أضحى الحساب البنكي من بين الأساسيات باعتبار أن معظم المعاملات تتم بواسطته؛ فقد كشف بنك المغرب، في تقريره السنوي حول الإشراف البنكي لسنة 2017، أن عدد الحسابات البنكية قد بلغ 26 مليون حساب، مسجلا بذلك ارتفاعا بمليوني حساب مقارنة مع سنة 2016 التي عرفت تسجيل 24 مليون حساب. وقد بلغ عدد الحسابات البنكية التي فتحت لدى البنوك التشاركية المرخص لها بالمغرب 43 ألف حساب، نهاية شهر يونيو 2018. ونظرا لهذا الارتفاع الحاصل في الحسابات البنكية، وما يرتبط بها من مشاكل، فلا يجد الزبون بدا سوى اللجوء إلى بنك المغرب للتشكي من جور بعض مؤسسات الائتمان، أو اللجوء إلى الوساطة البنكية، وأحيانا اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه، إذ تشكل المنازعات البنكية رقما مهما من عدد القضايا المعروضة على المحاكم. وتشكل النزاعات المتعلقة بإقفال الحساب البنكي حوالي 57% من نسبة الشكايات المتوصل بها من قبل المركز المغربي للوساطة البنكية، إذ إن جل المشتكين توصلوا بإشعارات للأداء من طرف البنوك عن حسابات بنكية لم تعرف أي حركية لسنوات كثيرة. وقد أدى عدم وضوح المادة 503 من مدونة التجارة، في صيغتها القديمة، إلى تباين في كل من الممارسة البنكية والاجتهاد القضائي، حيث برزت إشكالات كثيرة؛ لعل أبرزها إشكالية قفل الحساب بالاطلاع غير المشغل منذ مدة، حينما يعمد الزبون إلى التوقف عن تشغيل هذا الحساب، ويكون حسابه قد سجل رصيدا مدينا بذمته، دون تعبير صريح من قبله عن إقفاله، فهل يمكن الاعتبار في هذه الحالة أن هذا تعبير ضمني عن الرغبة في إقفال الحساب أم لا؟، كما طفت على السطح إشكالية أخرى تتعلق بوضعية الفوائد بعد قفل الحساب، أضف إلى ذلك إشكالية تحديد تاريخ قفل الحساب لما لهذا التاريخ من أهمية بالغة على العديد من المستويات والتي سنبينها لاحقا، إضافة إلى احتساب أمد التقادم. وقد عرفت المادة 493 من مدونة التجارة الحساب بالاطلاع على أنه: "... عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف"؛ فتشغيل هذا الحساب يتوقف على ضرورة تسجيل الديون فيه، وأن تكون هذه الديون متبادلة. وقصد ملامسة الموضوع من جميع جوانبه، والإجابة عن جل الإشكالات المرتبطة به، فإننا ارتأينا معالجته من خلال زاويتين، نخصص أولاهما لقفل الحساب البنكي قبل تعديل المادة 503 من مدونة التجارة، وثانيتهما بعد تعديل هذه الأخيرة، مع رصد للاجتهاد القضائي بهذا الخصوص. المطلب الأول: قفل الحساب البنكي قبل تعديل المادة 503 من مدونة التجارة. سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى إشكاليتين جوهريتين، وتتعلق أولاهما بوضعية الفوائد بعد قفل الحساب بالاطلاع (فقرة أولى)، فيما نخصص ثانيتهما لإشكالية تحديد تاريخ توقف الحساب لما لهذا الأخير من أثر على احتساب أمد التقادم. الفقرة الأولى: وضعية الفوائد بعد قفل الحساب بالاطلاع: قصد ملامسة جل الإشكالات التي يطرحها قفل الحساب بالاطلاع وطبيعة الفوائد الناتجة عن ذلك، سنتطرق لإشكالية تطبيق الفوائد الاتفاقية (أولا)، ثم إشكالية تطبيق الفوائد القانونية (ثانيا). أولا: إشكالية تطبيق الفوائد الاتفاقية: بالرجوع للمادة 