مباشرة بعد قرار مجلس الأمن رقم 2494، الذي كرس مكتسبات المملكة بخصوص ملف الصحراء المغربية، شرعت جبهة البوليساريو في الترويج بشكل واسع لخيار العودة إلى الحرب على بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمرها الخامس عشر. ولأول مرة منذ إشراف الأممالمتحدة على نزاع الصحراء، خرجت قيادة الجبهة لتقر بفشلها في تدبير المرحلة، ملقية اللوم على مجلس الأمن الدولي، في خطوة اعتبرتها قيادات معارضة للبوليساريو مجرد حملة انتخابية لمنح المؤتمر المقبل آمالاً تُعلق على قرارات ليست بيد جماعة إبراهيم غالي، بل بيد الجزائر. وفي رده على سؤال طرحته هسبريس بخصوص تهديد البوليساريو بالانسحاب من عملية السلام بالصحراء والعودة إلى خيار الكفاح المسلح بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، قال دبلوماسي مغربي رفيع المستوى ساخرا من هذه الخطوة: "ذلك لا يعنينا، بل يعني الأممالمتحدة التي تشرف على حل نزاع الصحراء". من جهته، قال عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، إن تصريحات قياديي البوليساريو بعد صدور القرار 2494 "تُبين بوضوح أنه لم تعد لهم القدرة على بناء الأساطير، التي تجعل ما تبقى من المحتجزين في مخيمات تندوف ينتظرون القرار القادم من مجلس الأمن في السنة المقبلة". وأوضح اسليمي، في تصريح لهسبريس، أن "الأسطورة التي كانت قيادة البوليساريو تُوظفها مع إصدار مجلس الأمن كل قرار تبددت الآن. لذلك صارت الجبهة مضطرة إلى تغيير خطابها والانتقال إلى التهديد بالحرب". ويرى الخبير في ملف الصحراء أن خطاب البوليساريو يُعبر عن "حالة التيه والشرود التي أصبحت عليها جماعة إبراهيم غالي، فهي لم تعد تعرف إلى أين تتجه، وتزداد عليها الضغوط أمام زحف احتجاجات ما تبقى من ساكنة المخيمات، واقتراب ما يسمى بمؤتمر البوليساريو، الذي قد تتقاتل فيه القيادة فيما بينها ويُقابل باحتجاجات ساكنة المخيمات، حيث لجأت الفئة المتحكمة في القرار إلى زرع اقتتال داخلي بين مكونات ما تبقى في المخيمات". الترويج للحرب ضد المغرب يعتبره اسليمي مجرد "محاولة لتشتيت أنظار ساكنة المخيمات عن طبيعة التغيير الذي باشره مجلس الأمن في ملف الصراع بتفكيك كل الأساطير التي وظفتها قيادات البوليساريو". نقطة ثانية يقف عندها الباحث الأكاديمي هي محاولة قيادة الجبهة تجاوز محطة المؤتمر الخامس عشر في سياق داخلي على وشك الانفجار، مضيفا "لهذا نلاحظ أن كل القيادات خرجت مباشرة بعد القرار 2494 بلغة واحدة تهدد بحرب قادمة". ويربط الباحث ذاته إعلان العودة إلى حمل السلاح بجس نبض القيادة الجزائرية الحالية، مشيرا إلى أن "إبراهيم غالي ومجموعته يبدو أنهما يتوجسان من قرار مستقبلي قادم من الجزائر، خاصة بعد الرسائل التي أطلقها عمار سعداني المقرب جدا من القائد صالح". كما أن السياق الإقليمي الحالي لا يسمح بإشعال المنطقة، يُضيف اسليمي، مشيرا إلى أن "الجزائر لا يمكن أن ترخص للبوليساريو بالشروع في خرق وقف إطلاق النار من فوق ترابها؛ فالجبهة موجودة فوق الأراضي الجزائرية، وإعلانها الحرب معناه المسؤولية الكاملة للجزائر، خاصة أن مسؤولية هذا البلد الجار في النزاع تغيرت مع قرارات مجلس الأمن الأخيرة، وصارت طرفا مباشرا في النزاع". وخلص اسليمي إلى أن قيادة البوليساريو "من خلال بروباغندا الحرب قد تريد توريط الجزائر في مواجهة المغرب". وحذر من أن فرضية إعلان الحرب من طرف البوليساريو قد "تكون بهدف تحويل مخيمات تندوف إلى مأوى مركزي للجماعات الإرهابية، بقيادة أبي الوليد الصحراوي وأتباع تنظيم "داعش" المشتتين في منطقة الساحل والصحراء، والذين يسعون إلى جعل المخيمات والمنطقة العازلة الممتدة على شمال موريتانيا جزءا من منطقة الساحل والصحراء".