حلّ، خلال الأسبوع الماضي، مجيد الڭراب، عُضو البرلمان الفرنسي من أصل مغربي، بالمملكة في إطار زيارة تقوده إلى عدد من البلدان لإجراء تحقيق ضمن أجندة المهمة البرلمانية المُحدَثة مؤخراً حول السياسة الفرنسية لمنح التأشيرات ويشغل فيها مهمة المُقرر. وأفاد الڭراب، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، في حواره مع هسبريس، بأن هذه المهمة البرلمانية ستنهي عملها بحلول الصيف المقبل ليعقب ذلك مصادقة البرلمان على تقريرها الذي سيتضمن مقترحات لتجاوز تأخر مواعيد طلب تأشيرة فرنسا وهو مشكل يعرفه المغرب وعدد من البلدان. كما يتحدث البرلماني الشاب، البالغ من العمر 37 عاماً، عن العلاقات التي تربط المغرب وفرنسا، ناهيك عن رأيه في حركة السترات الصفراء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ودور فرنسا أوروبياً، كما يقدم وفق وجهة نظره نقاط قوة وضعف المغرب. ويدافع الڭراب، الذي ينحدر والداه من قرية آيت إسحاق نواحي خنيفرة، عن اللغة الأمازيغية التي يتحدثها بطلاقة ويعتبرها إحدى نقاط قوة المملكة، ويدعو إلى الحفاظ عليها ويعتبرها ثقافة غنية ومنفتحة وتعطي للمرأة مكانة كبيرة. أنتم اليوم في المغرب ضمن مهمة برلمانية حول السياسة الفرنسية لمنح التأشيرات، ما سياقها؟ تسعى هذه المهمة البرلمانية إلى التحقيق في ظروف منح التأشيرة الفرنسية وأسباب تأخر المواعيد. وحين سنُنهي عملنا والذي يتضمن زيارة القنصليات والاستماع للمسؤولين المعنيين، داخل فرنسا وخارجها، ستكون لدينا رؤية شاملة وبناءً عليها سنُقدم مقترحات لتحسين الوضع، والهدف من كل هذا هو إيجاد حلول ملموسة وتقديم مقترحات للتغيير سواء في القوانين أو طريقة عمل الإدارة. هذا العمل البرلماني سيكون له أثر تشريعي لإنهاء مشكل تأخر مواعيد "الفيزا"، فلا يعقل أن ينتظر الناس أربعة أشهر للحصول على موعد لطلب تأشيرة فرنسا.. هذا غير ممكن؛ لأن الأمر يتعلق بصورة فرنسا والعلاقات الفرنسية المغربية ومختلف الدول، وأعتبر أن أمر غير مقبول ويجب أن يتغير. متى ستنتهي فترة عمل المهمة البرلمانية؟ وهل الأمر يتعلق فقط بالمغرب؟ سننهي عملنا بحلول الصيف، وبعد ذلك سنصادق على التقرير الخاص بعمل المهمة في البرلمان ليتم بعثه إلى الحكومة لنبحث كيف يمكن معالجة الأمر من خلال التشريع. والأمر لا يتعلق فقط بالمغرب، بل بالعالم بأكمله، اليوم أنا في المغرب وسبق أن زرت الجزائر، وسأزور تونس وكوت ديفوار والسينغال وروسيا، كنا برمجنا الصين ضمن زيارتنا؛ لكن نظراً للوضعية الصحية هناك، فلن نتمكن من ذلك. كما سنقوم بدراسة مقارنة للاطلاع على تجارب البلدان الأخرى، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، للتعرف على سياستها في منح التأشيرة. هل ترون أن العلاقات الفرنسية المغربية جيدة؟ نعم، العلاقات جيدة وفريدة من نوعها. وأعتقد أنها كذلك سواء في الماضي والحاضر، وستكون جيدة في المستقبل أيضاً. كما أن التعاون بين البلدين متميز، لقد كان لي شرف المشاركة في إطلاق القطار فائق السرعة "البراق" بحضور جلالة الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون، وقد كنت فخوراً جداً؛ لأن الشراكة بين البلدين أنتجت مثل هذا المشروع الذي هو بمثابة نجاح عالمي لنا جميعاً، سواء الفرنسيين والمغاربة. شهدت فرنسا سنة 2018 حركة احتجاجية للسترات الصفراء، كيف ترون هذه الحركة؟ شهدنا مثل هذه الحركات منذ زمن طويل؛ لأن ما هو معروف على فرنسا أنها بلد ثورات اجتماعية دائماً، فحتى في عهد الملكية شهدنا حركات احتجاجية. وحركة "السترات الصفراء" التي عرفتها البلاد مؤخراً هي حركة ثورية اجتماعية عميقة وقوية، شارك فيها آلاف المحتجين في الشارع لأيام وأسابيع عديدة، وهي اليوم أصبحت تتناقص شيئاً فشيئاً. هذه الحركة لم تكن لها هيكلة وباتت تتلاشى؛ لكنها تبقى مؤشراً اجتماعياً.. واليوم يمكن أن نقول بأنه حتى لو انهارت الحركة فإن هذا الغضب الاجتماعي لا يزال مستمراً والرغبة مستمرة في تغيير الأمور لفائدة الجانب الاجتماعي والعدالة والمساواة. هل استعادت فرنسا دورها الريادي في الاتحاد الأوروبي؟ نعم، نرى ذلك بشكل واضح، في الاتحاد الأوروبي توجد فرنساوألمانيا.. وإذا كانت ألمانيا مهيمنة في السابق لوحدها فإن فرنسا استعادت في عهد ماكرون ريادتها، وأصبحت الأمة الكبرى في الاتحاد الأوروبي. ما قراءتكم للبريكست وأثره على الاتحاد الأوروبي؟ لقد سبق للجنرال ديغول أن توقع ذلك قبل دخول إنجلترا إلى الاتحاد الأوروبي، هذا البلد عبارة عن جزيرة لم تعتبر يوماً أوروبية داخل الاتحاد، بل كانت دائماً على الجانب، وقد نجح الشعبويون الموجودون في السلطة في إخراجها اليوم، وقد مسّنا هذا الأمر جميعاً؛ لكن بحكم الواقع سنستمر في التعامل معاً، لأن التعامل التجاري الرئيسي لإنجلترا يوجد مع أوروبا. بخصوص المغرب، ما هي نقاط القوة والضعف التي يجب الوقوف عليها لمعالجة مشكل النموذج التنموي؟ أثمن في هذا الصدد إحداث الملك للجنة خاصة للنموذج التنموي يترأسها رجل رائع مثل شكيب بنموسى، وقد كان لي شرف لقائه أكثر من مرة باعتباره سفيراً للمغرب في فرنسا، وأعرف جيداً طريقة عمله والذكاء الذي يعالجه به المواضيع، وسبق أن عايش أزمات قوية بين فرنسا والمغرب في السنوات الماضية ونجح في تجاوزها. وبالنسبة للنموذج التنموي فهو نموذج اجتماعي واقتصادي وثقافي. لذلك، يجب التفكير فيه من قبل شخصيات مستقلة ومشهود لها بالكفاءة والصدق لتقييم الوضعية في المغرب. وأعتقد أن هذه اللجنة برئاسة بنموسى ستنجح في المهمة، وبالتالي الوصول إلى مقترحات ناجعة. أظن أن المغرب لديه نقاط قوة كثيرة، فمقارنة بالدول الإفريقية يعتبر من الدول الأكثر تطوراً، كما أنه يتوفر على مؤسسات قوية رغم ما شهده من اضطرابات، ورغم أنه لا يتوفر على موارد طبيعية فهو يسجل نمواً قوياً، كما أن ساكنته تعتبر مصدر الغنى الرئيسي من خلال ما تزخر به من ابتكار وتراكم للعمل الجمعوي، وهذا ألمسه في أحياء