مكنت التجربة الميدانية لمحمد الجوهري، عون سلطة سابق بقيادة "لمذاكرة"، من معرفة نماذج كثيرة لطرق وأساليب التدليس مع حلول كل موسم انتخابي من جهة السلطة أو المرشحين.. بدءً بالهدايا، مرورا بالأوراق النقدية، ووصولا إلى إلى أحدث تقليعات هذه الممارسات التي تحفّزها تعليمات رؤسائه بطبخ المحاضر ودعم مرشحين ضد آخرين. في هذا الصدد تحيلك نظرية "بول باسكون"، عالم الاجتماع القروي(1985-1932)، إلى أنّه: "إذا لم يكن المرشح يملك 10 هكتارات، فما فوق، لا يمكنه الحصول على أي صوت في الانتخابات.. حيث يصبح المنتخب وسيطا بين رجال السلطة وموظفي القروض الفلاحية وبين الناس".. وارتباطا للنظرية بالواقع تقام سنويا المواسم بالأضرحة، يقدم خلالها "المشوي" لموظفي وزارة الداخلية والمقرضين.. وإذا لم يكن للمرشح مال، فإنه يقترض.. لتحول، شيئا فشيئا، إلى قيمة مالية في بورصة الرئاسة الجماعية والقاصدين للقبة المباركة.. ويصبح صوته يساوي الملايين لدى الباحث عن الحصانة؛ "مثل الملقب بولد الشتوكية" يضيف الجوهري.. تأخذ ما يكفيك من المال مقابل شيكات موقعة وعقود الاعتراف بالدين، "إنّه تلجيم كي لا يلتفت المستشار يمنة ولا يسرة". صراع، ولكن.. يقول محمد، وهو مناضل حزبي عايش الانتخابات منذ سنة 1977، إنّ "م.م" مرشح حزب الاستقلال كان يقوم بالحملة الانتخابية التشريعية مع عدد قليل بالسوق الأسبوعي ل "لمذاكرة"( جمعة مليلة).. وبإحدى المقاهي الشعبية سمع الناس يقولون: "ماتصوتُوش على مستقيم، راه ما عندو كصعة.. صوتوا على ولد الشتوكية.. إذا جا وزير يغدّيه ويعشيه".. وهذا الأخير ليس سوى مشتغل بسلك الأمن الوطني خلال الستينيات قبل أن تفتح له أبواب السياسة ويحمل اللون "الكاكي" بيصيح مناصروه: "صوتوا على الكاكي، ولا اندب حناكي".. كما "دخل عالم البيع والشراء بحلاله وحرامه" يضيف عون سلطة. تلاسن بين هذا المرشح ومرشح الوحدة المشترك(حزب الاستقلال- الاتحاد الاشتراكي) سنة 1993، شبّ بطلب قارورة ماء معدني.. حيث علّق أحد الظرفاء ب "خذ أولدي الدلو وهوّد للبير" قبل أن يفرّ "الزيايدة" من السوق الأسبوعي لبروز العصي والهر وات وعودة الصراع القبلي، ويقول الموثقون للحظة: "قام الزيايدة بتحطيم سور عين فندغل، التابع للمذاكرة، فرد المذاكرة بتخريب عرصة الدفيلات وإتلاف أشجارها".. ويضيف محمد، وهو الذي عايش تجارب فاسدة وصراعات تم الطعن فيها لدى المجلس الدستوري، أنّ انتخابات بوزنيقة سنة 1993 كان الفائز الحقيقي بها مرشحا للاتحاد الاشتراكي قبل أن يصبح بدوره مستعملا للمال والعصابات، فتم تعويضه بوزير المالية الأسبق عبد الكامل الرغاي.. وقد عمَّ على إثرها سخط شعبي امتدّ مشيا على الأقدام في اتجاه القصر الملكي، احتجاجا على تزوير إرادة الناخبين، وقد نال الغاضبون نصيبا من القمع برا وجوا تناقلته وسائل الإعلام الدولية. القمع والممارسات التدليسية، أديا إلى قيام عراقيل إدارية في وجه المناضلين مع التأثير على المحيط العائلي أو الاعتقال إن دعت الضرورة لذلك، يضيف محمد.. كما حصل ل "ق.