504 من مدونة التجارة نجدها تنص على أنه: "عند إقفال الحساب تمنح مدة لتصفيته وبانتهائها يتحدد الرصيد النهائي". وما يستشف من خلال هذه المادة أنه بمجرد إقفال الحساب بالاطلاع يتم الاندماج الفوري والتلقائي للديون المتبادلة المسجلة في الحساب، لكي يتم تحديد الرصيد النهائي الذي يكون لفائدة أحد الطرفين في مواجهة الآخر، وهذا يستلزم الامتناع عن تقييد أي دين جديد في هذا الحساب. وبناء عليه لا يمكن لصاحبه أن يجري أية عملية جديدة، ولا أن يسحب شيكات، كما لا يمكن للبنك أن يستمر في تقييد مصاريف مسك الحساب في مديونيته؛ فقفل الحساب الذي وضع حدا لتقديم الخدمات البنكية لا يؤدي إلى تجديد الدين وإنما إلى إنهاء العقد بين الطرفين، وبالتالي فإن الرصيد الذي أسفرت عنه تصفيته يعتبر دينا عاديا مستحق الأداء. وجدير بالبيان أنه إذا كان تاريخ سريان الفوائد الاتفاقية لا يطرح إشكالات تذكر من الناحية العملية، فإن تاريخ انتهاء العمل بهذه الأخيرة هو ما شكل أبرز نقاط الخلاف بين الممارسة البنكية والعمل القضائي؛ فإذا كانت البنوك تعمد إلى احتساب الفوائد الاتفاقية على الرصيد المدين بعد تاريخ حصر الحسابات، فإن القضاء كان له رأي غير ذلك، مفاده كون الفوائد مرتبطة بالحساب وجودا وعدما، وأنها تعتبر أثرا من آثاره، إذ يستفيد البنك من هذه الفوائد طيلة اشتغال الحساب وبمجرد إقفاله واستخراج الرصيد النهائي يمنع عليه الاستمرار في حسابها على هذا الرصيد. وما يكرس هذا الطرح قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس جاء ضمن حيثياته: "رصيد الحساب بالاطلاع دين عادي تسري عليه الفوائد القانونية لا الفوائد البنكية التي لم يقع الاتفاق على سريانها بعد قفل الحساب طبق ما سار عليه اجتهاد المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)"؛ وهو توجه أكدته المحكمة نفسها من خلال قرارها رقم "1478" الصادر بتاريخ 3/11/2011 في الملف عدد 318/1، والذي جاء فيه: "لا يستحق البنك المقرض الفوائد الاتفاقية بعد قفل الحساب إلا إذا قام اتفاق صريح على سريانها بعد قفله، ولا يستحق بعد القفل إلا الفوائد القانونية. ويبدأ سريانها ابتداء من تاريخ الحكم القاضي بها على اعتبار أن الحكم المذكور هو من أنشأها". وما يستشف من فحوى القرارين أعلاه أنه في غياب اتفاق صريح بين البنك وزبونه على سريان الفوائد حتى بعد قفل الحساب، فإن الفوائد الاتفاقية تتوقف بحصر الحساب. وقد كرس القضاء الفرنسي هذا التوجه، عندما وضعت محكمة النقض الفرنسية حدا لخلاف أخذ أمدا طويلا بين محاكم الاستئناف حول سعر الفائدة المطبق على الرصيد النهائي للحساب بالاطلاع، لتقر مبدأ قانونيا مفاده أنه لا يمكن الحكم بالفوائد الاتفاقية بعد قفل الحساب بالاطلاع إلا بوجود اتفاق صريح على ذلك. كما أكدت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في أحد قراراتها التوجه المشار إليه أعلاه، من خلال اعتبارها على أنه: "لا يمكن الحكم بالفوائد البنكية والضريبة على القيمة المضافة الناتجة عنها إلا عند وجود اتفاق الطرفين بسريانها حتى بعد قفل الحساب"؛ وهو توجه سارت عليه المحاكم التجارية وباقي محاكم الاستئناف