبل بويبلان (يطلق عليه الوزان اسم جبل وبلان)، وتضم إضافة إلى مدينة تازة مجالات غياثة والتسول والبرانس وبني وراين وصنهاجة وجزناية ومطالسة ومكناسة وجزء من هوارة ولاد رحو، بعض هذه القبائل استوطن خلال فترات متقدمة والبعض الآخر منذ العصر المريني والبعض الثالث في فترات مختلفة، بسبب الأحداث والوقائع والحركية التاريخية المتشعبة التي عرفتها المنطقة، ومن بين المراكز التي ذكرها الرحالون ومؤرخو الحوليات والعصور الوسطى أو خلال الفترة المرينية، إضافة إلى رباط تازا: المقرمدة – تافرطا – أجرسيف – مسون – أمليل – عين إسحق- مرادة أو قصبة مرادة .
تبعا لما سبق، حبذا لو كانت الباحثة المحترمة قد عززت الرصيد الوثائقي بخريطة مدققة لهذه المنطقة سواء في العصر الوسيط أو الحديث، ولا نعدم مثل هذه الخرائط في الوقت الحالي، أما اقتصار صاحبة الكتاب على خريطتين لموقع تازة وأنهارها استنادا إلى كتاب وصف إفريقيا للوزان، فيعتبر نوعا من الخلل المنهجي، لأن القارئ أو المتلقي في كل الأحوال يعيش في القرن الواحد والعشرين الميلادي / القرن الخامس عشر الهجري، ولابد له أن يتموقع في الزمان والمكان ومن ثمة أن يكون على بينة من المجال المدروس حتى لو تعلق الأمر بالعصور الوسطى المغربية، وكثير من القراء والمهتمين يحتاجون إلى ما يمكن وصفه بالتحديد المجالي للمنطقة موضوع البحث أو الكتاب.
على المستوى المنهجي، لا يمكن تصنيف الكتاب ضمن مجرى نظري معين، فهو في المحصلة دراسة مونوغرافية تتقاطع مع التاريخ الحدثي والوضعاني وتاريخ الذهنيات ثم ملامح من مدرسة الحوليات Les Annales حتى ليتصور المتلقي أن الإشكالية المقترحة على بساط الدرس والتحليل تبدو ملتبسة وغامضة، خاصة وأن هذا الكتاب / الأطروحة هو في الحقيقة عبارة عن مونوغرافية تعريفية أكثر من كونه مؤلفا يسائل قضايا تاريخية ويطرح إشكالية مركزية تتعلق بالمجال أو الفترة الزمنية، صحيح أنه يخص تازة خلال فترة محددة من تاريخ المغرب هي حقبة حكم بني مرين، وهو تحديد منهجي محكوم بصرامته العلمية التحديد الذي يعطي الكتاب نسقيته العامة وعناصر تماسكه، غير أن التجميع والتراكم طغيا - فيما نتصور- على جهود الباحثة في طرح الأسئلة وتعميق الإشكالات الممكنة حول تازة (وباديتها) وطبيعة ارتباطها بتلك الفترة .
أما تخريجة الباحثة والتي طرحتها في مقدمة الكتاب حول علاقة مدينة تازة بباديتها كمقترح إشكالي، فلا نستطيع أن نتبينها بوضوح في ثنايا الكتاب، اللهم إذا اعتبرنا تقديم مواد تاريخية وتراثية ومعلومات حول تازة ومنطقتها خلال فترة المرينيين إشكالا تاريخيا في حد ذاته .
