تنامت حرب الشائعات ونشر الأخبار الكاذبة في الشبكات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، بفضل تطور الميكانيزمات الرقمية والمعلوماتية التي تتيح اختلاق الفيديوهات والمقابلات من مشاهد غير حقيقية على الإطلاق، بل هي من وحي خيال الذكاء الاصطناعي. وتسلط ورقة بحثية منشورة في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، معنونة ب"التهديد المتصاعد ل"الخداع العميق" عبر نظام الذكاء الاصطناعي"، الضوء على هذه الظاهرة المثيرة للجدل التي "غزت" وسائط التواصل الاجتماعي في جلّ بلدان العالم. ويقول إيهاب خليفة، كاتب المقالة، إن "هذه الفيديوهات المفبركة التي تراها عبر مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي هي إما لأشخاص غير موجودين أساسًا؛ بل عبارة عن صور مُخلّقة عبر نظم ذكاء اصطناعي، أو لأشخاص حقيقيين لكن لم يتعرضوا لمثل هذه المواقف التي تراها من قبل". ويضيف الباحث ذاته أن "نظم الذكاء الاصطناعي استطاعت أن تحاكي خصائص هؤلاء الأفراد والمشاهير بدقة كبيرة جدًّا إلى درجة يصعب اكتشافها، حتى استطاعت أن تخدعك وتجعلك تصدق ذلك الفيديو الذي يُدلي فيه "مارك زوكربرج" -على سبيل المثال- بتصريحات تسيء إلى "فيسبوك"، أو الفيديو الذي يظهر فيه الممثل الأمريكي الشهير "ويل سميث" على جسد مغنية الراب "كاردي بي". وعن معنى "الخداع العميق" (Deepfake)، يوضح الباحث خليفة أنه مجموع "التكنولوجيا التي تستخدم منهجية التعلم العميق Deep learning، التي تُعتبر أحد مكونات الذكاء الاصطناعي، بهدف عمل محاكاة غير حقيقية لموقف أو شخص تبدو وكأنها حقيقية ولكنها ليست كذلك على الإطلاق". وتابع مسترسلا: "وللتوضيح أكثر، يمكن القول إنه إذا أراد أحد محترفي برنامج الفوتوشوب -على سبيل المثال- فبركة إحدى الصور عبر وضع وجه شخص مكان وجه آخر؛ فإنه يقوم بذلك عبر تغيير كل ملمح أو إطار Frame من هذه الصورة يدويًّا، حتى يصل إلى الشكل النهائي المطلوب، وهو ما يمكن للذكاء الاصطناعي أنه يقوم به بدقة أكثر وعلى نطاق أوسع". "ولا يقتصر الأمر فقط على الصور، بل يشمل أيضًا الفيديوهات والأصوات، من خلال قدرة نظم الذكاء الاصطناعي على التعلم عبر تغذيتها بعدد كبير جدًّا من الصور ومقاطع الفيديو والأصوات، ثم من خلال الخلايا العصبية الشبكية تقوم هذه النظم عبر خوارزميات ذكية، بفبركة وجوه وأشخاص وأصوات غير حقيقية، أو عمل محاكاة لهم تبدو وكأنها واقعية، لكنها غير حقيقية على الإطلاق"، تورد المقالة. وأشار المصدر عينه إلى أن عام 2019 شهد "انتشارًا واسعًا لهذه النوعية من الفيديوهات المفبركة، وبصورة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان لقادة سياسيين أو فنانين وممثلين أو مديري شركات، يدلون بتصريحات غريبة أو يقومون بتصرفات غير منطقية، أو يتعرضون لمواقف غريبة. وقد يتسبب ذلك إما في إثارة الرأي العام وانتشار سريع لحالات الاعتداء، أو اهتزاز الثقة في أسهم إحدى الشركات في البورصة، أو غيرها من الأضرار المادية والمعنوية". وبخصوص التهديدات التي تسببها هذه التكنولوجيا، أورد صاحب المقالة أنها "تؤدي إلى فقدان الثقة في كل شيء؛ فلا يمكن تصديق ما تراه عيناك أو تسمعه أذناك بعد الآن، سواء كان ذلك حقيقيًّا أم لا، فأنت في حالة شك دائمة، وحالة عدم يقين مطلق". ومن بين أشكال التهديدات الأمنية التي تطرحها تكنولوجيا الخداع العميق، يذكر الكتاب "فبركة تصريحات مسيئة لسياسيين، قد تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف أو تظاهرات أو حتى توتر العلاقات مع دول أخرى، وخلق مشاهد كاذبة لأحداث عنف أو اعتداء، كمشاهد اعتداء الشرطة على المواطنين، وهو ما قد يستفز مشاعر الجماهير، ويجعلها تخرج في تظاهرات حقيقية ضد أجهزة الدولة". كما يسوق المثال ب"التأثير على الانتخابات والعملية الديمقراطية من خلال فبركة تصريحات سياسية لمرشحي أحد الأحزاب أو قادة الحزب لا تتلاءم مع توجهات الناخبين، مما قد يدفعه إلى خسارة هذه الانتخابات، فضلا عن فبركة مشاهد كاذبة بهدف الإساءة أو الابتزاز، كوضع صورة شخص في وضع مخل بالقواعد المتعارف عليها، أو وضعه في مكان لا يجب التواجد فيه بهدف الابتزاز أو الحصول على المال أو التشهير". ويلفت إلى أن سنة 2020 هي عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ وهو ما سيجعل، بحسبه، "البنتاغون يعمل من خلال وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع (DARPA)، مع العديد من أكبر المؤسسات البحثية لمنع استخدام هذه التكنولوجيا في الانتخابات الأمريكية، واكتشاف الفيديوهات والصور ومقاطع الفيديو المزورة قبل انتشارها حتى لا تؤثر على توجهات الناخبين".