انْتهى مؤتمر "برلين" حول ليبيا كما بدأ، وعادَ المؤتمرون إلى من حيثُ قدموا دون أن يخرجوا بموقفٍ "واضحٍ" يُنهي تمدّد الأزمة وتداعياتها الخطرة على المنطقة، فلا البيان الختامي أتى بحلٍّ نهائي للمُشكل، ولا الوفود المشاركة قدّمت صياغةً جديدة للاتّفاق، بينما تظلُّ مقاطعة تونس وعدمُ اسْتدعاء المغرب الحاضن الأوّل لمشكل الليبيين، أبرز ما أفْرزه الملتقى. لم يحضر المغرب راعي "مفاوضات الصخيرات" أشغال المؤتمر بسبب ما اعتبره إقصاء غير مفهوم، وبسببِ المعايير والدوافع التي أملت اختيار البلدان المشاركة في هذا الاجتماع، لكنّه تشبّت بانخراطهِ إلى جانب الليبيين والبلدان المعنية والمهتمة بصدق، "من أجلِ المساهمة في إيجادِ حل للأزمة المستفحلة". ولعلَّ أبرز المواقف التي عقبت مؤتمر برلين، دعوةُ الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المغربَ للدخول مجددا كطرف أساسي لحل أزمة البلد المغاربي، كما أوردَ عبد الهادي الحويج، وزير الخارجية والتعاون الدولي في حكومة حفتر، أنّ "الأزمة في ليبيا لا يمكن حلها دون إشراك المملكة المغربية ودول المنطقة"، معبرا عن أسفه لعدم دعوة الأممالمتحدةالرباط لحضور أشغال مؤتمر برلين. وظلّت الرّباط متمسكة بموقفها حُيال الأزمة الليبية؛ بحيث ترفضُ التواجد العسكري الأجنبي في هذا البلد المغاربي، وتحث دائما على "ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة والتّشبث بمخرجات مفاوضات الصخيرات، التي يبدو أنّها لم تعد في قائمة تصورات الغرب والدّول الفاعلة في الأزمة الممكنة لإيجاد حل يكسبُ توافق الأطراف المتنازعة". ولفت المحلل السياسي نوفل البعمري الانتباه إلى أنّ "ما حدث في الشرق الأوسط من هيمنة مباشرة وتدخل أجنبي يتم استنساخه في ليبيا؛ البوابة الرّئيسية لدول شمال إفريقيا، حيث يتم العمل على تقويض السيادة الوطنية لصالح التدخل الأجنبي وشرعنة هذا التدخل". وقال الخبير في العلاقات الدولية: "هناك توجّه دولي لإعادة تقسيمِ ليبيا وتقسيم خيراتها، ليوافق هوى اللاعبين الذين دخلوا على خط الأزمة وساهموا في كبح أي اتجاه ليبي-ليبي للتوافق وبناء الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، خاصة منها تلك التي كانت ستعمل على ضمان مرحلة انتقالية سلسلة تحقق الأمن والسلام". وعاد المحلل المغربي إلى مصوغات اتفاق الصخيرات الذي دفع في اتجاه تقريب وجهات نظر مختلف المتصارعين بليبيا، وقدمه كسبب لفهم عدم استدعاء المغرب إلى لقاء برلين، الذي نزلت فيه ألمانيا وروسيا، ثم تركيا التي سبق لها أن هددت بإرسال قواتها ضدا على مخرجات اتفاق الصخيرات، بكل ثقلها. ورفض المحلّل ذاته ربطَ عدم استدعاء المغرب بموقفه الحيادي من الأزمة، "لأن حياد المغرب لم يكن سلبيا، بل كان حيادا إيجابيا ومؤثرا في الصراع بدليل قدرته على جمع مختلف الأطراف المتنازعة حول السلطة"، مؤكدا أن "استبعاد المغرب هو إقصاء أو محاولة لتجاوز اتفاق الصخيرات ومخرجاته". وأضاف الخبير نفسه أنّ "استبعاد المغرب يجعل أولا من هذا المؤتمر مؤتمرا منحازا يعكس وجهة نظر سياسية محددة ووحيدة، ولا يعكس وجهات نظر مختلف أطراف الصراع. بالتالي، فكيفما كانت نتائج المؤتمر، فهي لن تكون محط إجماع لا دولي ولا داخلي". ويعتقد البعمري أنّ "مؤتمر برلين لا يمكن أن يكون بديلا عن اتفاق الصخيرات الذي يعد هو الأساس السياسي الذي شكل وسيشكل المخرج للوضع المعقد بليبيا"، مبرزاً أنّ "الحكم حول تعاطي المغرب مع الملف الليبي يجب أن يستحضر كلّ هذه المعطيات وتموقع المغرب داخلها، خاصة من حيث المواقف المعبر عنها من الأزمة ككل".