بعد انتكاسة التمثيلية بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان الحاجة ملحة إلى أنماط وآليات عمل حقوقية أكثر فعالية يجمع المعنيون بمجال الإعاقة ببلدنا على أن الوضيعة الحالية للأشخاص في وضعية إعاقة، لا يمكن وصفها إلا بأنها مازالت بعيدة كل البعد عن تفعيل المنطوق الصريح للدستور بإدماج بعد حقوق الإنسان للأشخاص في وضعية إعاقة بشكل أفقي في مختلف السياسات المنفذة من طرف الدولة وعلى كافة المستويات، فضلا عن القيام بما يناسب من الإجراءات والتدابير لمكافحة كل أشكال التمييز المادي والمعنوي المبني على أساس الإعاقة وعدم عزل أوضاع الإعاقة وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في تشريعات في حاجة إلى نصوص تفعيل أخرى تظل حبيسة دواليب آليات التشريع ببلدنا، والحرص على إدماج مبدأي عدم التمييز على أساس الإعاقة وتكافؤ الفرص في جميع النصوص التشريعية والتنظيمية، وخاصة في أفق المراجعة المقبلة لعدد من نصوص القوانين التي تتعلق بالمؤسسات الوطنية للحكامة تفاديا لانتكاسات شبيهة لما حصل في تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والآلية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والتي تميزت بالإقصاء الكلي للأشخاص ذوي الإعاقة والتراجع عن المكتسبات المحققة في هذا المجال، ما اعتبر انتهاكا صارخا للمادتين 29 و33 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي تنص على ضمان المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة وإنشاء آلية رصد مستقلة وفق معايير باريس الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. كما أننا مازلنا بعيدين عن اعتماد فعلي لما نص الدستور عليه من صلاحيات برلمانية في متابعة وتوجيه العمل الحكومي وكذلك في اقتراح قوانين تهم كل المجالات ومتابعة العمل الحكومي بخصوص النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، إضافة إلى ملاحظة إيفاء بلدنا بالتزاماتها في خضم انخراطها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، حيث كان المغرب من ضمن أوائل البلدان التي وقعت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وذلك بتاريخ 30 مارس 2007، معبرا بذلك عن التزامه بالنهوض بحقوق الأشخاص المعاقين وحمايتها. تلت ذلك بعد سنة من توقيعه مصادقة المملكة على الاتفاقية في 8 أبريل 2009، في أعقاب قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالمصادقة على الاتفاقية في الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 2008 بمناسبة الذكرى ال60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ليأتي بعدها دستور 2011 الذي التزم فيه المغرب بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بإقرار سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، إلى جانب إرساء دعائم وآليات ومؤسسات تتولى مهمة النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. ورغم كل هذا الزخم فإن الأوضاع على أرض الواقع وفي الحياة اليومية للأشخاص في وضعية إعاقة ببلدنا مازالت بينها وبين ردّ الاعتبار لأكثر من مليون ونصف معاق مغربي، يعانون من التهميش والإقصاء بون شاسع، فرغم غياب تقييمات موضوعية مختصة للوضعية، فإن القريبين من الشأن العام المتصل بالإعاقة لا يرون أي تزحزح عما سبق وأشار إليه التقرير الذي أصدره المجلس الاجتماعي الاقتصادي والبيئي شتنبر 2012 أن أزيد من 55 بالمائة من الأشخاص في وضعية إعاقة الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة لم يلجوا سوق الشغل ودعا وأكد البحث الوطني الثاني الذي أنجزته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية أن معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة من خفيفة إلى عميقة جدا، هو 4 مرات أعلى من المعدل الوطني للبطالة %10,6 المسجل خلال فترة إنجاز البحث الوطني (أبريل- يونيو 2014)، في حين تبلغ نسبة البطالة 67,75 % في صفوف الأشخاص في وضعية إعاقة، من متوسطة إلى عميقة جدا، وهو 6 مرات أعلى من المعدل الوطني للبطالة المسجل في الفترة نفسها. ما يدعو إلى ضرورة تعزيز الولوج إلى البرامج العمومية للتكوين المهني والدراسات العليا، عن طريق إعادة تهيئة الأقسام التحضيرية، وملاءمة البرامج البيداغوجية لفائدة مختلف أنواع الإعاقة، مع توفير المنح الدراسية، أما في ما يتعلق بالتغطية الصحية فقد ورد في البحث الوطني السالف الذكر أن60,8% من الأشخاص في وضعية إعاقة لا يستفيدون من الخدمات العمومية في المجال الصحي، وأن فقط 34.1% هو معدل استفادة الأشخاص في وضعية إعاقة من أنظمة الحماية الاجتماعية. وكان المجلس الاجتماعي الاقتصادي والبيئي قد أوصى في تقرير له في شتنبر 2012 بتقديم مساعدات اجتماعية للعائلات المعوزة التي لديها طفل أو أكثر في وضعية إعاقة، تخصص لتغطية المصاريف