نظرة فاحصة إزاء البيبليوغرافيا المعتمدة في الكتاب تحيلنا على لائحة محترمة فعلا من المصادر والمراجع، مغربية وأجنبية مما أعطى للبحث إياه مصداقية علمية لا غبار عليها، غير أن تلك الإحالات لا تعدم بعض الملاحظات التي نراها ضرورية بالقياس للجهد الإنساني في نهاية المطاف، فقد كان من شأن التثبت وبعض التأني ولو لسنوات أثرا إيجابيا جدا في دعم الإحالات وخاصة تلك المتعلقة بالكتابات حول تاريخ تازة ومعالمها وأعلامها ومواقعها الأثرية خاصة ومن ثمة تعزيز المصداقية التي تحدثنا عنها، والمعرفة التاريخية والإنسانية عموما وحتى الدقيقة هي كما لا يخفى تأخذ بعدا ديناميا ومسلسلا مستمرا Un processus وليس بنية مغلقة أو نسقا منتهيا ( (!!!وعلى سبيل النماذج فقط اعتمدت الباحثة على بعض المخطوطات التي لم نر أثرا لها في ثنايا الكتاب كمخطوط" التمحيص على شرح التلخيص" لعالم مغمور يقال له ابن هيدور التازي، وليست هناك أية إشارات في كتب السير والمناقب لهذا الاسم الذي ينسب لتازة وقد ورد اسم ابن هيدور التادلي بالأحرى عند عبد العزيز بن عبد الله وليس هناك ما يثبت أن القبر الموجود بساحة أحراش قبالة استوديو التوزاني هو لهذا العالم .
المخطوط يتطلب التحقيق كما هو معروف حتى يتم تحيينه ومقارنة نسخه - إن وجدت - والبحث عن أصله ومن ثمة إخراجه في حلة حديثة جذابة مقروءة عند المتلقي، وأتساءل هنا كمهتم كيف تعاملت الباحثة مع عدد من تلك المخطوطات التي ذكرتها في الفهرس ونحن نعرف جيدا معمياتها وغوامضها في أوضاعها الخام أي قبل التحقيق ؟؟؟ سؤال يطرح بحدة عند قراءتنا وتحليلنا للكتاب إياه وعلى صاحبته نفسها .
أكثر من ذلك فإن كتيب" علماء تازة ومجالسهم العلمية" (75 صفحة من القطع الصغير صدر سنة 2004 حول علماء تازة إيه والله 75 صفحة بالتمام والكمال) لصاحبه الأخ المحترم امحمد العلوي الباهي من إيجابياته أنه ملأ فترة بياض رهيب إلى حدود 2004 لكن كثيرا من مواده فيها نظر، مما يجعل مصداقيته العلمية موضع سؤال يطرح على صاحبه أولا وقبل الباحثين أو المهتمين الآخرين ويخص بالأساس الإحالات وطرائق التوثيق وطبيعة التخريجات فيما هو سليم وفيما هو ينتمي لعالم الضباب ( (!!! فليست هناك وثائق مؤكدة حول وجود دار للبارود بمنطقة أحراش (اسمها الرسمي ساحة مولاي الحسن) كما نصت على ذلك الباحثة وأحالت عليه، وإن كنا نرجح وجود وحدة ما لصناعة البارود الذي بدأ المغاربة استعماله منذ أواخر عصر بني مرين، وقد وردت إشارة يتيمة عند أحد البرتغاليين حول وجود دار للسلاح (أقول للسلاح بالتعميم) في تازة خلال الفترة السعدية لا أقل ولا أكثر، وليس هناك في المظان التاريخية أو في الوثائق والمستندات وحتى في الحوالات الحبسية ما يدل على وجود دار للسلاح بساحة أحراش كما في الإحالة التي اعتمدتها الباحثة رغم حذرها المنهجي والمعرفي الذي يستحق التقدير .
نعم لا نستبعد وجود دار لصناعة الأسلحة بتازة خلال العصر المريني خاصة مع الدور العسكري الذي لعبته وممرها في الصراع مع بني عبد الواد شرقا وتجهيز الجيوش نحو الأندلس وباقي البلاد شمالا وغربا وكذا وقائع التدريب على ركوب الخيل كما أكد ذلك بعض الباحثين (عبد الحق المريني كنموذج) لكن إحالات الأستاذة سميرة شيء آخر وهي في حاجة إلى تدقيق أكثر خاصة موقعها بأحراش/ قلب تازة العتيقة أي ببساطة سؤال المصدر أو المرجع .
