غير بعيد عن مركز جماعة إكنيون (أقل من 10 كيلومترات)، وعلى بعد 50 كيلومترا من مدينة تنغير، توجد جبال "تزازرت" المطلة على بعض جماعات إقليم زاكورة كجماعتي أيت ولال والنقوب. وتعد هذه الجبال من بين المواقع السياحية الإيكولوجية التي يقصدها سياح أجانب بحثا عن الهدوء و"راحة البال". تعتبر هذه الجبال السياحية الشاهقة موقعا تاريخيا وإيكولوجيا فريدا من نوعه بالمملكة المغربية، بالإضافة إلى كونها مازالت شاهدة على عدة معارك دارت بين مجاهدي أيت عطا والمستعمر الفرنسي. كما أن هذه الجبال تؤرخ للإنسان القديم الذي عاش بها بأبسط الوسائل. رغم المؤهلات التي تزخر بها المنطقة، ورغم ما ورد عنها في التاريخ، ورغم ما يرسم في الدلائل السياحية، إلا أن الواقع يبقى بعيدا عن الصورة المرسومة، وذلك نتيجة هشاشة البنية التحتية الأساسية، مما يدفع الساكنة المحلية وبعض المنعشين السياحيين إلى مطالبة الدولة بضرورة التدخل من أجل رد الاعتبار لهذه المناطق الجبلية وجعلها قبلة سياحية بامتياز. إغراء السياح بجبال تزازرت الواقعة ضمن جبال صاغرو المطلة على إكنيون من جهة، وعلى النقوب من جهة أخرى، أنشأ أحد أبناء المنطقة مأوى سياحيا تقليديا، يتم فيه استقبال السياح الوافدين على المنطقة والعابرين من الطريق الجهوية 708، الرابطة بين زاكورة وتنغير، حيث يجدون هذا المأوى مناسبا للراحة لبعض الوقت والاستمتاع بالطبيعة الجبلية والهواء النقي. رغم الإمكانيات البسيطة المعتمدة من طرف إبراهيم الكيال، صاحب المأوى، فإن السياح والوافدين على منطقة تزازرت يقومون بزيارة المأوى لشرب الشاي أو تناول وجبة الغذاء أو الفطور أو العشاء تحت الطلب. ويبحث الكيال عن كيفية تطوير منتوجه السياحي "قصد جعل السياح يتمتعون بالطبيعة ويرغبون في المبيت وسط جبال تزازرت"، وفق تعبيره. وعن المأوى السياحي "تيزي" الذي يسيره رفقة أسرته، قال إبراهيم الكيال: "أنا هنا منذ عقود من الزمن أقدم خدمات بسيطة للسياح من قبل أن تقوم الدولة ببناء هذه الطريق المارة بجانب المأوى"، لافتا إلى أن "هذا المشروع السياحي البسيط هو مصدر رزقي ورزق عائلتي"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته في تصريح لهسبريس: "قمت بتشييد مأوى تيزي في موقع استراتيجي هام، بين قطبين سياحيين لهما نكهتهما وطابعهما المميز"، في إشارة إلى زاكورة وتنغير، موردا أن "المأوى متميز بطابعه الجبلي وطيبة الساكنة المحلية"، معتبرا أن "هذه المؤهلات قلما تكون مجتمعة في مكان واحد". من جهته، قال أحد السياح الفرنسيين الذين صادفتهم هسبريس بالمكان إن "هذه المناظر الطبيعية الخلابة التي تتوفر عليها جبال تزازرت هي من بين المؤهلات التي تغري السياح بالقدوم إلى هنا"، مضيفا أن "المنطقة تحظى بمؤهلات سياحية ومجالية هامة أهلتها لأن تكون وجهة سياحية مفضلة لا يمكن إغفالها من لدن السياح الأجانب"، وفق تعبيره. وتابع السائح الفرنسي قائلا إن "السياحة بمنطقة صاغرو، وتزازرت على الخصوص، تتميز بالدوام والاستمرارية، فالجبل يلبس لكل فصل ثوبه وألوانه"، لافتا إلى أن "المجال السياحي بهذه المنطقة ينبض بالحياة والحركية طيلة شهور السنة، نظرا لتمتعه بجو معتدل عموما وتفرده بمجالات طبيعية مندمجة"، على حد قوله. مناظر طبيعية استطاعت السياحة بهذه المنطقة، رغم ضعف المنتوج، أن تخلق تعايشا بين الانبساط والهضاب والجبال والوديان، الأمر الذي ينسج ألفة بين السائح وهذه المجالات، حيث يستطيع الأخير أن ينتقل فيما بينها ويكتشف جمالية المكان بكل سلاسة. ورغم الإكراهات، ما زالت منطقة تزازرت وصاغرو إلى اليوم تحتفظ بثرواتها الطبيعية التي تؤهلها لأن تكون مركزا سياحيا يغري العديد من الزوار، كما