تُعدّ الأراضي السلالية ملكية للجماعات السلالية، تسيرها عنها وزارة الداخلية من خلال الوصاية، وتتميز بكونها غير قابلة للحجز ولا للبيع، باستثناء للدولة، والجماعات المحلية، والمؤسسات العمومية والجماعات السلالية. وتقدر المساحة الإجمالية لهذه الأراضي ب 15 مليون هكتار، تشكل الأراضي الرعوية منها نسبة تفوق 85 في المائة، تشغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق، وتوظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي، في حين يتم توزيع حق الانتفاع من الأراضي الجماعية الفلاحية بين ذوي الحقوق من طرف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات وتعليمات الوصاية. كما يمنع على الخواص التصرف في هذه الأراضي بالبيع وغيره من أشكال التصرف في الملكية الخاصة. وتؤطر الأراضي السلالية عموما قبل سنة 2019 نصوص قانونية منظمة لتصفيتها، طالما اشتكى المتتبعون عيوبا جوهرية شابتها، أهمها بناؤها في فترة الاستعمار، وعدم تنصيصها على تساوي المرأة والرجل في الحقوق، ومركزية القرار في يد الوصاية بالرباط. وتجاوزا لهذا الوضع، تتابعت مبادرات متكاملة في اتجاه التسوية، بما يضع حلا واقعيا ومنصفا للملف، واكبته جهود أعلى سلطة بالبلاد والدولة والمجتمع المدني والأكاديميين والحقوقيين والبرلمان من خلال أيام دراسية وندوات ومناظرات. وكان الحدث الأبرز في هذا المسار افتتاح السنة التشريعية أكتوبر 2018، إذ أثنى الملك على المجهود الذي تم لتمليك أراضي الري، وأمر بتعميم العملية على الأراضي البورية، أي تمليكها لذوي الحقوق. واستكمالا للتشريعات الرامية إلى طي كل الانشغالات والإشكالات التي ترافق تدبير الأراضي السلالية، صادق البرلمان بغرفتيه، في يوليوز 2019، على ثلاثة قوانين محالة من الحكومة، اعتبرها متتبّعون ثورة حقيقية في الملف، إذ تجاوزت عيوبا في التشريعات السابقة، وتحصن هذه الثروة العقارية بشكل غير مسبوق. وفي هذا الصدد، وبإقليم اشتوكة آيت باها، حيث تُعد الجماعتان الترابيّتان سيدي بيبي وآيت اعميرة المعنيّتان بالأمر، فقد سبق أن أصدر وزير الداخلية في أكتوبر 2016 قرارا يقضي بتحديد لوائح ذوي الحقوق في الأراضي السلالية بالجماعتين، والواقعة بدوائر الري بإقليم اشتوكة أيت باها. كما صدر في يوليوز 2018 مرسوم لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بمثابة التحديد النهائي للأراضي الجماعية بآيت عميرة وسيدي بيبي. وفي هذا الصدد، أورد النائب البرلماني عن دائرة اشتوكة آيت باها، محمد لشكر، أن "أراضي آيت عميرة وسيدي بيبي لا ينطبق عليها التعريف السابق، لعدة اعتبارات، أهمها وجود عقد بيع اشترى بموجبه أعيان المنطقة باسم السكان هذه الأراضي من المولى إسماعيل سنة 1103 هجرية، أي منذ أكثر من ثلاثة قرون، يتضمن الثمن وتفاصيل دقيقة تجعله وثيقة عدلية قوية، تجعل مصطلح أراضي الأجداد بدل أراضي الجموع هو الأنسب؛ غير أن الدولة تعاملت دوما مع هذه الأراضي على أنها جموع أو سلالية، ما يعني في نظرها أنها ليست ملكية خاصة لذويها، الذين تعتبرهم ذوي حقوق، ليس لهم إلا الانتفاع بحقوق الزراعة والرعي، في حين أن لكل متر من هذه الأراضي مالكا انتهت إليه بالبيع أو الهبة أو الإرث وكافة أشكال التصرف الفردي لشخص في ملكيته الخاصة". هي إذن حزمة قوانين وتشريعات وإرادة من أعلى سلطة في البلاد من أجل تجاوز ما شاب القوانين السابقة من نقص، وما شمل ملف هذه الأراضي من اختلالات تدبيرية. وهكذا، يقول النائب البرلماني محمد لشكر، فإن "القوانين الجديدة تؤطر الأراضي السلالية في عموم المملكة، مع التسطير على أن وضعية الأراضي بآيت عميرة وسيدي بيبي قطعت أشواطا مهمة في الاتجاه الصحيح، الذي يكرس الملكية للساكنة"، وزاد: "أصدر المحافظ الإقليمي للأملاك العقارية شهادة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأراضي حفظت نهائيا للساكنة. وقد استثنت هذه الشهادة مركزي الجماعتين