"عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان؛ بنوا سور الصين العظيم.. واعتقدوا أنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن..! خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات! وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه..! بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب. لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس..! فبناء الإنسان.. يأتي قبل بناء كل شيء وهذا ما يحتاجه طلابنا اليوم". الدكتور المهدي المنجرة. مراجعات كثيرة التي يعتزم المغرب اتخاذها لإعادة النظر في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وبالفعل ستكون لها تداعيات على المجتمع والدولة وسترهن مستقبل الأجيال المقبل . وهذا الإصلاح التعليمي 14 يحاول المغرب تنزيله من خلال تطبيق القانون – الإطار رقم 51- 17. .2السياقات والمرجعيات الوطنية مسار تطور النظام التربوي المغربي بما أن "العطب قديم" فإصلاح التعليم عرف مسارا تاريخيا يعود لمرحلة ما قبل الحماية ويمتد حتى الآن: لقد عرف المغرب 13 تجربة إصلاح حاولت التركيز على محطاتها الكبرى كالتالي: 1957إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم. 1958إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم. 1964انعقاد المناظرة الوطنية حول التعليم بالمعمورة. 2010-2000عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين. 2012-2009المخطط الاستعجالي الثلاثي. 2013المخطط الاستعجالي. التعليم حق دستوري: الفصل: 31 من الدستور ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: • الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ” الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: اعتمادا وتفعيلا والتزاما بتوصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي أَقَرَّها جلالة الملك والتي تدعو إِلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانونٍ-إطارٍ يُجَسِّد المعنَى الملموس لتعاقُدٍ وطني في علاقته بالمشروع المجتمعي وأهداف التنمية البشرية المُسْتَدَامة، وعلى أساس ما صَدَرَ عن منظمة الأممالمتحدة من أهدافٍ للتنمية المستدامة تم صدور القانون – الإطار رقم:17-51 3. مبادئ وأهداف ووظائف القانون -الإطار رقم: 17-51 أولا: المبادئ 1. الثوابت الدستورية للبلاد المتمثلة في الدين الإسلامي الحنيف، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي؛ 2. الهوية الوطنية الموحدة المتعددة المكونات، والمبنية على تعزيز الانتماء إلى الأمة، وعلى قيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية؛ 3. قيم ومبادئ حقوق الإنسان كما هو منصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، ولاسيما منها الاتفاقيات ذات الصلة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي؛ 4. التقيد بمبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص في ولوج مختلف مكونات المنظومة وفي تقديم خدماتها لفائدة المتعلمين بمختلف أصنافهم؛ 5. اعتبار الاستثمار في التربية والتكوين والبحث العلمي استثمارا منتجا في الرأسمال البشري، ورافعة للتنمية المستدامة ودعامة أساسية للنموذج التنموي للبلاد؛ 6. تطوير منظومة الدعم الاجتماعي لفائدة الأسر المعوزة، قصد تحفيزها على ضمان تمدرس أبنائها؛ 7. التحسين المستمر لجودة التربية والتكوين والبحث العلمي لضمان نجاعة المنظومة وتحقيق أهدافها والمردودية المتوخاة منها؛ 8. التدبير الناجع والأمثل للمنظومة استنادا إلى حكامة تقوم على روح التغيير والتجديد والملاءمة المستمرة مع مستجدات العصر ومستلزمات الإصلاح المتواصل؛ 9. اعتماد منهجية التقييم الدوري والمنتظم للمنظومة بكل مكوناتها ومستوياتها، من أجل قياس مردوديتها ومدى تحقيق وبلوغ الأهداف المرسومة لها؛ 10. التطوير المستمر للنموذج البيداغوجي المعتمد في المنظومة بكل مكوناتها، والعمل على تجديده، بما يمكن المتعلم من اكتساب المهارات المعرفية الأساسية والكفايات اللازمة؛ 11. ضمان ملاءمة مواصفات تكوين خريجي المنظومة مع متطلبات سوق الشغل، والاستجابة لحاجات البلاد في التنمية؛ 