الإضافية المرتبطة بإعاقة الطفل، وكذا تحويل مساعدات للمعاقين البالغين الذين تحول إعاقتهم دون الحصول على شغل، لتوفير الحد الأدنى من الدخل وضمان عيش كريم مع التركيز على المسنين منهم، وفي ختام التقرير قدم المجلس عدة توصيات قصد إصلاح ما يمكن إصلاحه من أهمها إنجاز قاعدة بيانات وطنية خاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة، وإدماج هذه المسالة في الأبحاث والدراسات المنجزة من قبل مختلف المؤسسات الوطنية والجهوية والمحلية ومعاهد البحث العلمي والأكاديمي، تعيين داخل إدارات الوزارات أجهزة مكلفة بتنفيذ البرامج والسياسات المرتبطة بالإعاقة بدرجة تراتبية عالية، إحداث هيآت مكلفة بتطبيق السياسات الوطنية المتعلقة بالإعاقة على المستوى الجهوي والمحلي، إحداث مندوبية وزارية تابعة لرئيس الحكومة مكلفة بتنسيق ورصد وتقييم السياسات العمومية الخاصة بالإعاقة، إحداث هيأة وطنية مستقلة من كل الفاعلين في هذا المجال مكلفة بتتبع السياسات العمومية الخاصة بالإعاقة وتوجيهها، بالتركيز على المؤشرات الدقيقة التي تمكن من تحقيق الأهداف المنشودة، تضمين الولوجيات في القوانين الخاصة بالتعمير والنقل والتواصل وبث برامج بلغة الإشارات وعلى طريقة ” بريل” وبلغة مبسطة في وسائل الإعلام العمومية وذلك بتخصيص حصص كوطا في هاته الوسائل. أما في ما يخص الإعاقة والنوع فإنه وعلى الرغم مما عرفته بلادنا من تحولات في مجال حقوق المرأة على غرار العديد من الدول في العالم، خلال العقدين الأخيرين، إلا أن هذه التحولات وأثارها لم يلامس بعد واقع المرأة في وضعية إعاقة و أوضاع، والتي لا تظل تراوح مكانها فيما تعيشه من وضعية مزرية أمام العديد من المعيقات على المستوى القانوني والسوسيو اقتصادي، والتي تقف أمام تمتع النساء في وضعية إعاقة بكافة حقوقهن، إذ أن إضافة حالة إعاقة إلى الانتماء حسب الجنس يفضي إلى وضع شديد الهشاشة بالنسبة إلى النساء المعاقات. إذ أن مجموعة العراقيل الثقافية الاجتماعية هذه تجعل النساء المعاقات يعشن على هامش المجتمع كما لو كن مختلفات عن باقي النساء وغير معنيات بطموحاتهن، حيث تسود فكرة كون المرأة في وضعية إعاقة لا تستجيب للضوابط والمرجعيات التي يعتمدها المجتمع في تعامله مع المرأة "غير المعاقة"، فلا زال بعد الإعاقة غير مدمج في برامج ومخططات المتدخلين وطنيا ومحليا خاصة بالنسبة للجمعيات النسائية بالمجتمع المدني مما ينعكس سلبا على مستوى مشاركة المرأة في وضعية إعاقة ووصولها إلى مختلف الحقوق والحريات الأساسية والتمتع بها، وذلك لأسباب عدة منها سيادة هذه المواقف المجتمعية السلبية عن الإعاقة وجود تمثلات سلبية عن المرأة في وضعية إعاقة. وبناء عليه واعتبارا لكون قضية الإعاقة ينبغي أن تطرح بصفتها مسألة حقوقية مثلما تطرح بوصفها مسألة مرتبطة بالتنمية الاجتماعية، ومن أجل المرور بوطننا من إقرار الحقوق للأشخاص ذوي الإعاقة إلى إعمالها في أسرع الآجال، فإن كافة القوى الفاعلة في المجتمع المدني مدعوة إلى تبني ما ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تدعو إلى الحسم مع ماض متخلف كان فيه المعاق في أحسن الحالات رقم تؤثث به الإحصائيات العامة ووسيلة لإبراز الفعل الخيري وأداة دعاية للنافذين. والنهوض بثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة، من خلال إذكاء الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمعات المحلية بحقوق الأشخاص وضعية إعاقة، والسير بجهود كافة الفاعلين الحكوميين نحو إقرار حقوق الأشخاص وضعية إعاقة، والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية، وإشراكهم في عملية صناعة القرارات، وجعل ذلك في صلب العمل الحكومي، من أجل دمج منظور الإعاقة في كافة السياسات الحكومية وإعمال سياسات وخطط إنماء دامجة تحترم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتجعل روح التنمية الدامجة وفلسفتها في صلب الجهد الوطني التنموي. كما على الحركة الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة بكافة الفاعلين فيها مراجعة نفسها وطرق اشتغالها والانكباب السريع على خلق آليات عمل حقوقية فعالة، قادرة على ممارسة يقظة اجتماعية في مجال الإعاقة والإشكاليات المرتبطة بها بصفة عامة، وخلق فضاءات للتفكير الدائم في أنماط محينة ناجعة في مناصرة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واعتماد أساليب عمل من شأنها حشد التأييد والتأثير على الرأي العام لدفع ذوي القرارات تطوير مبادئ تكافؤ الفرص وضمان المشاركة الفعلية والفعالة للأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف أوجه الحياة المجتمعية والدفع بوضع برامج ومخططات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جهوية ومحلية دامجة وتفعيل إطارات للعمل التشاركي مع كافة فعاليات المجتمع المدني. * ناشط حقوقي في مجال الإعاقة