من حقّ مدينة شفشاون، التي تتّسع بحمولتها التاريخية والحضارية على العالم، أن تعيش زمن التحوّلات.. من حقّ أبناء المدينة الراشدية أن يستقلّوا قطار التّنمية الثّقافية، لإبراز مواهبهم وطاقاتهم وتجسيد تطلّعاتهم.. حتى يتجاوزوا خطابات الانتظار والشّعارات وموديلات الكلام.. في هذا الاستطلاع، تُسلط العديد من الفعاليات الفنية والجمعوية من مدينة شفشاون الأنظار على ضرورة إحداث مركب ثقافي ومسرحي، يليق بأمجاد هذه المدينة التي يتطلّع الجميع إلى أن تعرف استشرافاً نوعيّاً وأثراً باقياً، يضاعف من قيمتها الأدبية والفنيّة ويعكس خصوصيتها وحضورها الإنسانيّ. اعتبرت الفاعلة الجمعوية حميدة جامع أن الشاون ستظل حلبى بطاقات إبداعية تحتاج إلى الرعاية.. وستبقى تتوفّر على جمهور يعشق الجمال ويتذوق التفرّد، وبالتّالي فمن حق المدينة أن تحظى اليوم بمركب ثقافي يليق بها. وزادت جامع بالقول: "عندما نطالب بضرورة بناء مركب ثقافي يتوفر على قاعة للعروض المسرحية، وأخرى للعروض السينمائية والفنيّة.. إضافة إلى جناح لعرض اللّوحات التشكيلية ومكتبة متعددة الوسائط وجناح خاص بالأطفال بتقنيات وتجهيزات وإمكانات متميزة، فإننا في الحقيقة نطالب بالتنزيل الفعلي لدستور سنة 2011، الذي نصّ على الحقوق الثقافية كبعد أساسي من أبعاد حقوق الإنسان في شموليتها، وأكّد على ضرورة اتخاذ التدابير الملائمة لولوج الشباب إلى الثقافة والفنّ والأنشطة الترفيهية وتوفير الظروف الملائمة لإبراز الطاقات الإبداعية، خصوصا أن المسألة الثقافية ترتبط بشكل وثيق بالتّنمية المُستدامة. وبدوره، تساءل الممثل والكاتب المغربي أنس العاقل عن افتقاد مدينة شفشاون العريقة بتاريخها المسرحي والفني للمسرح، بالرغم من أنها عرفت حركة مسرحية أثْرت المسرح المغربي، بدءا من جمعية العمل المسرحي التي بصمت الحركة المسرحية بشمال المغرب ومروراً بمسرح أبينوم، ثم فرقة أرض الشاون ومسرح المدينة الصغيرة، بل عرفت الحركة المسرحية أوج تألقها على المستويين الوطني والعربي سنة 2004 بتتويج فرقة مسرح أبينوم بالجائزة الكبرى وجائزة الإخراج. وأضاف المتحدث نفسه: "لقد كنا ننتظر أن يكافأ شباب المدينة ومسرحيوها ببناية مسرحية تليق بما يقدّمونه من مجهودات وتضحيات وتوفير ظروف فرجويّة لائقة بجمهور يملك ذائقة فنية رفيعة ويقبل بنهم على الفرجة المسرحية. وبالتّالي، فغياب مركب ثقافي للمسرح في شفشاون يحرم ذات الجمهور من حقه في متابعة العروض المسرحية الوطنية. فمدنيّة المدينة لن تكتمل إلا بوجود مسرح بها، خاصّة أن مدينة شفشاون عرفت على مرّ تاريخها حركة مسرحية متوهّجة". ومن جانبه، استحضر الفنّان التشكيلي والمسرحي عبد المجيد أزراف معاناة مدينة شفشاون منذ عقود من غياب سياسة ثقافية، واعتبر أن إدماج الثقافة في السّياسات العمومية يعدّ ضرورة ملحّة من أجل خلق شروط التّنمية المُستدامة، مؤكداً أن المدينة