خلّف الموقف الصادر عن الحزب الشعبي في مليلية، الذي دعا إلى إدماج الثغر في الاتحاد الجمركي الأوروبي، تداعيات كبيرة في بعض الأوساط الحزبية الإسبانية التي جدّدت المُطالبة بإدراج مدينتي سبتة ومليلية ضمن النظام الجمركي الأوروبي، من أجل تعزيز "الطابع الأوروبي للثغرين" من جهة، وإنعاش الاقتصاد الوطني لكلتا المدينتين بعد توجه المملكة صوب إنهاء التهريب المعيشي في المعبرين الحدوديين من جهة ثانية. بذلك، تسعى الأحزاب الإسبانية التي تقف وراء هذا التوجه السياسي والاقتصادي، لاسيما التنظيمات القومية في كل من سبتة ومليلية، إلى الردّ على الإجراء المغربي المتّخذ في الآونة الأخيرة، إذ أعربت عن غضبها من "الموقف المُهادن" لحكومة مدريد، الأمر الذي ستكون له تداعيات جمّة في المملكة، خاصة أن المقترح التشريعي الذي يُعدّه الحزب الشعبي في مليلية يروم جعل الثغرين حدودا جنوبية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. ويعود المقترح سالف الذكر إلى سنوات ماضية، إذ سبق أن دعا رئيسا سبتة ومليلية إلى إلزامية العمل على تنزيل مقترح تشريعي يهدف إلى القيام بدراسة جدية بشأن إعادة النظر في القوانين والرسوم المتعلقة بالتعريفة الجمركية، المفروضة على السلع المهربة عبر مختلف المعابر الحدودية المحيطة بالمدينة، لكنه قوبل بالرفض من لدن الحكومة المركزية بقيادة زعيم الحزب الشعبي ماريانو راخوي حينئذ. وإن كانت المطالب الإسبانية في سبتة ومليلية تنادي ب"الجمركة الأوروبية" في ظل رفض مركزي من لدن حكومة مدريد، فإن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي مازال غير معروف بشأن هذا التوجه، علما أن بعض المناطق التابعة لأعضاء الاتحاد الأوروبي لا تشارك في الاتحاد الجمركي بسبب انفصالها الجغرافي عن "القارة العجوز". وفي هذا الصدد، قال عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، إن "هذا التوجه يأتي في سياق الخطوات الانتقامية أو الابتزاز المقصود إثر قرارات سيادية للمملكة المغربية"، مبرزا أن "تلك الدعوات العدائية ابتزاز للأمن الاقتصادي الوطني لاغتناء غير مشروع من عائدات السلع المهربة المفتقدة للجودة ومنتهية الصلاحية". ويرى الفاتحي، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المملكة المغربية لن تخضع لهكذا ابتزاز ضد مصالحها الاقتصادية والصحية"، ثم زاد مستدركا: "الحقّ أن تدبير شراكة حقيقية وندية لا يستدعي بالضرورة اللجوء إلى أساليب الابتزاز، لاسيما في ما يتعلق بالوضع الخاص للمدينتين السليبتين". وتابع الخبير عينه: "لا أعتقد أن الإدارة المركزية في مدريد لا تضع في اعتبارها وضع المدينتين الخاص في سياق التوازن بشأن علاقاتها بالمملكة المغربية، التي تعتبر المدينتين ضمن مجالها السيادي"، مؤكدا أن "هذه الأصوات اليمينية تسعى إلى إعادة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين إلى المربع الأول بناء على نظرة ضيقة الأفق". ورغم ذلك، وفق الفاتحي، "تبقى هذه الأصوات بلا تأثير لأنها صادرة عن فئة من الانتهازيين الذين يغتنون من عوائد تصدير سلع منتهية الصلاحية، ولا تحترم معاير الجودة المطلوبة لدخول الأسواق المغربية بطريقة مشروعة"، لافتا إلى أن "انتهازية الخطاب القومي للأحزاب في الثغرين المحتلين بدت واضحة حينما سارعت إلى تصريف هذه المناورات العدائية بمجرد تنفيذ المغرب قرارات إدارية سيادية وطبيعية، مماثلة لتلك التي تُنفذها إسبانيا حيال مختلف السلع القادمة إلى أسواقها". "لعل من دواعي اللجوء إلى هذه الخطابات اليمينية إحساس الأحزاب المحلية القومية بحجم المساس بالقيم الوحدوية للمملكة المغربية، ولاسيما رؤيتها للثغرين المحتلين"، يقول المتحدث، مردفا: "من الطبيعي أن يتصاعد خطاب اليمين الإسباني المتحرش بالسيادة الوطنية". وختم مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية حديثه بالإشارة إلى أن هذا الخطاب اليميني يأتي "بالتزامن مع مصادقة المغرب على ترسيم حدود مياهه الإقليمية، ما ترتب عنه تحريض ضده من لدن حكومات جهوية وإسبانية، وأعقبه أيضا إقدام وزير ينتمي إلى بوديموس مؤخرا على استقبال وزيرة الجمهورية الوهمية".