اللعبة الدستورية على أعضاء الحكومة التي عينها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 3 يناير 2012، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور، والتي صدر ظهير تعيينها بالجريدة الرسمية، ألا يتسلموا سلطهم، وألا ينعقد أي مجلس للحكومة المعينة. ليس بإمكان الحكومة القيام بأي عمل يدخل ضمن صلاحياتها الدستورية، بل عليها أن تبقى مكتوفة الأيدي، محرم عليها أن تقوم بأي حركة ولو كانت مجرد حركة تسخينية شبيهة بالحركات التسخينية المستحبة أو المفروضة في أنواع كثيرة من الألعاب الرياضية. كل هذه الموانع، مقبولة ومستساغة دستوريا لدى بعض المهتمين بالشأنين الدستوري والسياسي، مستوحاة من اجتهاداتهم الدستورية التي تفيد ما سبق ذكره وما بني عليه من أن الحكومة المعينة لم تكتسب بعد شرعيتها الكاملة، طالما أنها لم تحصل على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامجها، (الفصل 88 من الدستور). حيث لا تعتبر الحكومة منصبة مكتسبة شرعيتها التامة التي تخولها الشروع في ممارسة صلاحياتها إلا بعد حصولها على الثقة المذكورة من لدن مجلس النواب. وبعد ذلك، يتم الإذن لها بأن تمارس عملها السياسي ونشاطها الدبلوماسي. وكأن هذا البرنامج سيتم إعداده من لدن سلطة أخرى غير السلطة التنفيذية التي تم تعيين أعضائها. وكأن أصحاب هذه الآراء المبنية على مقتضيات دستورية حسب اجتهاداتهم وتأويلاتهم طبعا يريدون أن يبقى السادة الوزراء الذين تم تعيينهم مقيدين، مخلدين للراحة أو مستسلمين لسبات عميق حتى يأذن لهم مجلس النواب بالتحرك ومباشرة أعمالهم. أولا تدخل مثل هذه الآراء والاجتهادات في باب لعبة دستورية غامضة، اختلطت فيها ثلاثة مفاهيم وتشابكت بخصوص ثلاث آليات: التشكيل والتعيين والتنصيب، بمعنى ولادة الحكومة وتسميتها ( التعيين الرسمي) وتزكية وجودها أو منحها فرصة الاستمرار في الحياة أو الإجهاز عليها في المهد وهو أمر نادر الحدوث. إنها آراء بعيدة كل البعد حتى على مجال الحرص على التطبيق الحرفي لمقتضيات الدستور، بل هي بمثابة السؤال عما إذا كانت السماء فوقنا، الذي لا يعقل أن يكون الجواب عنه بالنفي. والأمر ليس كالسؤال عما إذا كانت الأمطار ستهطل في موعد محدد، الذي يحتمل أحد جوابين: الإيجاب عند التأكد من هطول الأمطار في الموعد المحدد أو بالنفي عند عدم هطولها. نسوق هذا المثال للتدليل على أن الحكومة قد تم تعيينها وصدر ظهير بشأن ذلك بالجريدة الرسمية. ومن بديهيات تطبيق القانون وسريان مفعول أحكامها ارتباطها بتاريخ الصدور بالجريدة الرسمية، ما لم يتم التنصيص على خلاف ذلك بنص قانوني صريح. دستورية الحكومة وشرعيتها قائمتان بمجرد الإعلان عن تشكيلها بالتعيين الرسمي لها وفق المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 47 من الدستور. وذلك ما كان ينتظره الشعب المغربي بعد تعيين الملك السيد عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة. أما عملية تنصيب الحكومة بعد منحها الثقة من لدن مجلس النواب فلا أحد الآن يعلم ما إذا كان برنامجها سيحظى بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم هذا المجلس.؟ وهذا ما سنتناوله في الفقرة الموالية المتعلقة بلعبة الأغلبية والمعارضة. لعبة الأغلبية والمعارضة مسألة منح الثقة للحكومة أمر محسوم فيه، أوليس للحكومة المعينة أغلبيتها المطلقة في مجلس النواب؟ كيف يمكن لهذا المجلس أن يسقط الحكومة ولا يمنحها الثقة ويمرر برنامجها؟ هل سيفعل ذلك بأعضائه الذين يمثلون المعارضة الأقلية أو بماذا؟ من صوت بالأغلبية المطلقة إذن لصالح مرشح الأغلبية لرئاسة ذات المجلس؟. هل هناك منطق آخر يحكم اللعبة السياسية غير لعبة: الأغلبية المعارضة (الأقلية). أي لعبة الأغلبية المساندة للحكومة والمعارضة التي تمثل الأقلية المعارضة لها؟ إذا كانت أدوات اللعبة كذلك، فما الجدوى من التنبيهات والآراء والجدالات غير المطابقة للواقع، وأحرى أن تكون مطابقة للدستور، أو حتى لسوابق أو تقاليد في هذا المجال؟، هل شهدنا طوال تجربة البرلمان المغربي كلها أنه أسقط حكومة أو سحب منها الثقة، سواء في بداية عملها أو بعد ذلك؟ أبدا. طالما أن شيئا لم يتغير ولا زالت أدوات اللعبة هي هي؟ هل لنا أن نتخيل، والحالة هذه، مجرد أن نتخيل بأن البرلمان سيرفض برنامج الحكومة المعينة بالتصويت بأغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس النواب؟ إذا كان ذلك ممكن الحدوث فلا حرج من إبداء الآراء والإدلاء بالاجتهادات الدستورية حول عدم التطبيق الحرفي لمقتضيات الفصل 88 من الدستور، وطرح تأويلات متعددة لمقتضيات فصول أخرى من الدستور. ولوم الحكومة على عقد اجتماع لها، وخرقها الدستور باستعجال ممارسة صلاحياتها قبل تصويت مجلس النواب على برنامجها. أوليس عليها أن تهيئ على الأقل برنامجها من أجل عرضه على البرلمان؟... لتوجه إليها أسئلة أخرى مفيدة من قبيل: لماذا لم تنجز (الحكومة) برنامجها بالسرعة التي تتطلبها التحولات السياسية الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة ؟ لماذا لا تقوم بمزيد من توضيح للسياسات العمومية التي ستتبعها؟ كيف ستعالج معضلة الفقر وإكراهات التشغيل ونواقص علاج الأمراض المزمنة وتقديم العلاجات المناسبة للمرضى بالمستشفيات العمومية، وتلوث البيئة وعواقب بوادر الجفاف التي بدأت تلوح في الأفق، وغيرها من الإكراهات المرتبطة بانتشار الفساد والجريمة وانعدام الأمن.؟؟