الدارالبيضاء وفي قريتي آيت إسحاق نواحي خنيفرة حيث تقوم الجمعيات بعمل رائع، هذا كله يشكل نقاط قوة المغرب، إضافة إلى صورته وسمعته في العالم إنه بلد يرغب الجميع في زيارته. أما نقاط الضعف فقد سبق أن رُصدت من طرف أعلى سلطة في البلاد، ألا وهي التنمية الاجتماعية، فعلى مستوى الدارالبيضاء مثلاً لا تزال هناك ساكنة مهمشة كثيراً، كما يجب التفكير أيضاً في التعليم والصحة العمومية لكي تكون متاحة للمواطنين بجودة جيدة. من الذي شجعكم على دخول عالم السياسة؟ هل كان ذلك بإيعاز من عائلتكم؟ أبي كان حطاباً وأمي ربة بيت، ولم يكن في عائلتنا أي رجل سياسة، ومنذ الصغر كنت مُلتزماً ووجدت نفسي يوم من الأيام ألصق إعلانات حزبية، وبدأت شيئاً فشيئاً أهتم بالسياسة واليوم أنا برلماني، وهذا كان نتاج مسار طويل من المدرسة واللقاءات الحزبية لعدد من السياسيين والأصدقاء الذين ساعدوني في مساري السياسي. أشجع الشباب على الالتزام، لأنه ضروري إذا أردنا أن نكون مواطنين بمواطنة كاملة، هناك من يريد أن يلتزم وليس ضرورياً أن يكون ذلك مع الأحزاب بل مع الجمعيات، الأساسي هو تخصيص وقت للآخرين، وهذا ما نحتاجه اليوم في مجتمعنا. هل لا زلتم ضمن حزب الجمهورية إلى الأمام؟ لا، لقد غادرت الحزب منذ سنتين، والتحقت بمجموعة مستقلة تحمل اسم «Libertés et territoires»، لكن على المستوى الشخصي ما زلت أحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع قادة حزب "الجمهورية إلى الأمام"، وأدعم رئيس الجمهورية. ما الذي تحتفظون به كذكريات حول المغرب؟ المفارقة أن ذكرياتي الخاصة بالمغرب مرتبطة بإسبانيا؛ لأننا كنا نمر عبرها في كل عطلة، حيث أرى صور الثيران في الطريق السيار. كما أن المغرب مرتبط لدي أيضاً بالدموع كلما حان وقت الرحيل، بعد نهاية العطلة. ماذا تعني لكم مدينة خنيفرة؟ خنيفرة.. تذكرني ب"إيناس إيناس" للراحل محمد رويشة، هو فناننا الكبير، خنيفرة هي القبائل والجبال وأحيدوس وكل ما له علاقة بالثقافة الأمازيغية. كذلك حادة أوعكي فهي فنانة سليلة قريتي آيت إسحاق التي أصبحت أيقونة الأغنية الأمازيغية. هل تدافعون عن الأمازيغية؟ نعم، بالطبع أينما كنت وأنا مدافع كبير عنها. وقد اكتشفت، من خلال عملي كبرلماني، أن الثقافة الأمازيغية لا تنحصر على البلدان المغاربية؛ بل تصل إلى عمق إفريقيا. وقد لاحظت ذلك خلال حضوري لمهرجان يحمل اسم "إفروان" وسط الصحراء في النيجر، وتفاجأت أنهم يفهمونني بأمازيغية الأطلس المتوسط. يجب المحافظة على الثقافة الأمازيغية لأنها تعتبر من نقاط قوة المغرب، فهي ثقافة متسامحة ومنفتحة ولا تقبل العنصرية وتعطي للمرأة مكانة كبيرة وقوية في الأسرة. وأنا أحرص على زيارة قريتي آيت إسحاق بخنيفرة سنوياً، وأعلم أبنائي اللغة الأمازيغية. وبهذه المناسبة، أدعو الجميع إلى حضور مهرجان "تايمات" الذي ينظم في غشت من كل سنة بقرية آيت إسحاق بخنيفرة، وهو مهرجان بادرت إلى تأسيسه رفقة بعض الأصدقاء سنة 2008.