تجهمت سماء المغرب فجأة عن فضيحة انفجرت كقنبلة، فتعبّأ الطقس بالكلام وتطايرت الشائعات المتناقضة التي انتشرت في فضاء الوطن. كما انفجرت براكين الغضب وتناثرت في القنوات الفضائية التي كانت تُحيك تفاصيل ليلى بحجم ضوء النجم. فانقسم رأي الشعب إلى نصفين، أقوال وادعاءات متباينة، جداول بوح يُلهب كالحريق. سبّ وقذف هنا وتحسُّرُ وحزن هناك. شياطين الأرض تُقدم أباريقها الملونة وليلى يَفِزّ قهرُ غاشم من عينيها، حتى الشبكة العنكبوتية لم تُقصّر في نشر خبر "ليلى والذئب" من المحيط إلى الخليج. فأصبحت ليلى قضية الرّأي العام. وقامت قيامة العشراتِ من المنظمات الإنسانية ورجال القانون. الجميع يدافع عن وجع ليلى البريئة القاصرة، والتي هزّت قضيتها المغرب وزلزلته. العاصفة أثارت غضبَ الشعب وسرقت سكينته اللامعتادة. فوقف ينادي مناصرا ليلى، مُندّدا بفاطمة الزهراء زوجة المحامي التي تدافع عن عشها الزوجي، ومناديا بأعلى صوته المبحوح: ليلى "بنت الشعب" و"كلّنا ليلى". كثيرون نصّبوا أنفسهم حكّاما في قضيتها... واختلّت لدى الناس القدرةُ على الإدراك، فماتت عندهم حاسّةَ المعرفة، واختفى وهج الحقّ وأصبحت القيمُ تحتضر... الخجل مات... والحياء أيضا عُبِّق برائحة الموت، فبات المجتمع المغربي بين مؤيد ومعارض، منتقد وشاتم ومعاتب، وفقد بوصلته وأصبح كلّ يغني على ليلاه. وكلّ يدلي برأيه وفكره على ذوقه وأهوائه. جَرحَ الليل ليلى وقضّ مضجعها داخل الزنزانة... الناس نيام وهي السّاهرة المدجّجة بجراحاتها الدّامية... والغيظُ يجيش بداخلها ويعوي من حرمانها لطفلتها الرضيعة التي بقيت مع جدتها المسنة، فأصبحت كجسد بلا روح، باهتة معلقة دهشتها على جدران الزنزانة. كلمات آثمة تُدوي بداخلها، كاللهب تلسعها، كالجمر تحرق قلبها لِما تعرّضت إليه من زوجة عشيقها التي بسبب غيرتها نهجت أسلوبا لا إنسانيا وحيلة شيطانية لتستدرجها إلى المقهى حتى تنقض عليها الشرطة، فانقلبت المعادلة، وأصبحت ليلى هي الذئب وكأنها إرهابية تهدد أمن المجتمع. والمحامي الجاني رجل القانون وزوج المحامية فاطمة الزهراء هو الحمل الوديع البريء المسكين الذي غُرّر به من شابة قاصرة!... أصوات من الشعب تنادي: "بأي حق تدان المرأة بالزنا ويُترك الرجل المشارك في ذلك..؟ هل لأن الرجل لا يعاب حسب الأعراف والتقاليد البالية؟ كيف لزوجة محامية وأم لأطفال تستعمل كل أسلحتها القانونية واللا إنسانية لإدانة ليلى والانتقام منها...؟ تخيلوا لو ابنة المحامية التي كانت لها علاقة مع رجل متزوج هل ستجزّ بها في السجن.. أم سترى كيف ستحلّ المشكلة وتعالجها؟ أين أمومة هذه المحامية فاطمة الزهراء وكيف طاوعها قلبها أن تبعد رضيعة عن أمّها؟ كيف لامرأة قانون ترافع عن زوجها "الفحل" وتدافع عنه لتبرئته من الزنا والفاحشة التي أرغم عليها ليلى الذئب ضد زوجها المصون الحمل الوديع ورجل القانون العفيف؟ الذي تحايلت عليه عائلة ليلى بخطبة ابنتهم له وقراءة الفاتحة. أحسّ الشعب ب"الحكرة" (الاحتقار) مدينا المحامي محمد الذي تلاعب بمشاعر ليلى، وزوجته المحامية فاطمة الزهراء التي بسبب شكواها اعتقلت ليلى. هنا ضاعت بوصلة الرأي العام في صراع بين العقل والعاطفة. أصبحت الزوجة صاحبة الحق ظالمة متعسفة "هتشكوكية"، وأصبحت ليلى الخاطفة لزوج فاطمة الزهراء ومخربة عشّها في نظر الشعب صاحبة حق. أصوات في الشوارع تنادي: "كلّنا ليلى، وسنحميها من ظلم أناس يترافعون باسم القانون ولا يطبقونه". هكذا كانت الصورة السريالية لقضية ليلى والذئب. على إحدى الشاشات التلفزيونية، ظهرت ليلى تروي حكايتها وخمار على رأسها وفي حضنها طفلتها الرضيعة تقول في انكسار وهزيمة: "لم أكن ولو للحظة أصدق أنه يوما سيخون العشرة ويغدر بي، خصوصا أن العلاقة التي كانت بيننا مُقبلة على الزواج. اتصلت بي زوجته هاتفيا، بدا صوتها كمظلومة تريد الطلاق من زوجها. قالت لنلتقي ونحل هذه المشكلة... صدقتها". فرحُ يخالج ليلى، "سيتطلّق منها ويتزوّجني".. هرولَت مسرعة إلى المقهى وفي طريقها أخبرت أختها أن تلحق بها كحالة احتراز من انقضاض الزوجة عليها، ومن يدري فهي تعرف أنها من استحوذت على زوجها المحامي صاحب الشأن في المجتمع وأنجبت منه حتى تعض عليه بالنواجد. وصلت ليلى إلى المقهى والتقت بزوجة المحامي تنتظرها سلمت عليها وجلست. لم تمر خمس دقائق حتى داهمتهما الشرطة. نظرت إليها مستغربة مرعوبة: "ماذا يجري يا فاطمة الزهراء... أنا لم أفهم شيئا!!!" أجابت الأخيرة: "ستذهبين إلى الزنزانة حيث الجرذان هناك تستقبلك بترحيب يليق بك. هكذا مآل من يقترب إلى عائلتي. لقد وعدتك بالسجن وها أنا أرسلك إليه". نزلت دموع حسرة وندم على غنيمة لم تعد كذلك، وعن زوج الغفلة الذي طار في غفلة. أكملت حديثها في تحسر واستياء عن رجل عاشرها بالفاتحة. تخلى عنها فجأة ناكرا حتى طفلته الرضيعة. غابت آمالها كما الشموس الغارقة في البحر. كان ينظر إليها وهو بجانب زوجته بازدراء واحتقار ناكرا الأيام مزركشة الألوان التي قضاها معها. صراخ مدو ودموع كالشلال بسبب تراشق كلمات نابية وصواعق من قذف وسبّ ضاربة من غير رحمة ليلى...! هولُ الخوف والرّجفة تجتاحها... أجيجُ من لهبِ الظلم يخنقها... يشيط ويشتعل كالجمر... يتّقد ويلسعها: محمد انظر إلي.... قل شيئا..... نكرتني... خنتني...نسيتني ... أين الأيام التي قضيناها سويا... كانت زوجة المحامي تنظر إليها باستعلاء وغضب من إنسان اقتحم حياتها غصبا كالفيروس وخرب علاقتها الزوجية. اقترب منها المحامي مشيرا إلى الخاتم بأصبعه وقال: انظري... إن هذا خاتم زواجي لم أزله قط في حياتي. وجدت ليلى نفسها في ورطة كالسحر الذي انقلب على ساحره... كانت المشتكية، فأصبحت المشتكى عليه. أخذت الشرطة منها الهاتف، ومنعوا عليها الاتصال إلى اليوم التالي. تحطّمت أحلام ليلى ورقدت في أعماق روحها التي تفيض بالوجع... لمصيرها الذي كان يمشي على الشوك ولم يشعر بوخزة ضمير. تعرفت ليلى على المحامي محمد ذات يوم وهي تجري في أحد أرصفة عين الدياب بالدار البيضاء. كان يتبعها بالسيارة إلى أن توقفت. نظر إليها بابتسامة: هل ممكن أن نتعرّف؟ صيد ثمين نزل من السّماء... بادلته الابتسامة ورقم هاتفها من غير تردّد. وأصبحا يتواصلان هاتفيا فترة من الزمن. لم تعرف أنه متزوج، ولم يخبرها قط أنه كذلك. بعد أن علمت أن المحامي محمد متزوج وزوجته محامية وافقت على نفسها أن تظل في علاقتها بحجة أن محمدا سيطلق زوجته. ولم تنتظر الطلاق المزعوم حتى تتزوج رسميا. قبلت بالخطوبة وقراءة الفاتحة التي لا تُشرّع الزواج؛ لكنها تُشرّع النكاح. وبما أنّ ليلى ومحمدا غير متوفّر لديهما الشروط القانونية، وكانت قاصر وحضرته متزوج سلفا حينها كانت الفاتحة الحلّ الوحيد الذي يفتح لهما باب غرفة النوم ويقيهم من شرّ حراس العقيدة من