أما ما كان من صناعة البارود بمناطق غياثة فهو مثبت تاريخيا وأكدتها مختلف المصادر وخاصة الكتابات الأجنبية ونذكر هنا المستكشف والجاسوس الراهب شارل دوفوكو الذي أكد وجود 70 دارا لصناعة البارود بغياثة خلال نهاية القرن التاسع عشر، وارتباطا بالإحالة على الكتاب الصغير" علماء تازة ومجالسهم العلمية" ليس هناك ما يثبت أن م الرشيد ابتدع احتفال سلطان بتازة أو حتى بأحوازها (يقولون حتى قط ما هرب من دار العرس انظر ص 306 من الكتاب وساقته صاحبته في مجال الحديث عن الزوايا بتازة وزاوية أنملي ولا أدري وجه الربط مع العصر المريني) نحن نكون جد مسرورين لو تكرم الأخ الفاضل بتقديم الإحالات والمصادر أو الوثائق التاريخية التي تثبت ذلك، وكل الباحثين والمؤرخين يفيدون بأن حفل سلطان الطلبة أي تنصيب طالب تتوفر فيه شروط معينة كسلطان للطلبة ويقدم بعض المطالب للسلطان الحقيقي مع ما يرافق ذلك من احتفاء وأشكال فرجة قد ظهر واستمر بجامع القرويين بفاس إلى أن يثبت العكس وإثارة ما ورد عند الشيخ زنوف كقرينة هي غير كافية ولنا وقفة سريعة مع زنوف هذا .
نفس السؤال المعرفي يُطرح حول مسألة دار السكة التي لم ترد إلا في حوالة حبسية تعود إلى أواخر العصر المريني ونسجل هنا التضارب مع ما ورد عند الباهي الذي أطلق كعادته استنتاجا ما حول وجود دار السكة خلال العصر الموحدي في القطاع الجنوبي لتازة (الكوشة وما والاها) معتمدا بدوره على مؤشر ضعيف عند فوانو تمثل في وجود قطع نقدية ذهبية تعود إلى الخليفة عبد المومن الموحدي بمنطقة رؤوس الرحي وبالمناسبة، فوانو هذا لا يعدو أن يكون ضابطا عسكريا فرنسيا ضمن ضباط الشؤون الأهلية وقد اعتمد بدوره على بعض الحوليات القروسطية كروض القرطاس وتاريخ ابن خلدون وعلى زميله كومباردو علاوة على التقارير الشهرية للجنة إفريقيا الفرنسية، ثم إن التدليل على كون دار السكة تلك كانت ذات طابع سري لا يستقيم والمنهج السليم للبحث التاريخي، السؤال مرة أخرى هل وجدت بتازة دار لسك النقود سواء في العصر الموحدي أو المريني؟، الجواب بالنفي طبعا إلى أن يثبت العكس نقصد اكتشاف وثائق جديدة أو مظان مجهولة لحد الآن تفيد بوجود هذا النوع من المنشآت ولا يكفي أيضا وجود قطع نقدية للتدليل على ذلك .
جهد يستحق التقدير دون شك في مجال التنقيب والبحث ذلك الذي بذلته الباحثة ذ سميرة في التعامل مع الحوالات الحبسية الخاصة بمنطقة تازة خلال العصر المريني، علما بأن العلامة الفقيه المنوني رحمه الله، كان قد ذكر مجموعات حوالات حبسية تغطي منطقة تازة، أقدمها يعود إلى العصر المريني وهي الحاملة لرقم 134 وتوجد نظائرها بالخزانة العامة، وتتزايد طرديا مع تقدم العصور منذ تلك الحقبة وحتى العصر العلوي، ولا يخفى ما لتلك الحوالات من أهمية في البيبليوغرافية التاريخية ومن حيث مد الباحث بمواد وإفادات حول الحياة الاقتصادية والاجتماعية والقضايا الدينية والسياسية المرتبطة بها، غير أن الباحثة اكتفت بترقيم الحوالة إياها واللوحات الملحقة بها، دون الإحالة الدقيقة مما خلف بعض البياض في هذا المنحى، وكان عليها في الأقل وهي تنجز كتابا تاريخيا لعموم الناس متخصصين ومهتمين ومثقفين أن تثبت صورة أو صورا لبعض تلك اللوحات أو للحوالة ذاتها وهو ما يعد تزكية علمية للكتاب نفسه، الشيء الذي لم تقدم عليه الباحثة للأسف .
