لعل أخطر مخططات الاستيلاء والضم الإسرائيلية التي تتم بذرائع وحجج واهية تلك المتعلقة بمناطق إستراتيجية تحت بند "حماية الطبيعة"، في خطوة تبرز عمليات النهب والسلب كمًا ونوعًا، كإعلان وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت مؤخرا عن تحويل 7 مناطق إستراتيجية إلى "محميات طبيعة" تدير شؤونها دولة الاحتلال. مجرى نهر الأردنالجنوبي شرق الضفة الغربية الذي شمله إعلان بينيت يشكل إحدى المناطق الحيوية للاستيطان، التي تحتوي على معالم ودلالات سياحية عميقة، إضافة إلى مكانته الدينية لدى المسيحيين من مختلف الطوائف في العالم. غير أن إعلان بينيت لم يأخذ بعين الاعتبار أن النهر يشهد توافد قوافل الحجاج المسيحيين القادمين من شتى بقاع العالم احتفالا بعيد "الغطاس"، في حين تشدد قوات الاحتلال من إجراءاتها في محيط مجرى النهر، وتحوله من مكان مقدس للمسيحيين إلى "ثكنة عسكرية" وسط مراسيم الاغتسال بمياه النهر والتنزه على ضفتيه. ووفق خبراء فإن هذا الإعلان سيصعد من الحظر المفروض على دخول "مجرى النهر" في أوقات معينة، كما أن إيعاز مهمة إدارة المحميات إلى موظفي سلطة ما تسمى "الطبيعة" سيحولهم إلى أفراد شرطة يرصدون حركة الزوار عن كثب، ويحدون من حرية ممارسة الطقوس والتنزه بذريعة "حماية الطبيعة". منذ عام 1967 ونهر الأردنالجنوبي يواجه فرض السيادة الإسرائيلية، لاسيما أنه لا يشهد سياحة فعلية منذ ذلك الوقت إلا خلال فترتي "الغطاس" من كل عام، وفقا للتقويمين الغربي والشرقي، كمقصد ديني فقط. بالنسبة للحاجة آمال عواد (63 عاما) من بلدة الزبابدة، جنوب جنين، كانت زيارتها إلى النهر هذا العام محفوفة بالصعوبات، إذ حرمها الاحتلال من الحج إليه برفقة عائلتها التي انتظرت ساعات لعبور النهر، ما اضطرها إلى سلوك أكثر من كيلومترين مشيا على الأقدام في طريق وعرة بدون العائلة التي بقيت محتجزة، إضافة إلى عدم تمكنها من وصول مجرى النهر لازدحامه بالزوار من دول العالم في ساحة لا تتجاوز بضعة دونمات. للوهلة الأولى، يعتقد الزائر أن تواجد السياح والمواطنين على ضفة النهر الشرقية قد لا يمنعهم من التنزه بأريحية أثناء عيد "الغطاس"، حيث أكثر من 3 حواجز عسكرية تفصل بين النهر ومدينة أريحا، إضافة إلى تواجد شرطة الاحتلال الإسرائيلي "المدججة بالسلاح" على طول الطريق. حجاج المغطس كل عام يدركون مدى صعوبة الاغتسال بمياه النهر لما يشكله من منطقة حدودية مغلقة مع الأردن، وحصره في بقعة صغيرة لا تتجاوز مائتي متر من النهر الذي يبلغ طوله 350 كيلومترا، رغم ما يحمله في طياته من بركة. القائد العام لمجموعة كشافة ومرشدات القديس جوارجيوس للروم الأرثوذكس فراس عواد، الذي تسببت شرطة الاحتلال في إعاقة وصوله والكشافة للاحتفال باستقبال البطريرك ثيوفيلوس في النهر، بعد أن جاؤوا إحياءً لذكرى عماد المسيح، أكد أن انتشار الحواجز في المنطقة وعلى الطرق الوعرة قرب نهر الأردن، باعتبار المنطقة محمية إسرائيلية، ليس وليد اللحظة، إذ زرعت المنطقة بالألغام منذ ستينيات القرن الماضي، وتابع: "نأتي إلى هذا المكان المقدس في كل الأوقات من جميع أطياف الشعب الفلسطيني، من منطلق إيماننا بأن السيد المسيح عمد في هذه الأرض الفلسطينية، ولن يمنع الاحتلال وصولنا إلى المكان مهما كلف الثمن". وأشار الناشط الحقوقي في محافظة أريحا والأغوار عادل أبو نعمة إلى أن هذا الإعلان يأتي في سياق استغلال المناطق الحيوية التي تشكل مخزونا إستراتيجيا للاستيطان، وبالتحديد في الأغوار، بغية تحقيق منفعة سياحية للمنطقة بالدرجة الأولى وأيضا اقتصادية، وأضاف: "جاء إعلان بينيت في وقت تتعرض منطقة الأغوار لأساليب قمعية لمنع أبناء شعبنا من وصول المناطق الإستراتيجية التي هي أراضٍ فلسطينية بامتياز"، محذرا من أن ذلك يأتي في سياق التمهيد لعملية ضم الأغوار. وأكد المتحدث ذاته أن معظم المضايقات التي تجري في ساحة مجرى نهر الأردن وباقي المحميات في الأغوار هي عمليات استيلاء وقرصنة مباشرة من قبل سلطات الاحتلال، تصب في مصلحة المستوطنات القريبة؛ كما يأتي ذلك في وقت يعاني فلاحو الأغوار من شح المياه في مناطق زراعية تشكل انتعاشا اقتصاديا على مدار العام. وكانت لجنة التراث العالمي عام 2015، التابعة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلم (يونسكو)، أدرجت هذا الموقع من النهر على قائمتها. *وفا