1- دعوى مجملة: "لفهم الحاضر واستشراف المستقبل لا بد من تمثل الماضي الذي أفلَ، مادام الماضي سيرورة معنى تقيم في اللفظ المعاصر حاضرا ومستقبلا"، إ.ع. 2- مناسبة الدعوى وتطبيقاتها: غني عن البيان أنه لا قياس مع وجود الفارق، لكن مع ذلك يجوز لنا قياس الشاهد على الغائب، وإن شئتم قلتم قياس الحاضر على الماضي، لفهم سيرورة التاريخ وتحولاتها. وبما أن المناسبة شرط، مناسبة وجود ثلاثة زعماء سياسيين سوسيين على رأس أكثر الأحزاب حضورا في ساحتنا السياسية -بغض النظر عن موقفنا من أدائها- وأقصد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، السيد سعد الدين العثماني، والسيد عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، والسيد عبد اللطيف وهبي، زعيم حزب الأصالة والمعاصرة الجديد. فهؤلاء الزعماء السياسيون السوسيون، تأسيسا على ما سبق ذكره في الدعوى، يمكن نسبتهم إلى تواريخ وإمبراطوريات تاريخية نشأت بسوس وساهمت في رسم ملامح التاريخ السياسي للمغرب في العصر الوسيط، لوجود خيط رفيع من التشابه الاعتباطي بالمفهوم اللساني السوسيري لمصطلح "الاعتباطية...". من هنا، تجوز لنا نسبة سعد الدين العثماني السوسي إلى المرابطين، لأنه يشترك وحزبه مع المرابطين في الإعلاء من سلطة الفقهاء، وخير دليل على هذا التماهي السياسي خضوع مناضلي العدالة والتنمية الذي يقوده العثماني لسلطة فقهاء حركة الإصلاح والتوحيد، على غرار ما كان في عهد الدولة المرابطية التي كان الفقيه فيها يسود ويحكم. أما زعيم "الحمامة" الملياردير السوسي عزيز أخنوش فننسبه إلى الدولة الموحدية التي أنشأها ابن تومرت السوسي، بجبل الكست بسوس، واشتهر بعده سلاطينها بالثراء، وكثرة القوافل التجارية، خاصة في عهد المنصور والناصر والمستنصر. فهذا الثراء الموحدي في عهد هؤلاء السلاطين الثلاثة نراه اليوم أيضا في ثراء زعيم الحمامة السوسي المتحكم في سوق الذهب الأسود، وجمعه بين السلطة والمال على غرار كثير من السلاطين الموحدين. أما زعيم الأصالة والمعاصرة الجديد، عبد اللطيف وهبي، فيجوز لنا نعته بالمحمدي نسبة إلى محمد العالم حاكم المحمدية (تارودانت)، مادامت ثورته على القيادة السابقة ممثلة في حكيم بنشماش وتيارها تشبه إلى حد ما ثورة محمد العالم على والده السلطان المولى إسماعيل، ورفضه طريقة حكمه كرفض وهبي لتدبير بنشماش، والتبرؤ من خطوط العماري الحمراء، مع فارق في النتيجة، اغتيال محمد العالم لغياب الديمقراطية وحرية التعبير قديما، ونجاح وهبي بفضل توفر المناخ الديمقراطي وطنيا وحزبيا في العصر الجديد. أما سوسي الاتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر، ونظرا للرتبة المتدنية التي احتلها حزبه في الانتخابات الماضية، فيجوز لنا نسبته لدويلة إليغ، نظرا للحال التي آل إليها وضع الاتحاد الاشتراكي الذي يقوده، حيث خبا نجمه بسرعة في الساحة السياسية المغربية، كما وقع لدويلة إليغ السوسية التي ثار مؤسسوها على السعديين إبان