في مجال البيبليوغرافيا دائما فالإحالة إلى أطروحة الأستاذ مبروك الصغير حول تازة العمران والتاريخ، الصادرة في وقت سابق والتي بقيت حبيسة الدهاليز في حدود علمنا، (الباحث مبروك هو أستاذ بالمعهد العالي للآثار والتراث بالرباط) قلت هذه الإحالة كانت في محلها تماما باعتبار طبيعة مقاربة الأستاذ مبروك وريادته في مجال التعريف بمآثر تازة ومراحل من تاريخها، بتقاطع مع بعض اللمحات الأركيولوجية عنها، وخاصة العمارة الدينية والعسكرية وضمن هذه الأخيرة اعتبر الأستاذ مبروك تازة مدينة محصنة بل تعتبر نموذجا هاما في هذا المجال Prototype .
مع الأيام، أصبحت معلومات الكتاب إياه وإفاداته عناصر معروفة لدى المتلقين والمهتمين، غير أن تلك الأطروحة الهامة لم تجب عن إشكالات أساسية تخص عصور بعض المعالم التاريخية بمدينة تازة وشكلها وطريقة بنائها في الأصل والتحولات التي طرأت عليها بفعل حركية التاريخ وما شهدته المدينة من تخريب وإعادة بناء حسب المراحل والصراعات والثورات وتعاقب الدول والحركات السياسية أو الدينية، وقد تصل تلك الإشكالات إلى مستوى الألغاز التاريخية التي لم يصل فيها الباحثون إلى أجوبة نهائية، وعلى سبيل المثال لا الحصر كانت هناك بوابتان في منطقة باب الجمعة العليا لا واحدة بعد اكتشاف صورة تعود إلى بداية عصر الحماية، ومدى وجود باب الجمعة التحتي، وأيضا الالتباس المتعلق بعصر تأسيس البرج الملولب أو برج سارازين وإشكالية التسمية (يطلق عليه البعض برج السراجين والمشهور العائد إلى فترة الحماية هو سارازين) والسور الموحدي وامتداد القصبة المرينية وتأسيس مسجد الأندلس ومسجد السوق وسيد عزوز وغيرها .
على هذا الأساس يمكن اعتبار دراسة الأستاذ مبروك أدنى إلى المقاربة التاريخية التي تعتمد على المصادر والمراجع والوثائق المعروفة منها إلى دراسة أركيولوجية فعلا وواقعا، بحيث إنها ولو عدت رائدة فقيمتها المضافة تظل متواضعة تبعا لما ذكرناه آنفا.
التباس آخر لا يقل أهمية عن سابقيه وقعت فيه الباحثة المحترمة وهو المتعلق بالمدرسة المرينية أو المدرسة الحسنية / مدرسة المشور فقد ورد عند الإسحاقي في رحلته الحجية ما يلي بعد أن وصف الجامع الكبير بتازة" وتلاصقه – أي المسجد الأعظم – مدرسة عجيبة مكتوب على بابها:
لعمرك ما مثلي بشرق أو مغرب**يفوق المباني حسن منظري الحسن
بناني لدرس العلم مبتغيا به** ثوابا من الله الأمير أبو الحسن"
الإشكال أو الالتباس الحاصل هنا والذي لم تنتبه له الباحثة هو كلمة" تلاصقه" فهي تحمل خطأ فادحا على مستوى التوصيف المكاني لهذه المدرسة المرينية، إذ إن كل الباحثين وجميع مصادر الفترة بل ساكنة تازة نفسها تعرف بأن المدرسة التي كتب عليها هذان البيتان هي مدرسة المشور المرينية وقد تأسست كما هو واضح في البيتين من طرف أبي الحسن المريني يوم أن كان وليا للعد حوالي سنة 724 ه 1323 م وتقع بعيدا عن المسجد الأعظم في بداية الحي الجنوبي لتازة العتيقة في حين أن المسجد يوجد في الحي الشمالي (موالين الجامع مقابل الفوقيين وأجاب الشي للشي؟) ربما تهيأ للإسحاقي ذلك حينما زار المدينة في الربع الأول من القرن الثامن عشر، غير أن واقع المسافة شيء آخر، وواضح أن هناك التباسا أيضا مع مأوى الطلبة المجاور للجامع الكبير.
