تغير كل شيء وأبقى على الواقع ذاته، "برادوكس" أفرزته نتائج الانتخابات بالجارة الشرقية الجزائر؛ فبصعود رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون، تكون "الحديقة الخلفية" للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مستمرة بقوة، رغم تواصل الاحتجاجات في مناطق متفرقة من البلد، وإعلان شرائح واسعة مقاطعها للاستحقاقات التشريعية. تبون، الذي تمكن من حسم الانتخابات بنسبة 58 في المائة (4 ملايين صوت)، من المرتقب ألا يحمل جديدا لمستقبل العلاقات بين الجارين الشقيقين الجزائر والمغرب، فرغم مناداته بضرورة الجلوس مع الرباط للحوار بعيدا عن قضية الصحراء، إلا أن استمرار وفائه ل"تقرير المصير" ومطالبته السلطات المغربية بالاعتذار قبل فتح الحدود المغلقة، يعقد مأمورية "الصلح". وبدون رهانات كبرى يطرحها انتخاب تبون، ستظل العلاقات المغربية الجزائرية حبيسة الجمود إلى حين، خصوصا وأن المؤسسة العسكرية الجزائرية ترفض التنازل عن أدنى هامش من صلاحياتها، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالأوجه نفسها التي تدبر الشأن الخارجي الجزائري في الواجهة، خصوصا على مستوى رئاسة الجهورية ووزارة الخارجية. وفي هذا السياق، أوضح كريم عايش، باحث في العلاقات الدولية، أن عبد المجيد تبون فاز في الانتخابات، وبالتالي تتويجه من طرف القايد صالح رئيسا مدنيا للبلاد، مشيرا إلى أن إطلالة قصيرة على مشوار تبون المهني والسياسي تبين مدى قرب الرجل من دواليب القرار في عهد بوتفليقة. وقال عايش، في تصريح لجريدة هسبريس، إن "تبوؤ تبون لأكثر من منصب وزاري في حكومات متعاقبة يبرز ارتباطه بالرموز الخفية للنظام الجزائري، وخير دليل على ذلك هو إشرافه على الجماعات المحلية وهيكلتها وعلى تدبير توزيع الولاة وصياغة مهامهم ووظائفهم"، مشيرا إلى أن الرجل قاد الدبلوماسية الجزائرية بسوريا وإيران. وبخصوص قضية الحدود، قال عايش، عضو مركز الرباط للدراسات الاستراتيجية، إن "تبون عند سؤاله عن فتح الحدود مع المغرب، فاجأ الجميع بكونه يطالب باعتذار مغربي مقابل الإجراء الذي اتخذ عقب الاعتداء الإرهابي على فندق أطلس اسني"، مسجلا أن الرجل "أعلن قناعته بارتباط الشعبين وتقاربهما وكونه سيعمل ضمن برنامجه على السعي إلى علاقات بصفر مشاكل". واستدرك عايش حديثه في هذا الباب بالقول: "تبون تناسى في معرض طلبه الاعتذار لقاءا جمع سنة 1995 بين ادريس البصري وعبد الرحمان مزيان الشريف وزير الخارجية الجزائري في تونس، وحديثهما المطول لساعات حول هذا الأمر"، وطالب بتوضيح وجهة نظر الجزائر وموقفها من الاجتماع المذكور. وأضاف المتحدث أن "ما يحسب لتبون هو ثريته في الحديث عن قضية الصحراء وآفاق العلاقات بين البلدين، مكتفيا بنبرة العتاب التي صارت وترا يعزف عليه كل من يريد نيل رضا المؤسسة العسكرية، حتى لا يكون مصيره مشابها لما جرى للرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف". وتوقع الخبير المغربي "استمرار الوفاء للعقيدة السياسية الجزائرية، سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية"، معتبرا أن تبون "سينحو منحى خطط قيادات الجيش التي تقبض بقوة على كل شيء، بما في ذلك مخيمات تندوف، فضلا عن تقوية العلاقات مع الحلفاء القدامى من المعسكر الشرقي البائد".