ضعفهم، فصعد نجمها لفترة قصيرة، ثم ما لبثت أن درست معالمها، وفشلت في توحيد المغرب، إلى أن جاءت الدولة العلوية الشريفة فكانت سعد السعود على السوسيين والمغاربة عامة - بتعبير المختار السوسي-. وبهذا نكون أمام حضور سوسي سياسي جديد، يقوده خاصة ثلاثة أمناء عامون سوسيون، هم سعد الدين المرابطي، وعزيز أخنوش الموحدي، وعبد اللطيف وهبي المحمدي. واختلاف هؤلاء القادة السوسيين في الانتماء الحزبي والمرجعية الإيديولوجية يجعلنا نتساءل عن علته، رغم الاشتراك في الدم والانتماء الجغرافي واللسني الأمازيغي؟. وجواب السؤال مرده إلى أن سوس على مر العصور كانت أرضا تؤمن بالاختلاف، وتقدير الآخر، كصنيعهم مع العرب، فضلا عن إيمان علمائها بقيمة الحوار. وما يزكي طرحنا أن العلامة المختار السوسي تخرج على يديه رجال منهم من انتمى إلى أقصى اليمين كعبد السلام ياسين، ومنهم من انتمى إلى أقصى اليسار كمحمد بن سعيد آيت إيدر. وهذا السؤال المرجعي يتفرع عنه سؤال أخلاقي يرتبط بسيكولوجية الزعماء السياسيين السوسيين الجدد، وهل تشبعوا بخصال زعماء سوس التاريخيين، المشهود لهم بالنبل الأخلاقي ومحبة الناس وفعل الخير والإيثار والتواضع وخدمة الآخرين؟ أم تبرؤوا من تراث سوس السياسي الخلاق؟. في تقديرنا إذا أراد هؤلاء الزعماء خدمة المغاربة فعليهم أولا إعادة الاعتبار إلى سوس، والمناطق الجنوبية، بعيدا عن الحسابات السياسيوية الضيقة، قبل أي حملة انتخابوية؛ وذلك بإحياء التراث السوسي وإرث الجنوب المغربي الحضاري في مختلف مجالات المعرفة، وخاصة الصحراء المغربية التي تربطهم بها صلات علمية تاريخية تعد خير شاهد على مغربية الصحراء ورجالاتها، وفي هذا الصنيع خدمة كبرى لكافة المغاربة، وهو أرقى من الوعود الكبرى التي اعتاد الزعماء نثرها في السوق الانتخابوية إذا حل موسمها. وإجمال هذه الورقة المختصرة التي رمنا من خلالها تسليط الضوء على الحضور السوسي الجديد في مشهدنا السياسي المعاصر: أن سوس العالمة خرجت في مختلف مراحلها التاريخية رجالات دولة مخلصين للوطن في شموليته، ينبغي على سوسيي الزعامة السياسية الجدد النهل من تجاربهم، والحفاظ على نقاء تاريخ سوس ورمزيته، ومكانته في قلوب كافة المغاربة. وصفوة القول أن الانتخابات المقبلة ستعرف تأثيرا سوسيا ثلاثيا، سيستفيد منه أيضا حزب الاستقلال، الذي يقوده الفاسي نزار بركة، لأن أهل سوس عبر التاريخ يجلون فاس ورجالاتها ويعتبرونهم أُسْتَاذَتَهُمْ وأستاذة المغاربة كلهم، كما صرح بذلك المختار السوسي في كتابه سوس العالمة؛ ما لم يظهر طرف رابع يرسم طريقا رابعا مغايرا تصحيحيا للمعهود من الممارسة السياسية الحالية التي كثرت آفاتها، لإعادة الثقة للمغاربة بجدوى الممارسة السياسية وتحصين المكتسبات وبناء مغرب المستقبل الذي ينشده كافة الوطنيين الصادقين المتشبثين بوطنهم ومقدساتهم، في ظل الدولة العلوية الشريفة. *أستاذ باحث في تحليل الخطاب، مهتم بالتراث الأمازيغي السوسي [email protected]