هذا وقد صحح العلامة المرحوم امحمد الأمراني هذا الالتباس في كتابه" ابن بري التازي إمام القراء المغاربة ص 87 يقول بعد تعريف موجد مع الأبيات السابقة الذكر" وتبعد هذه المدرسة اليوم عن المسجد الأعظم مسافة كبيرة" .
يجب التنبيه إلى أن الاعتماد على مصادر الفترة في استقاء المعلومات والحقائق التاريخية ومقارنة الوثائق بالمعالم الأثرية والعمرانية والتاريخية هي من أبجديات البحث التاريخي الرصين، فمصادر كتاريخ العبر والقرطاس وأزهار الرياض ونفاضة الجراب والمسند الصحيح الحسن والذخيرة السنية ووصف إفريقيا وغيرها تعد حجر الأساس في تتبع الفترة المعنية وأهم خصائصها، أما المصادر المتأخرة كالاستقصا للناصري مثلا فتفيد في ملء بعض البياضات الثانوية لا أقل ولا أكثر.
من إفرازات هذا لاختيار الضرب صفحا عن الشواهد الهامة مقابل الانتباه لأخرى (للناصري مثلا) غير ذات أهمية كبيرة ومن الشواهد الهامة التي كان من اللازم على الباحثة وهي تدرس العصر المرين بتازة أن تعود إليها ولم تفعل ما قاله المقري صاحب أزهار الرياض حول مجتمع تازة العالم خلال الفترة لما زار المدينة أحد شيوخ العلم" وانتقل إلى تازة ولازم أهل اللسان وفرسان المعارف وقتا طويلا ثم اعتكف على قراءة التهذيب ..." أما توسعة المسجد الأعظم فتمت سنة 691 ه وهي ما يوافق حكم السلطان أبي يعقوب يوسف الذي اهتم كثيرا بتازة وهو واضع الثريا الشهيرة لا أبي يوسف يعقوب يعني يعقوب المنصور المريني كما ورد عند صاحبة الكتاب، واللوحة المعنية تحمل نفس الالتباس ونظن أن الغالب في عملية التوسعة هذه كونها بدأت مع يعقوب المنصور وأتمها ابنه يوسف المريني وهذا الأخير هو الذي أنجز الجزء الأكبر.
أخيرا وليس آخرا هناك إغفال لأعلام تازيين عاشوا خلال العصر المريني كالرايس إبراهيم التازي رئيس صناعة السفن بالإسكندرية الذي عاش خلال القرن الثامن الهجري وآخر لا علاقة له بالعصر المريني وأقحمته الأستاذة في ذلك العصر وهو عبد الله بن فارس التازي الفقيه المتكلم المتوفى سنة 1009 ه / 1600 م أي صدر العصر السعدي، كما لا ادري سببا لإقحام الشيخ زنوف (توفي بعد سنة 1660 ه) صاحب كتيب" مختصر الأفاريد" في الألعاب والمتع وأشكال الترفيه التي يقوم بها الطلبة خلال حفل شعبانة وهو الذي عاش خلال نهاية العصر السعدي لا العصر المريني وقد سبق لي ترجمة هذا العلم إضافة إلى عبد الله بن فارس في مؤلفي" تقريب المفازة إلى أعلام تازة" الصادر عن دار المعارف الجديدة الرباط سنة 2017 .
أتمنى أن تغني هذه الملاحظات ما ورد في كتاب الأستاذة سميرة الذي أعيد وأؤكد مرة أخرى أنه يشكل إضافة نوعية للخزانة الوطنية والمحلية وخاصة ما تعلق بالمونوغرافيات .
* رئيس مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.