اتهامهم بالزنا. هكذا أقيمت الخطبة بحضور والدي ليلى وإخوتها في غياب والدي محمد، بحجة أنّ والدتَه في الحج ووالده مقعد وأخته في الصين وأخاه في الهند. فما كان على أفراد عائلة ليلى البريئة كابنتهم إلا استعجال البر بالفاتحة وقبول هذا الرباط العرفي. سكنت ليلى مع محمد في مدينة برشيد وبعدما أحست بأنها تعيش معه عشيقة. أصبحت تلح على الزواج وهو يتماطل بأعذار واهية، وكانت تقنع نفسها بأنها زوج محام ورجل قانون سيوفر لها حياة كريمة تليق بها. بعد مرور عامين من علاقتهما، حصلت طامّة نزلت عليها كالقضاء والقدر فجاحت بعقلها. انتشرت صورها الحميمية مع محمد في الشبكة العنكبوتية وهي في جلسات شبه عارية. ندبت حظها العاثر مع رجل أحبته وكانت تلتقط معه صورا للذكرى ولكي تكون سلاحا في يوم قد تُنعت بالفاحشة... لم تكن تعرف أن محمدا كان يقضي أوقاتا معها كأي رجل يتحايل على أي فتاة يشتهيها يخبرها بأزماته الزوجية وينسج لها حكايات وقصصا عن تذمره من زوجته، فليست ليلى الأولى التي قبلت بهذا الوضع... حكايات كثيرة ومتكررة لليلى والذئب في الوطن... منهن من تقبل على نفسها عشيقة، وأخرى تشرّع نكاحها بالفاتحة.... وأخرى تقول أقبل أن أكون زوجة ثانية أو حتى عاشرة ومسلسل للا منانة المشهور قد تحدث عن هكذا زواج.. لم يعد هناك أعذار لأمثال ليلى... فعالم الشبكة العنكبوتية أصبحت تنوّر حتى أجهل الجاهلين عن الحياة والعالم.... ليلى تقضم وجعها وتنظر مصدومة إلى صورها المفضوحة معه وإلى صورة كانت ترتدي فيها بذلة المحاماة فتذكرت حين قال لها "حبيبتي ... غاليتي... سأساعدك على الدراسة حتى تصبحين محامية مثلي"، وهي مصدقة كلامه أو تحاول أن تصدق. وفي أحلام اليقظة وجدت نفسها تترافع داخل المحكمة عن حقها الذي سُلب... عن حبّها المزعوم.... عن زواج فاتحة أم نزوة عابرة... عن محام أراد أن يقضي وقتا فتورّط... عن تعارف وفراق سريع.... عن نعتها بعاهرة.... عن آلاف من الفتيات والنساء يقبلن أن يكنّ زوجات ثانيات أو عشيقات.. المهم أن تكون الواحدة منهن تحت ظل رجل... عن فتيات الملاجئ حين يبلغن سن الرشد يُلزم عليهن الخروج من الملجأ إلى الشارع ليصادفن محمدا وأشباهه أو يصادفن تلك النساء التي تتاجرن بهن في المخدرات أو الدعارة... عن كل فتاة قضت ليلة حمراء مع رجل وأنجبت منه روحا بريئة... عن علاقات الزنا المشرعة بالفاتحة... عن رفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين.... وعن الخيانة الزوجية.... عن عائلة وافقت ببيع ابنتها من أجل المركز والمال وهم متأكدون أن حضور رجل بدون عائلته لخطبة ابنتهم مسألة فيها نظر. الكلّ نسي الجرح العميق الذي خلّفته عناصر هذه الحكاية. الضحية الحقيقية التي انبثقت وسط هذه المعمعة.... روحا أضيفت إلى هذا المجتمع. من هي: هل هي تلك المتشردة المتسولة في الشوارع..... أو تلك المحتالة السارقة للحقائب.. أو تلك المجرمة أو إحدى أفراد عصابة.... أو تلك التي تترك كل شيء وراءها وتقطع البحار بحثا عن أمان في أرض أخرى... أو تلك الانتحارية باسم الله والله أكبر... أو بائعة الهوى أو تلك الراقصة الليلية في البارات أو تلك التي تذهب للخدمة المنزلية في إحدى دول البترول وتُعامل ملك يمين لرب الأسرة وأبنائه... كم رضيعة كانت ضحية المجتمع والقانون، وكم من ليلى تملأ شوارع المغرب، وكم من ذئاب لا تزال تحوم ولا يعاقبها القانون.