والأراضي المتوفرة على وثائق التعمير، كالدواوير، إذ هي معدة للتعمير، في حين تخصص الأراضي الواقعة في دوائر الري بموجب مشروع تحلية مياه البحر للمشاريع ذات الطابع الفلاحي". ويرى النائب البرلماني محمد لشكر أن "التحدي يبقى الآن في المرور إلى التمليك الفردي بعد تحقق التمليك الجماعي، وهذا يضع المسؤولية التاريخية على الساكنة باليقظة والتعاون إنجاحا للورش، وعلى مجلس الوصاية الإقليمي بالتدبير الحكيم للمرحلة من خلال التسريع بتنقيح لوائح ذوي الحقوق، ووضع آلية مؤسساتية ديمقراطية مؤهلة شفافة نزيهة مشخصة في المجلس النيابي وفق منطوق المادة 10 من القانون 62.17، والتي تحدد مدة انتداب نائب الأراضي الجماعية في ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، دون التفريط في المحاسبة الفورية والصارمة لكل المتلاعبين في أراضي الأجداد، بدءا بفتح تحقيق آني نزيه لا يهمل إرجاع الحق لذويه ممن تم انتزاع واغتصاب أراضيهم أو تفويتها بالطرق غير القانونية لأهداف نفعية ضيقة". كثير من متتبعي هذا الملف اعتبروا أن أراضي آيت اعميرة وسيدي بيبي باشتوكة آيت باها لا يسري عليها مفهوم الأراضي السلالية، وبالتالي لا يمكن معالجتها كما الأراضي السلالية في مناطق أخرى من المغرب. وفي هذا الإطار قال عبد السلام موماد، عن المركز المغربي لحقوق الإنسان باشتوكة: "شهد ملف تدبير أراضي الجموع بإقليم اشتوكة تطورات هامة في الآونة الأخيرة، إذ تفاعلت فيه المستجدات الأخيرة لمقاربته على الصعيد المركزي مع منهجية الإدارة الإقليمية في إطار مقاربة هادئة وجريئة، وذلك انطلاقا من قناعة واضحة تتمثل في ضرورة الحسم مع عدد من الممارسات غير القانونية التي كبّلت هذا الرصيد العقاري لسنوات، وتثمينه وتوظيفه في رؤية تنموية شاملة تهدف إلى المحافظة عليه وضمان مكتسبات ذوي الحقوق في مجال السكن والولوج إلى العقار، بالإضافة إلى إضفاء الصيغة القانونية على مجموعة من المشاريع الاستثمارية المقامة على هذه الأراضي". ويرى الفاعل الحقوقي أن "المقاربة الجديدة ستمكن من إعطاء نفس جديد للاستثمار الخاص والعمومي من خلال تصفية العقار وتثمينه وفتحه أمام المنافسة، والقطع مع مجموعة من الممارسات التي ساهمت في تعطيل هذا الرصيد العقاري، واستنزافه بالمضاربات والبيوعات غير القانونية، والتجزيء السري والبناء غير المنظم، وهو ما جعل المدبر العمومي والجماعات الترابية في مواجهة عدد من الإشكالات في مجال تدبير قطاعات التعمير وتنظيم المجال ومواكبة الضغط على البنيات الأساسية، وتزايد الخصاص في المرافق والخدمات الأساسية، في سلسلة متوالية من النتائج السلبية الناجمة في جزء كبير منها عن التدبير السيئ لأراضي الجموع، وهي وضعية سيتم الحسم معها بشكل نهائي في إطار هذه المقاربة الجديدة". وبجماعتي سيدي بيبي وآيت اعميرة، طالب عبد السلام موماد ب"ضرورة الإسراع في تنزيل القوانين الجديدة، وإنجاح هذا الورش في شقه الاقتصادي والاجتماعي، مع التنويه بالمقاربة الشجاعة والمتدرجة التي اعتمدتها الإدارة الإقليمية في معالجة ملف أراضي الجموع، ومراعاة خصوصية هذا الملف، وطمأنة الساكنة المحلية وذوي الحقوق والمستثمرين، وتفهم الكثير من انتظاراتهم وهواجسهم، ومواجهة عدد من الأصوات المغرضة التي تهدف إلى التشويش على هذا الورش، من خلال الترويج للمغالطات وسوء الفهم في صفوف الساكنة". تجاوز عدد من الممارسات غير القانونية التي رافقت تدبير ملف أراضي الجموع بالجماعتين سالفتيْ الذكر تقتضي التحسيس والتواصل مع ذوي الحقوق وعموم الساكنة والمستثمرين حول مختلف مستجدات الملف، وإشراكهم في مختلف المبادرات، وصولا إلى قناعة حاسمة هي أن قطار ورش الإصلاح الشامل لأراضي الجموع قد انطلق بإقليم اشتوكة ايت باها، عبر مجموعة من المحطات، ويجب تعبئة جهود مختلف المتدخلين لإنجاحه بتجرد وإيمان حقيقي بأن مستقبل هذه المناطق وساكنتها رهين بشكل كبير بنجاح هذا الورش.