التجارية المغربية في عديد من الأحكام والقرارات التي بلغت درجة من التواتر يمكن معها القول بأن هناك استقرارا في العمل القضائي بخصوص هذه النقطة. ثانيا: إشكالية تطبيق الفوائد القانونية: بمجرد ما يتم قفل أو حصر الحساب بالاطلاع يصبح الدين الناتج عن ترصيده دينا عاديا ومستحقا في تاريخ حصره، ولا يمكن أن ينتج عنه أية فوائد اتفاقية، وتسري عليه آنذاك الفوائد القانونية من تاريخ قفل الحساب على اعتباره أنه تاريخ استحقاق الدين؛ وهو ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها حينما اعتبرت أنه: "تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما المحكمة التي أصدرت حكما قضى بأداء المدعى عليهما تضامنا لفائدة المدعية المبلغ المطلوب كأصل الدين مع الفوائد القانونية من اليوم الموالي لوقف الحساب إلى غاية التنفيذ". وهو توجه سارت عليه المحكمة التجارية بمراكش في حكم لها جاء ضمن حيثياته: "أنه بتوقف الحساب تتوقف جميع آثاره، بما فيها الفوائد البنكية والضريبة على القيمة المضافة، ولا تستحق عنه سوى الفوائد القانونية من اليوم الموالي لقفل الحساب إلى غاية الأداء". وبالرغم من وجود اتجاهات أخرى تقضي باستحقاق الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية وأخرى تذهب إلى اعتبار أنها تستحق من تاريخ الحكم، فإننا نعتقد أن ما سارت عليه محكمة النقض يبقى هو الأقرب إلى خصوصية الدين الناتج عن الحساب بالاطلاع؛ ذلك أن الفوائد القانونية إذا كانت تعتبر تعويضا عن الضرر الناتج عن التأخير في تنفيذ الالتزام بإرجاع مبلغ من النقود داخل الأجل المحدد، فإن الضرر المستوجب للتعويض قد تحقق بتاريخ قفل الحساب، خاصة أنه قد يفصل وقت ليس بالهين بين تاريخ قفل الحساب، الذي غالبا ما تحدده المحكمة بتاريخ آخر عملية تمت في الحساب، وتاريخ المطالبة القضائية. وإذا كان قفل الحساب يحرم البنك من الاستفادة من الفائدة بالسعر البنكي فعلى الأقل يجب تمتيعه بالفوائد بالسعر القانوني لجبر الضرر المفترض الناجم عن عدم الأداء، وأن الحكم بسريانها من تاريخ الطلب أو تاريخ الحكم يعني حرمان البنك من أي فائدة عن دينه من تاريخ قفل الحساب إلى غاية تاريخ المطالبة القضائية أو تاريخ الحكم؛ وهو ما من شأنه تشجيع الزبون على وقف الأداء ما دام أنه سيستفيد، ولو لفترة معينة، من توقف سريان الفوائد سواء أكانت اتفاقية أو قانونية. الفقرة الثانية: إشكالية تحديد تاريخ توقف الحساب لقد تفرعت عن مبدأ سريان الفوائد الاتفاقية طيلة سريان الحساب إلى غاية توقفه إشكالية أخرى تتعلق بتحديد تاريخ هذا التوقف لما لتحديد هذا الأخير من أهمية كبيرة على عدة مستويات نذكرها كالآتي: المستوى الأول: الفوائد الاتفاقية يتم احتسابها إلى غاية قفل الحساب؛ المستوى الثاني: الفوائد القانونية لا يتم احتسابها إلا بعد قفل الحساب؛ المستوى الثالث: أنه يمكن احتساب الفائدتين معا – الاتفاقية والقانونية – متى وجد اتفاق بين الطرفين على سريانها (الفائدة الاتفاقية) بعد قفل الحساب؛ المستوى الرابع: أن أمد التقادم ينطلق احتسابه من تاريخ قفل الحساب. وبناء عليه، كان على القضاء الحسم في إشكال جوهري يتعلق