ع" مرشح الاتحاد الاشتراكي الذي اعتقل من طرف خليفة قائد بمساعدة أفراد المخزن المتنقل(26) ليلة واحدة حتى سحب ترشيحه من قيادة الزيايدة، وقد أطلق سراحه قبيل الانتخابات الجماعية ل 10 يونيو1983،. وقد خاضت المعارضة حينها صراعا ضد القمع وتزييف إرادة الناخبين، رافضة طبخ المحاضر حتى يكون يوم الاقتراع شكليا فقط. تنديد المرحومين محمد عاريف ( الاتحاد الاشتراكي) وميمون حبريش ( التقدم والاشتراكية) برفض ترشيح مناضلي الحزبين.. ولم يتم ترشيح سوى كاتبي الفرعين حسب تصريح محمد.. أدى إلى تفويت مقر حزب الاتحاد الاشتراكي لمالكه بعد وضع الترشيحات المذكورة ونشوب خلافات بين مناضلي الاتحاد وحزب الطليعة بحي النجمة سنة 1983.. في حين كان الخليفة (ب) يحاول ترويض بعض الاتحاديّين بقوله: "الزعماء ديالكم مع سيدنا في الرباط، وأنتما معانا هنا" وكان ذلك بأمر من باشا المدينة السابق "ع.ج" الذي قال في حقه مستشار جماعي سابق: "المخزن بّانَا والسلطة أمْنَا". مرشح ينسيك في الآخر .. مرشحون كثر برموز تضمّها لائحة طويلة وخروقات بالجملة.. مرشح ينسيك في الآخر.. وحياد سلبي للإدارة أدى إلى الاستهتار التّام بالقوانين الانتخابية، حيث كل عينة من الناخبين لها مقابل: خمر للمنحرفين، ولائم لمقدمي الجماعة، "رمي العار"، ألبسة لفرق رياضية وجمعيات.. مع رفع شعار "ولد لبلاد ضد البراني". "الحاج وذريته" نموذج من هؤلاء المرشحين كما ينقل عنه سمسار بالمدينة.. فبعد عودته من العمرة تسلح بماله ورجاله ونزل إلى "المعركة" للفوز بالمقعد الجماعي، معلنا نيته التوفر على "موقع احتماء" ونيل " لواء الثقة".. وقد اعتبره البعض قادرا على دحر كل خصومه بطقوسه الانتخابية التي تجعله "يؤدّي ما بذمّته" سواء بمرحاض المقهى أو بسيارته.. أما حين يحل بمنزل تراه عاكفا على تسجيل أسماء المتوفرين على بطائق انتخابية مقابل أوراق من فئة 100 درهم "تعطى" لكل مسجّل.. والحاج، حسب قول عبد الحق القريب منه، لا خوف عليه لأنّه "عزري" يقيم الأعراس وحفلات الختان قبل الموعد الانتخابي، ومرسول دائم لتقديم التعازي في المآتم.. كما يتحرك بدينامية في المناسبات الحكومية والأعياد الدينية.. يعرف دهاليز بلدته.. وفي عز حملته يعقد "الزرود" كل يوم وسط الحي. أحد مساندي الحاج لا يتردّد في الدعاية له، كل موعد انتخابي، بترديده: "إلى بغيتو الحقيقة، الحاج فيه الثقة" في حين يدأب آخر على رشه بالملح وهو يوصيهم خيرا: "من أراد منكم ألاّ تذهب حملته أدراج الرياح فليعتمد على الزوايا وروّاد الملاعب.. فان هناك مقهورين".. والحاج لا ينسى دوما أن يكون مجندا بمنحرفين وسذج يحمونه من كل "شر" إلى جوار جاهزيتهم ل "أي مهمة".. وقد نطقت إحدى المختصات في استقطاب أصوات النساء: "إذا فاز الحاج سنشرب البيرة جميعا، ومن بعد يكفر عن ذنوبه". صباح يوم الاقتراع يشوبه دوما هدوء حذر، في انتظار قدوم الأموال، سيارات هنا وهناك تراقب الوضع عن كثب وأخرىى تنقل ناخبين و تعترض طريق آخرين.. وكثافة التصويت أضحت معتادة على أن تعرف ذروتها بعد الزوال، كما يرتفع عدد الأزياء التي تغيّرها النسوة لإخفاء هوّياتهنّ.. ارتفاع تذكيه أساليب صنع الخريطة السياسية بأساليب من بينها النفخ في عدد المصوتين و"خلق" أعطاب تقنية ضمن التزويد الكهربائي والاتصال الهاتفي.. ومن هنا وهناك يصبح لدى المنتخب الجماعي رصيد مالي وعقاري، من بقع أرضية ومحلات تجارية، ما يلبث أن يبيعها، هي ثمن سكوته ودخوله "سوق راسو". حيث أرشيف مكتب التسجيل شاهد عليهم.. يقول مرشح لمنظمة العمل الديمقراطي خلال سنة 1997. عن تداعيات الانتخابات الجماعية