أنها "تشكل إحدى الوصفات الطبية التي ينصح بها بعض الأطباء المختصين في أمراض الجهاز التنفسي مرضاهم الذين يعانون من الأمراض الصدرية المزمنة"، يقول داود أسانف، من ساكنة المنطقة. وأضاف في تصريح لهسبريس أن "المنطقة تستقطب العديد من الزوار يوميا وطوال السنة، سواء من أجل اكتشاف المواقع الأثرية أو دراستها من طرف علماء وأساتذة باحثين وطلبة جامعيين، أو للاستجمام والراحة من طرف مختلف شرائح المجتمع المغربي والأجانب". إن الزائر إلى هذه المناطق "يكتشف المغرب الجميل بمناظره الطبيعية الغنية والمتنوعة"، يورد المتحدث ذاته، لافتا إلى أن "هذه المناظر تأسر المشاعر وتسلب العقول"، معتبرا أن من رأى ليس كمن سمع أو قرأ، داعيا "المواطنين المغاربة والأجانب إلى القيام بجولات سياحية بهذه المناطقة الجبلية القروية لاكتشاف كنوز المغرب ومعرفة قيم المغاربة الأصيلة المتمثلة في عزة النفس وكرامتها، ونبل الأخلاق وسموها"، وفق تعبيره. من جهته، قال سائح إسباني وهو يتحدث عن المأوى السياحي سالف الذكر: "رغم بنائه بأدوات بسيطة، فإن الساكنة المحلية والقائمين على شؤون هذا المأوى يمتلكون قلوبا كبيرة قادرة على إيواء السياح داخل منازلهم وفي أمان"، مشيرا إلى أن "ساكنة هذه المناطق معروفة بالتكافل والتضامن والمعاملة الحسنة التي تأسر الضيف والغريب"، داعيا في الوقت نفسه المنظمات الدولية المهتمة بالتنمية إلى زيارة هاته المناطق لإنجاز مشاريع تنموية لفائدة ساكنتها. وأضاف السائح الإسباني أن "هذه الساكنة تستحق منا زيارتها من حين إلى آخر، والقيام بجولات سياحية جماعية أو فردية، والتضامن معها بتنظيم حملات طبية وثقافية وتنموية تخفف عنها وطأة العزلة وتفتح جسر التواصل مع باقي ربوع المغرب والدول الأوروبية"، بتعبيره. التنمية المستدامة تتوفر منطقة تزازرت الواقعة بالنفوذ الترابي لجماعة إكنيون على الإمكانيات الضرورية للإقلاع بمختلف أنشطة السياحة الجبلية، خاصة أنها تعد قبلة لمهنيي القطاع ومنظمي الرحلات السياحية للأجانب والمحليين الراغبين في الاستماع بفضاءات ذات حمولة ثقافية وتاريخية أصيلة وموروث إيكولوجي متميز. وتعد السياحة الجبلية، حسب المنعشين السياحين والمهتمين بالقطاع، رافعة للتنمية المستدامة وآلية للمحافظة على البيئة، مبرزين أن "هذا النمط السياحي يلعب دورا أساسيا في التنمية السوسيو-اقتصادية، وذلك من خلال توفيرها لفرص الشغل وإنعاش الاستثمارات المرتبطة بهذا القطاع"، داعين في الوقت ذاته وزارة السياحة إلى "وضع استراتيجية لتطوير هذا النمط السياحي من خلال إحداث فضاءات جديدة وتأهيل وتدعيم فضاءات أخرى تهدف إلى تقديم منتوج سياحي قروي متكامل". حسن أيت بنعيسى، من المهتمين بالقطاع السياحي بإكنيون، أكد في تصريح لهسبريس أهمية "إقران البعد البيئي بالنشاط الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وتوجيه هذه التنمية إلى المناطق الجبلية التي ما تزال في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتأهيلها، لكون هذه المقاربة تندرج ضمن التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى بلورة استراتيجية متجددة تستهدف تحسين ظروف عيش ساكنة المناطق الجبلية"، وفق تعبيره. ودعا المتحدث نفسه "كافة الفاعلين والمنعشين العاملين في القطاع السياحي إلى ضرورة الانخراط الفعلي في مشروع تأهيل قطاع السياحة الجبلية بهذه المنطقة، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من القطب السياحي الذي تمثله تنغير بصفة عامة". ومن أجل نيل تعليقات مسؤولين بالمندوبية الإقليمية لوزارة السياحة، ربطت هسبريس الاتصال ببعضهم، منهم المندوب الإقليمي، إلا أن هواتفهم ظلت ترن دون مجيب.