الآن تعرف حركيّة ثقافية وفنية كبيرة باحتضانها لمهرجانات لها تاريخ عريق، كمهرجان الشّعر المغربي الحديث وملتقى الأندلسيّات ومهرجانات أخرى.. كما تشهد حركيّة مسرحية مشهود لها على المستوى الوطني.. بالإضافة إلى إنجابها للعديد من الأسماء الثقافية والفنية. بالرّغم من كل هذا - يستطرد أزراف -، فإن المدينة تعاني من قلة البنيات الثقافية إن لم نقل انعدامها وتبقى محرومة من قاعة مسرح تعزّز من مستواها الثقافي والحضاري، خاصّة إذا علمنا أن الثقافة تعتبر دعامة أساسية للتنمية المستدامة بعد الدعامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والاهتمام بها ينطلق من توفير البنيات الثقافية بالمدينة بإحداث مركز ثقافي متعدد الاختصاصات. وأكّد الإعلامي والفاعل الجمعوي عبد الحي مفتاح أن شفشاون لها تاريخ ثقافي حافل منذ الاستقلال وقبله، وقد كانت هذه المدينة وما زالت أرضاً للشّعر والمسرح والموسيقى والفنّ والمهرجانات، إذ كانت العروض المسرحية والموسيقية والسينمائية في الماضي تقدّم بقاعة دار الشباب وأيضاً بقاعة الكنيسة التي خلّفها الإسبان، على الرغم من أن القاعتين لا تتوفّران على الشروط التقنية والمواصفات اللازمة لاستقبال العروض الهاوية فما بالك بالاحترافية. وذكر عبد الحي مفتاح أن لا أحد ينكر أن المدينة تحقّقت بها منجزات على مستوى بعض البنيات الثقافية كمركب محمد السادس التابع للمجلس البلدي والمركز الثقافي بالمدينة القديمة ومسرح الهواء الطلق.. إلا أن المطلب الملحّ الذي عبّرت عنه مختلف الفعاليات الثقافية منذ عقود، وخاصة المسرحية والموسيقية منها، هو بناء مركّب كبير للعروض مجهّزاً تجهيزاً حديثاً على غرار ما تمّ في مدن كثيرة لا تزيد عن شفشاون في زخمها الثقافي؛ فإنجاز هذا المركب بشفشاون أصبح ضرورة بفعل الصّيت الذي تعرفه المدينة ثقافياً وسياحياً، حيث سيشكّل قيمة مضافة وحافزاً لاستقطاب فرق مسرحيّة وموسيقيّة وطنية ودوليّة، كما سيشجّع على خلق دينامية للتّبادل الفنّي والرّواج الثقافي ويساهم في تحفيز الطّاقات المحليّة على الاجتهاد والإبداع. وأبرز الممثل والمخرج المسرحي محمد بوغلاد أنه بات، في ظل الوهج المسرحي والفنّي الذي تعرفه مدينة شفشاون منذ سنوات طويلة، من الضّروري أن تتوفّر المدينة على فضاء مسرحي. وأوضح بوغلاد، في سياق حديثه، أن "الجميع يعرف السمعة المسرحية الكبيرة لشفشاون على المستويين الوطني والدولي، إن بالفرق التي تتألّق موسماً بعد آخر وإن بالفنّانين الذين يرسّخون حضورهم القويّ في كل المغرب والوطن العربي. لقد ربّت المدينة جمهوراً عاشقاً وفاعلا ومتفاعلا مع الفن المسرحي، ولو في فضاءات لا تصلح لتقديم المسرح". وتساءل الممثل والمخرج المسرحي ذاته: "لكن الآن وفي الآتي من الأيام، أين سيشاهد هذا الجمهور المسرحيات؟ وكيف ستتفاعل المدينة في كل موسم ثقافي جديد مع العروض المسرحية وتجلياتها؟".