والتشريعية.. في جريدة "المنظمة"، عدد 52-01 لغشت 1997، أصدرت الكتابة الوطنية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بعد زيارتها لمدينة بنسليمان و"وقوفها على مجموعة من الخروقات"، بيانا حول "إفساد العملية الانتخابية والاعتقالات والمحاكمات التي طالت مناضلي المنظمة والمتعاطفين معها".. وذكر على رأسهم: محمد الطاهري- امبارك العثماني- والاتحادي لطفي، حيث أثيرت "عملية قلب سافر لنتائج الدائرة(02) بجماعة سيدي بطاش"، من خلال قيام قائد سيدي بطاش ( أوبجة) ب "خطف" صندوق التصويت وتزوير النتيجة.. مع إعلان فائز غير حقيقي مكان عبد الله اعكاو المعتقل السابق بتازمامارت، والفائز الحقيقي في اقتراع 13 يونيو 1997، مع الإشارة إلى خرق المادة 98 من القانون الانتخابي الموردة ل : "يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات على انتهاك عمليات الاقتراع إذا ارتكبه أعضاء مكتب التصويت أو مأمور والسلطة المعهود إليهم حراسة أوراق التصويت قبل فرزها".. إضافة إلى الفصل الثاني من المادة 74 التي تبطل الانتخابات جزئيا أو مطلقا: "إذا لم يكن الاقتراع حرا أو شابته مناورات تدليسية".. وتنديدا بالخروقات المحلية والوطنية أدلى الأمين العام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، محمد بن سعيد ايت ايدر، بحديث إلى الصحفي احمد مومنين، نشرته جريدة "لانوفيل تريبون" الفرنسية، عدد رقم74 يوم 30 يوليوز 1997، تطرق فيه إلى "إفساد العملية الانتخابية الجماعية لإقرار خريطة سياسية غير قادرة على فتح طريق التغيير والتجديد". مثل مثيلاتها الجماعية عرفت الاستحقاقات التشريعية لسابع شتنبر2007 عزوفا سياسيا وتعليمات من وزارة الداخلية لدعم حزب الاستقلال ممثلا في مرشح الميزان " الشريف" ، المتنقل من الأحرار إلى الحركة الشعبية، والتي "زورت السلطة" الموعد لفائدة مرشح الأحرار سنة 1997 بعدما كان هو الفائز الحقيقي.. والسؤال المطروح يقترن بدعم حزب الاستقلال ليبقى في الواجهة.. فيما يرد الجواب من مصادر إدارية مطلعة تؤكد، عند اقتراب كل موسم انتخابي، بأنّ وزارة الأشغال العمومية سابقا، منذ عهد الدويري، والتيي يرثها الحزب منذ الاستقلال ، تشرع في شق الطرقات وفتح المسالك وحفر الآبار وبناء القناطر وتنقية السدود والأودية.. كلها عوامل ساهمت في إبقاء هذا الحزب في الصدارة، مع ما يرمز إليه من وطنية ومقاومة.. رغم كون الحزب ظاهريا مع القوى الديمقراطية وسرّيا مع السلطة. وفي تصريح لقناة "الجزيرة"، شتنبر 2007، تطرق طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، إلى تنافي الجمع بين رئيس الجماعة وبرلماني.. وزاد بأنّ اختلاس المال العام والتغاضي عن البناء العشوائي وفتح محلات بدون تراخيص، مع نيل نسب مئوية عن الصفقات، تؤدي إلى تكوين رصيد مالي وشعبي كبير يؤهل رئيس الجماعة لدخول البرلمان. وعرف السابع من شتنبر ذاته استغلال الرموز الدينية كجعل مكتب تصويت مركزي بضريح تابع لجماعة "موالين الغابة"، بدون معازل حقيقية وملصق انتخابي عليه آية قرآنية تقول "..إني أريد العمل ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.."