رفعت السلطات القضائية من وتيرة فتح تحقيقات وأبحاث بخصوص الشكايات التي تتوصل بها حول جرائم الفساد المالي مؤخراً، حيث جرى توجيه استدعاءات إلى العديد من المنتخبين في مختلف المدن المغربية للتحقيق معهم في التهم الموجهة إليهم. في مدينة مراكش، قرر الوكيل العام للملك بالمدينة متابعة عبد العالي دومو، الرئيس السابق لجهة مراكش تانسيفت الحوز والبرلماني الأسبق في حزب الاتحاد الاشتراكي، من أجل جنايات تبديد واختلاس أموال عامة والتزوير واستعماله وإتلاف وثائق من شأنها الكشف عن جناية. كما قرّر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش إحالة ملف الصفقات التفاوضية الخاصة بمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية "كوب 22"، التي كلفت أزيد من 28 مليار سنتيم، على قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال، للاستماع إلى كل من رئيس جماعة مراكش المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية ونائبه الأول. ومن بين ملفات الرشوة والفساد المعروضة على القضاء بمحكمة الاستئناف بمراكش ملفات كل من مدير الوكالة الحضرية بعاصمة النخيل ورئيس القسم الاقتصادي والاجتماعي بعمالة مراكش ورئيس جماعة واحة سيدي إبراهيم المنتمي إلى حزب الأصالة المعاصرة، والذي أطاحت به رشوة قيمتها 11 مليون سنتيم. كما قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش متابعة الرئيس السابق لبلدية شيشاوة، من أجل جناية تبديد واختلاس أموال عمومية والتزوير في محررات رسمية واستعماله. وقبل أيام، جرت إدانة رئيس جماعة تنانت السابق بإقليم أزيلال بالحبس أربع سنوات نافذة، بعد متابعته بتهم تبديد المال العام والنصب والتزوير. وطالبت الجمعية المغربية لحماية المال العام، الجمعة، بالاستماع إلى محمد مبديع، البرلماني عن حزب الحركة الشعبية رئيس بلدية الفقيه بنصالح، بعد ظهور معطيات صادرة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية بخصوص تسيير المدينة ذاتها. وتأتي الدينامية القضائية الجديدة بعد الدورية التي وجهها رئيس النيابة العامة بضرورة الحرص على إجراء تحريات حول ما يصل إلى الجهات المعنية من معلومات حول أفعال الفساد، وفتح أبحاث بواسطة الفرق الوطنية والجهوية للشرطة القضائية بشأن ما يتوصلون به من شكايات ووشايات وتقارير، كلما توفرت فيها معطيات كافية وجادة تسمح بفتح أبحاث بشأن إحدى جرائم الفساد المالي. وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن هيئته تقدمت بعشرات الشكايات معززة بوثائق وحجج حول شبهة فساد منتخبين ومسؤولين سياسيين، مشيرا إلى أن المتتبع للوضع العام للبلاد سيلاحظ أن هناك أشخاصا تولوا تدبير الشأن العمومي وهم لا يمتلكون شيئاً وبعد انتهاء عملهم السياسي أصبحت لهم ممتلكات وأموال وباتوا من أعيان المدن وأثريائها. وأوضح الغلوسي، في تصريح لهسبريس، أن هذا الوضع ساهم في تكوين نخب هجينة تطمح فقط إلى قضاء مصالحها الشخصية دون أن يهمها مصلحة الوطن، وزاد أن المغرب اليوم يحتاج إلى نخب مستقلة تتمتع بقدر عال من الكفاءة والنزاهة. رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام دعا القضاء إلى تحمل مسؤوليته في اتخاذ إجراءات صارمة وعقوبات ردعية ضد ناهبي المال العام والمرفق العمومي، مؤكدا أن العقوبات المنتظرة يجب أن تحقق الردع العام والخاص حتى يكون هؤلاء عبرة إلى كل من سولت له نفسه نهب أموال الدولة. ويرى المتحدث، في تصريحه، أن "العقوبات القضائية إذا كانت في المستوى المطلوب وتناسب خطورة جرائم الأموال ستسهم لا محال في تخليق الحياة العامة وبناء ثقة جديدة أصبحت مفقودة للأسف". وشدد الغلوسي على أن السلطة القضائية المستقلة لها دور أساسي في محاربة الفساد، منبها إلى أن نهب المال العام والفساد يكلفان الوطن كثيرا وتشكل نسبته 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام في البلاد، و"لا يمكن أن نتحدث عن أي نموذج تنموي كيفما كانت مواصفاته دون القطع مع الفساد".