12. تحقيق الانسجام مع الخيارات المجتمعية الكبرى، وضمان الانفتاح الضروري، والمواكبة اللازمة لمستجدات العصر في مجال الإبداع والابتكار؛ 13. العمل على المساهمة الفاعلة للمنظومة في تأهيل النظام الوطني للبحث العلمي والتقني وعلى تطويره وتنميته، وتعزيز التكامل والالتقائية والتفاعل بين تطبيقاته والمتدخلين فيه، ولا سيما من خلال إرساء قواعد الحكامة الجيدة في تدبير مختلف مكوناته. ثانيا: الأهداف . ترسيخ الثوابت الدستورية للبلاد المنصوص عليها في الدستور وفي المادة 4من هذا القانون -الإطار، واعتبارها مرجعا أساسيا في النموذج البيداغوجي المعتمد في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل جعل المتعلم متشبثا بروح الانتماء للوطن ومعتزا برموزه، ومتشبعا بقيم المواطنة ومتحليا بروح المبادرة؛ 2. الإسهام في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ولا سيما من خلال إكساب المتعلم المهارات والكفايات اللازمة، التي تمكنه من الانفتاح والاندماج في الحياة العملية، والمشاركة الفاعلة في الأوراش التنموية للبلاد، بما يحقق تقدم المجتمع والإسهام في تطوره؛ -3. تعميم التعليم ذي الجودة وفرض إلزاميته بالنسبة إلى جميع الأطفال في سن التمدرس، باعتباره حقا للطفل، وواجبا على الدولة وملزما للأسرة. 4. تزويد المجتمع بالكفاءات والنخب من العلماء والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين المؤهلين للإسهام في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات، وتعزيز تموقعه في مصاف البلدان الصاعدة، ولا سيما من خلال الإسهام في تكوينهم وتأهيلهم ورعايتهم؛ 5. تأمين فرص التعلم والتكوين مدى الحياة وتيسير شروطه، لكسب رهان مجتمع المعرفة وتنمية الرأسمال البشري وتثمينه؛ 6. التشجيع والتحفيز على قيم النبوغ والتميز والابتكار في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، من خلال تنمية القدرات الذاتية للمتعلمين، وصقل الحس النقدي لديهم، وتفعيل الذكاء، وإتاحة الفرص أمامهم للإبداع والابتكار، وتمكينهم من الانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل؛ 7. احترام حرية الإبداع والفكر، والعمل على نشر المعرفة والعلوم، ومواكبة التحولات والمستجدات التي تعرفها مختلف ميادين العلوم والتكنولوجيا والمعرفة؛ 8. اعتماد هندسة لغوية منسجمة في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، وذلك بهدف تنمية قدرات المتعلم على التواصل، وانفتاحه على مختلف الثقافات، وتحقيق النجاح الدراسي المطلوب؛ 9. تحسين جودة التعلمات والتكوين وتطوير الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، ولا سيما من خلال تكثيف التعلم عبر التكنولوجيات التربوية الحديثة، والرفع من نجاعة أداء الفاعلين التربويين، والنهوض بالبحث التربوي، والمراجعة العميقة والمستمرة والمنتظمة للمناهج والبرامج والتكوينات؛ 10. محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة، وإعادة إدماج المتعلمين المنقطعين عن الدراسة في إحدى مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، أو إعدادهم للاندماج المهني؛ 11. توسيع نطاق تطبيق أنظمة التغطية الاجتماعية لفائدة المتعلمين من ذوي الاحتياج قصد تمكينهم من الاستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وتحفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة. ثالثا: الوظائف 1. التنشئة الاجتماعية والتربية على قيم المواطنة والانفتاح والتواصل والسلوك المدني؛ 2. التعليم والتعلم والتكوين والتأهيل والتأطير؛ 3. نشر المعرفة، والإسهام في تطوير البحث والابتكار، ودعم التميز والاستحقاق؛ 4. الإسهام في التطورات العلمية والتقنية والمهنية، أخذا في الاعتبار حاجات البلاد في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ 5. تحقيق الاندماج الثقافي للمتعلم، وتيسير اندماجه وتفاعله الإيجابي مع محيطه؛ 6. إدماج البعد الثقافي في البرامج والمناهج والتكوينات والوسائط التعليمية، بما يكفل تعريف الأجيال القادمة بالموروث الثقافي الوطني بمختلف روافده وتثمينه، والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتنمية الثقافة الوطنية. في الواقع لم يكن النقاش حول لغات التدريس ومجانية التعليم إلا ملهاة وتحريفا وتمويها للنقاش الحقيقي حول مدى امتلاك المغرب لقراره السيادي في سياسته التعليمية وبتعبير آخر ما هي المخرجات والانتظارات التي تريد تحقيقها الدولة المغربية من خلال منظومتها التربوية الوطنية في استقلال تام عن أي تأثير أو تدخل أجنبي دولي؟ في الحقيقة، المغرب يعتبر التلميذ النجيب الذي يطبق التقارير الدولية وتوصياتها بحذافيرها بل أحيانا يجتهد ويزيد، وما الرؤية الاستراتيجية 2015 - 2030" وشعارها الذي رفعه المغرب -"من أجل مدرسة الإنصاف والجودة و الارتقاء" - إلا صورة من صور هذا الإذعان للمؤسسات الدولية وإملاءاتها، الصادرة في هذا الباب في إعلان "إنشيون" بكوريا الجنوبية سنة 2015، تحت شعار التعليم بحلول 2030 "نحو التعليم الجيّد المُنصف والشامل والتعلُّم مدى الحياة للجميع". ولهذا فليس من باب الصدفة تساوق التواريخ 2015 – 2030 وتشابه الشعارات. أما من حيث تشابه المضامين فيكفي هنا أن نشير الى قضية "مهننة التعليم" والتي سبق أن أشار إليها "الخطاب حول التكوين المهني" فهي تقع في صلب "إعلان إنشيون" فلا غرابة إذن أن نقف عند هذه التقاطعات، فإذا كان إعلان إنشيون قد أشار إلى 7 أهداف استراتيجية، لتنزيل الهدف 4 للتنمية المستدامة وهي: .1ضمان أن يتمتّع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني .2 ضمان أن تتاح لجميع البنات والبنين فرص الحصول على نوعية جيد من النماء .3 ضمان تكافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني 4. تحقيق زيادة كبيرة في عدد الشباب والكبار الذين تتوافر لديهم المهارات المهنية 5. القضاء على التفاوت بين الجنسين وضمان التدريب المهني للفئات الضعيفة 6. ضمان أن يلم جميع الشباب ونسبة كبيرة من الكبار بالقراءة والكتابة والحساب 7. ضمان أن يكتسب جميع المتعلمين المعارف والمهارات اللازمة لدعم التنمية. إذا ما قارنا هذه الأهداف الواردة في" إعلان إنشيون "2030 سنجدها بالحرف في "الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي، منزلة في أربعة فصول: الفصل الأول: من أجل مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص. الفصل الثاني: من أجل مدرسة الجودة للجميع. الفصل الثالث: من أجل مدرسة الارتقاء بالفرد والمجتمع. الفصل الرابع: من أجل ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغير. ليصدر القانون الإطار رقم 51-17 ويجتهد ويزيد المشرع المغربي في عدد الأهداف من 4 إلى 11 هدفا. إن إعلان إنشيون لا يخفي الهدف المؤطر لرؤية التعليم بحلول 2030 حيث ورد فيه بالحرف: "ويجب أن يُنظر إلى هدف التنمية المستدامة 4 التعليم بحلول عام 2030 ضمن الإطار الأوسع للتنمية اليوم. فيجب أن تكون النظم التعليمية نظما ملائمة وتستجيب لمتطلبات أسواق العمل السريعة التغير" ليضيف الإعلان "ونؤكد مجدداً أن المسؤولية الرئيسية عن تنفيذ جدول الأعمال هذا بنجاح تقع على عاتق الحكومات..." ناهيك عن قضية التعليم الخاص والتي يؤسس لها إعلان إنشيون ويسمح للخواص بالاستثمار في هذا المجال الحيوي. وبالعودة للقانون الإطار فإنه لا يخرج عن هذا السياق الدولي والذي يتقاطع مع الظرف الوطني وحال التعليم المأزوم الذي يدور في حلقة مفرغة من الإصلاحات بلغت 14 ترقيعا لجبة التعليم. وإذا كان لكل إصلاح تكلفة فإن تكلفة هذا الإصلاح التعليمي 14 ستكون باهظة ليس فقط ماديا ولكن ستكون تكلفة مأساوية في جانب الضحايا من المعلمين والمتعلمين. ولكن الأمل يبقى معلقا على القوانين التنظيمية لتنزيل القانون الإطار وتفريعه على باقي مستويات المنظومة التعليمية وهذا يتطلب من الجهات المسؤولة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والوزارة الوصية، عملا جبارا عبر فتح حوارات جهوية ترفع لها توصياتها لتكوين رؤية شمولية وواقعية عن الإصلاح المرتقب. وإذا كنا اليوم نكاد نودع سنة 2019 والقانون الاطار أعطى للحكومة مهلة 3 سنوات لتنزيل مضامينه في أفق 2022، فهل 8 سنوات كافية لاستصدار وتنزيل كل القوانين التنظيمية والمراسيم التطبيقية بحلول سنة 2030؟ *جامعة الحسن الأول بسطات