، ما أدى إلى فوز " الشريف" بما يمثله لدى المخيال الشعبي من قدسية وورع.. وهو من مخلفات وزير الداخلية البصري ولعب أدوارا في توسيع رقعة العزوف الانتخابي مع استعماله عبارات ساقطة من قبيل "كلشي كلاب.. اللهم كلبنا".. في حين تمّ تدوين خلاصة الخروقات من قبل النسيج الجمعوي للملاحظين الوطنيين للانتخابات الذي "استنكر تدخل السلطة لصالح حزب الاستقلال والخروقات التي شابت العملية الانتخابية"، إضافة إلى الطعن الذي قدم للمجلس الدستوري من طرف وكلاء لوائح العدالة والتنمية والأحرار والحركة الشعبية.. كما هو وارد في جريدة "الأحدات المغربية" عدد3150 ل20 شتنبر 2007 ص24.. الكثير من الفائزين انتخابيا اغتنوا بطرق غير مشروعة، والبعض منهم أصابه الإفلاس مثل مستشار قروي نفذ رصيده المالي ليلتجأ إلى مخزونه الفلاحي إعمالا ل" خنشة ديال الزرع لكل محل" والتي تشكّل غرائب وعجائب تحلّ بوصول كل موسم انتخابي.. بوح بالسر من طرف محمد الجوهري، عون سلطة سابق بقيادة لمذاكرة.. يقول جوهري بأنّ أياما قبل يوم الاقتراع تعرف فيها النتائج.. ويضيف بأنّه، ثلاثة أشهر قبل الانتخابات، تعطى تعليمات لأعوان السلطة من أجل مراقبة المتوقّع ترشّحهم ودس مخبرين وسطهم.. إلاّ أن هؤلاء "لهم أناس في العمالة، يعطونهم المعلومات والخروقات التي توصلت بها السلطات الإقليمية.. ليصبح أعوان السلطة عرضة للانتقام من طرف منحرفين يتم اكترائهم". ويزيد الجوهري: "السلطة قالت لينا غادي يكون تصحيح اللوائح.. أعطيناهم المكرّرين ولوائح بدون أشخاص.. نسجل ناخبا أو ناخبة بالحالة المدنية ثم نكرره بشاهدين حيث يصبح مسجل مرتين.. مثلا: وحدة سميتها زهرة بنت محمد كنزيدو ليها جد خيالي أو دائرة خيالية إن اقتضى الأمر.. كنعلمو السلطة الإقليمية وهي كتعلم وزارة الداخلية التي لا يهمها إلا التشطيب على الأموات.. في سنة 1997 جاءتنا تعليمات الزيادة في التسجيلات ب 15% بعدما رفض الناس التقييد.. أما سنة 2002 فقد قام خلفاء القواد بتنقلات مراطونية من مدينة إلى أخرى للتشطيب على المنتقلين وقد تركوا الحال على ما هو عليه لصعوبة المهمّة". كما أردف ذات عون السلطة السابق: "الانتخابات بقات ليها شهر. بداو لعراسات والزرود وحضور الجنائز. تبدأ لغْرَامة والمزايدة، إذا حط هذا 1000 درهم الآخر كيحط 2000 درهم.. كيهز المرشح التليفون ديالو لتوهيم الناس بأنه يتكلم مع وزير.. نعرف المرشحين الفائزين من بين أبناء المنطقة من المتوفرين على عائلة كبيرة أو سند في الرباط، وإذا ما بغاتوش السلطة كتقلب ليه على مرشح من عائلته، يكون مخاصم معاه، يترشح ضدو.. في حين الأعوان يتلقون النتائج من السلطات الإقليمية قبل أسبوع.. يوم الخميس كيتصاوبو الصنادق ، نختار جوج من كبار السن وجوج من صغار السن من الحزب اللي تبغي السلطة يفوز..". ووفق ذات الشهادة "الانتخابات تتسبب في عداوة خايبة بين المرشحين والعائلات، تصل إلى الطلاق وتشريد الأسر والمنازعات في المحاكم.. و أعوان ما كيتصنتوش للسلطة يتمّ تهميشهم وتصاغ لهم تهم لإرسالهم إلى السجن.. فمثلا تسربت الورقة الفريدة للتصويت سنة 2002 وأدت إلى توقيف القائد المحلي للمذاكرة رفقة موظفين وإعادة الانتخابات التشريعية في يوليوز 2004.. بعدها جاء اقتراع السابع من شتنبر 2007 على إيقاع احتجاز عون سلطة بذات القيادة، مصطفى توفيقي، بعدما نصب له كمين من طرف قريب لمرشح الأحرار وسلبه بطائق انتخابية.. وقد كاد أن يفرج عن المعتدي قبل أن تضغط الصحافة ليدان قضائيا ب8 أشهر نافذة".