"تخلوضت ولا بغت تصفى // ولعب خزها فوق ماها" "رياس على غير مرتبة // هوما سباب خلاها" عبد الرحمن المجدوب قولة عبد الرحمن المجدوب هذه التي أفتتح بها هذا المقال هي تعبير عن واقع اجتماعي كان وما زال قائما لحد الآن وإن اختلفت مظاهره، واقع اجتماعي تسند فيه الأمور لغير أهلها، في ظل غياب أو تغييب العمل بالشروط الواجب إعمالها ويرجع ذلك لعدة أسباب من بينها التعصب لجهة معينة أو نوع معين أو رغبة في خدمة مصالح فئة دون أخرى. وفي هدا الصدد، تعالت أصوات، فور الإعلان عن تشكيلة حكومة السيد عبد الإله بن كيران "المعينة"، احتجاجا على عدم وجود أكثر من امرأة فيها، واعتبرت في ذلك تخلفا وظلامية ورجعية. أصوات سكتت عن جوهر المشكل وأصله وما يجب أن يكون، سكتت عن الخروقات والتراجعات التي سجلت، خاصة العدد المرتفع للوزراء، والتدخل في التعيينات ثم بروز وزارات سيادة ورجوع التكنقراط. ورغم أن هذا الجدل مغلوط ويحرف النقاش عن موضوعه الحقيقي المُسائِل لواقع الديمقراطية ببلادنا، إلا أني آثرت أن أتطرق إليه رغبة في إيضاح الأمور وكشف مغالطات همها حجب الشمس بغربال مخروق. لقد غدا الحديث عن تمثيلية المرأة والمساواة بمنطق الكوطا أو المناصفة، من جهة، أداة من أدوات الصراع على المناصب والجاه بين نخب محدودة ومقطوعة عن ثقافة شعبها وأمتها، وأصبح من جهة ثانية، حملة علاقات عامة تروج لها الدولة لإيهام الرأي العام الوطني والدولي بوجود مساواة بين الرجل والمرأة في بلدنا. تجب الإشارة في هذا المقام إلى أن تبوء أي مركز هو حق وليس امتياز، حق مخول لكل من توفرت فيه الشروط اللازمة لتحمل المسئولية المسندة إليه والقيام بواجبه بالشكل الذي يخدم مصلحة الشعب ويؤدي أمانة منصبه. على هدا الأساس فإن امتلاك هدا الحق ليس مرتبطا بجنس أو نوع بقدر ما هو مرتبط بالكفاءة الواجب توفرها في الشخص المسندة إليه تلك المهام. بالرجوع إذا لمسألة تنصيب الحكومة، مع استحضار ما سبق ذكره، نقول بأن مسألة الاستوزار لا تخضع للكوطا ولا تتيح تغليب مقاربة النوع على معيار الكفاءة، بالنظر لجسامة المسؤولية المترتبة عنه وتأثيره على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء. وحتى في حالة مسايرة طرح مظلومية المرأة في هذا المجال وجب التطرق إلى عمق المشكل وتحديد مسؤولية الأحزاب عن هكذا وضع عوض التهجم على الحكومة بدوافع إيديولوجية. وهنا ينبغي مقاربة الأمر على أكثر من بعد واستحضار عدة عوامل: فمن جهة هناك عزوف المرأة عن الانخراط في العمل السياسي، وهذا راجع بدوره إلى عدة عوامل اجتماعية و ثقافية بالإضافة إلى عدم ثقة الناس بشكل عام في العمل السياسي. من جهة أخرى فإن الأحزاب عموما لا تتيح للمرأة فرصة الظهور والبروز وتقلد مهام ومسؤوليات كبرى داخل الأحزاب بل إنها لا تمكنها، في بعض الأحيان، حتى من التكوين اللازم للقيام بدورها كما يجب، بل إنها غالبا ما تقتصر على منحها أدوارا ثانوية ليس إلا. إذا ثبت هذا خلصنا إلى أسباب فهم غياب المرأة عن المواقع القيادية على المستوى الحزبي وبالتالي فإن تمثيليتها الضعيفة على مستوى الحكومة ما هي إلا تحصيل حاصل لواقع عمل الأحزاب المغربية عموما، ما دام أن الكفاءة في المجال السياسي تستلزم معايير من نوع خاص يمكن جمعها في البروز وأعني بذلك الظهور بشكل دائم في الساحة السياسية، التكوين العلمي والمتخصص ثم القدرة على التواصل مع الجماهير وهدا العنصر الأخير يتطلب اكتساب عدة تجارب ومقومات لامتلاكه وهو ما لا تعمل عليه الأحزاب المغربية بشكل عام مع الأسف. يكرس منطق الكوطا، النظرة الدونية للمرأة باعتبارها كائنا ضعيفا وغير كفء، لأنه يعتبرها غير قادرة على انتزاع حقها في حالة تكافئ الفرص بينها وبين الرجل و ذلك ضدا على الواقع، إذ لطالما أثبتت النساء تفوقهن على كثير من الرجال فلماذا الكوطا إذن؟ الواقع أن كثيرا ممن يدعمن ويدافعن عن حل الكوطا -خاصة في المجال السياسي والمراكز المهمة في جهاز الدولة المغربية- إنما يهدفن بذلك إلى أخد نصيبهن من كعكة السلطة. فلا يتعلق لا بالديمقراطية ولا بمظلومية المرأة وإنما بطموحات شخصية لنخبة نسائية لا تجد نفسها معنية بانشغالات المرأة الحقيقية المتمثلة في توفير شروط العيش الكريم. إن التقدم والازدهار لا تحققه الكوطا ولا المناصفة، بل بإسناد الأمور إلى أهلها دون تمييز جنسي أو فئوي واعتمادا على الشروط الموضوعية المتطلبة، فمتى توفرت الكفاءة اللازمة في امرأة أو رجل وجب إسناد الأمور إلى من يستحقها. وتبعا لذلك فإن تحرر المرأة وإنصافها لا يتحقق بالكوطا وإنما بتوفير تكافؤ الفرص على أساس وحدة الكفاءة ووحدة المواطنة، وعلى هذا الأساس لن يكون لدينا مشكل أبدا إن كانت الحكومة كلها مشكلة من النساء بما في ذلك رئيس الحكومة. عودة إلى بدء، إن المنتقدين لظلم المرأة في الحكومة الحالية لم يلتفتوا لكفاءة المرأة الوحيدة بها واختصاصها في المجال التي استوزرت به، لم يلتفتوا إلى أن كفاءتها تفوق الكثير من بعض وزراء نفس الحكومة وتفوق الكثير من الوزيرات السابقات اللاتي يعرفهن العادي و البادي. بئس التعصب الذي يحجب الحقيقة. *طالب باحث في الحقوق للتواصل مع الكاتب: [email protected] www.facebook.com/omar.ragala