"البراح" -بفتح الباء والشدة على الراء المفتوحة – أو "أبراح" كلمة أمازيغية تعني "المنادي" باللغة العربية، أو le crieur public باللغة الفرنسية، أي الشخص الذي يعلن للعموم عن خبر معين، صادر عن ممثلي الجهات الرسمية، من سلطة مركزية أو قبيلة سياسية أو دينية أو قضاة أو شيوخ الزوايا والفقهاء، أو أعيان أو مجرد أشخاص عاديين. و"التبراح" أي الإعلان بالنداء يكون عادة أمام المساجد وفي الشوارع التجارية (السويقة مثلا)، والأزقة بالمدينة العتيقة، وبالأسواق والمواسم بالنسبة للقرى. وكان البراح يعلن عن أهم القرارات التي تريد مختلف السلطات وغيرها إيصالها للعموم وعن مستجدات الأحداث. ولحرفة "التبراح" فروع أو تخصصات، إذ كان البراح ينادي مثلا على التجار لإغلاق متاجرهم بمناسبة الأعياد الوطنية أو الدينية أو الزيارات الرسمية لرؤساء دول أجنبية، أو لإخبار الساكنة بحملة للتلقيح، أو من أجل الدقيق المدعم، أو بمناسبة الانتخابات أو لإحاطتها علما بالوفيات أو بضياع بعض الأشياء النفيسة من بعض الأشخاص أو العثور عليها حيث "يبرح" المنادي بذلك بمناسبة صلاة الظهر ليوم الجمعة ولمدة ثلاث أسابيع حيث يصبح ما عثر عليه ملكا لمن وجده ولم يتقدم أي كان للمطالبة به حسب المعتقدات. والى جانب البراح، الذي يجول المدينة مناديا أو ناقلا لبعض الأخبار، فإن حرفا مماثلة كانت تتشابه مع حرفة البراح، ولو أنها تمارس بطقوس مختلفة مثل الهلال (بالشدة على اللام المفتوحة)، الذي كان ينادي لصلاة الفجر، والمؤذن الذي ينادي للجميع الصلوات، والنفار الذي يوقظ الناس للسحور في رمضان (يقال له في مصر المسحراتي)، والطبال والغياط، الذي يعلن عن العيد، دون أن ننسى الدلال الذي كان يبرح بنوع السلع وثمنها عند البيع بالمزاد العلنين في بعض الأسواق كسوق الزرابي مثلا ... كما تجد فرقا متعددة بالمشور الملكي، تقوم كل منها بدور إخبار معين، كالفرقة الموسيقية الصباحية للحرس الملكي التي تنادي بالاستيقاظ، وفرقة المخازنية التي تعلن قدوم الملك الى مكان معين أو خروجه منه سواء كان ذلك داخل القصر، أو في البرلمان، أو في بعض المناسبات الأخرى، ناهيك عن الفرقة الموسيقية التي تستعمل آلات النفخ فوق سطوح القصر الملكي عند خروج الملك من الباب الرئيسي في المناسبات الرسمية، دون أن ننسى فرقة المخازنية التي كانت تقوم بدور يشبه دور "البراح" في مناسبة تجديد البيعة وغيرها. ورجوعا الى البراح التقليدي المعروف، فإنه كان لكل إعلان طقوس خاصة به (قاليكم الباشا... أو قالكم القايد.. الخ) وكانت الساكنة تتناقل الأخبار، التي يعلن عنها البراح، بسرعة فائقة، حيث يبلغ "الحاضر الغائب" تبعا لتوصية البراح نفسه وكان منهم من يعلن حضوره بدق جرس معين أو طبول أو النفخ في آلات موسيقية أو الاكتفاء ب"اسمعوا وعوا" أو غيرها من العبارات التي تشد أنظار السامعين. وكان يشترط في البراح أن يكون معروفا لدى الساكنة، بالصدق ليبلغ الخبر الصحيح، مرخصا له من قبل السلطة المحلية، جوهري الصوت، وحسن الهندام ويحسن التصرف مع الآخرين. وعرفت حرفة البراح منذ العصور الغابرة -أو على الأقل منذ العصر اليوناني القديم-، والى غاية السبعينات وزيادة من القرن الماضي، في جميع الحضارات الأخرى، حيث نجدها مقننة في فرنسا مثلا بمقتضى قانون 16 فبراير 1834، الذي كان يفرض الترخيص من البلدية لممارسة الحرفة، ويعاقب كل من ينتحل صفة البراح، بالحبس من ستة أيام الى شهرين، ومن شهرين الى سنة في حالة العود. إلا أنه مع بروز وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، واليوم مع الهواتف المحمولة ومع وسائل التواصل الاجتماعي، عرفت حرفة البراح كسادا إلى حد الانقراض، إلا في بعض الحالات التي تخص بعض البوادي البعيدة حيث يقوم بهذا الدور إما المقدم أو المؤذن، بل إنه حتى في هذه البوادي، أصبح "التبراح" يتم من قبل السلطة، بمكبر الصوت المثبت فوق سطح سيارة، مع الإشارة إلى احتفاظ القصر الملكي، بجميع الطقوس التي لا زال المنادون يقومون بتجسيدها. وعرف المغرب، إلى جانب حرفة "التبراح" هنا وهناك، حرفة أخرى تشبهها، تتعلق بالمتخصصة في الدعوات للأفراح، وهي حرفة "العراضة" (بالشدة على الراء المفتوحة) بالنسبة للنساء، حيث كانت العراضة التي تعرف جميع الأسر والعائلات تطوف المدينة القديمة - زنقة زنقة ودار دار - لتدعو النساء المكلفة بدعوتهم وبصوت جوهري، شأنها شأن البراح، إلى حفل زواج أو عقيقة أو ختان أو غيره، مع إبراز اسم أصحاب الفرح ومكانه والساعة التي سيتم فيها. إلا أن هذه الحرفة انقرضت أيضا مع استعمال بعض الأسر للدعوات المكتوبة ثم مع دمقرطة الهاتف الثابت وبعدها مع انتشار الهواتف المحمولة، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما "الواتساب".