بسلطة المحكمة في مراقبة تاريخ حصر الحساب وتحديد تاريخ غير التاريخ المحدد من قبل البنك، وخصوصا أمام الغموض الذي لف تنظيم قفل الحساب البنكي في المادة 503 من مدونة التجارة (قبل التعديل)، إذ إن هذه الأخيرة لم تحدد شكلا معينا لهذا القفل، إلا إذا كانت المبادرة من قبل البنك، أما الزبون فهو غير ملزم على الأقل من الناحية القانونية بإتباع أي إجراء. ومن جهة ثانية ما تمت ملاحظته من قبل المحاكم من خلال الكشوف الحسابية التي تعزز بها البنوك مقالاتها الافتتاحية، إذ إن العمليات الفعلية التي تمت في الحساب توقفت في تاريخ معين بينما تستمر هذه الأخيرة مع ذلك في تشغيل الحساب بتقييد الفوائد البنكية ورسملتها على رأس كل ثلاثة أشهر لفترة طويلة. وقد أكد القضاء في مجموعة من القرارات أن تاريخ حصر الحساب هو تاريخ التوقف الفعلي للعمليات الدائنية أو المدينية، وفي هذا التاريخ يصبح هذا الرصيد مستحقا ويمكن المطالبة به قضاء، وابتداء منه كذلك يسري أجل التقادم المسقط لدعوى الأداء؛ فقد جاء في قرار لمحكمة النقض: "أن عدم تشغيل الحساب من طرف الزبون وتوقف التقييدات فيه دال على تجميده وإغلاقه مما لا يسمح للبنك باحتساب الفوائد من تاريخ تجميده"، وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش أن: "عدم تطعيم الحساب بالاطلاع بمدفوعات من الجانبين لمدة ليست باليسيرة تعتبر دليلا على أنه أقفل فعليا"؛ في حين عبرت محكمة الاستئناف التجارية بفاس عن ذلك بتأكيدها أن: "إنهاء الحساب قد يكون ضمنيا يستخلص من إرادة طرفيه كما يمكن أن يكون صريحا، والمحكمة تعتبره مقفولا عند آخر قطع له إذا لم تتبعه عملية جديدة ولم يرسل البنك للزبون أي ميزان آخر"؛ وهو ما أكدته محاكم الاستئناف التجارية في العديد من القرارات. وهذا التوجه هو تطبيق للتعريف القانوني والفقهي للحساب بالاطلاع الذي يشترط تبادل المدفوعات بين الطرفين، حيث إن هذا العنصر يعتبر الركن الأساسي لاعتبار حساب ما حسابا بالاطلاع؛ فتسجيل الحساب لعمليات من جهة واحدة يكيف على أنه إيداع نقود إذا كان الزبون هو الذي يطعم الحساب لوحده، ويتخذ شكل اعتماد إذا كانت العمليات المسجلة به من جهة البنك لوحده. وتتضح الأهمية الكبيرة لحصر تاريخ قفل الحساب، في انعكاسها على سريان احتساب أمد التقادم؛ فقد أكدت محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرارها عدد "150"، الصادر بتاريخ 24/1/2012 ملف عدد 805/2011، أن: "أجل تقادم الدعوى المقدمة من طرف البنك والمستندة لحساب الزبون بالاطلاع لا تسري إلا ابتداء من تاريخ تحديد الرصيد النهائي للحساب إما من طرف البنك أو بطلب من الزبون. - الاجتهاد القضائي قار على أن تاريخ حصر الحساب هو التاريخ الذي يتوقف فيه عن إجراء دفعات متبادلة وبعده يتوجب على البنك القيام بالإجراءات التنظيمية لتصفية الحساب والمطالبة بالدين داخل أجل معقول. - الحساب بالاطلاع يعتبر عملا تجاريا بالنسبة للبنك، والرصيد النهائي يخضع في تقادمه لأحكام المادة الخامسة من م ت . - التقادم في الميدان التجاري مبني على استقرار المعاملات حسبما سار عليه اجتهاد المجلس الأعلى عدد 594 الصادر بتاريخ 23/5/2007 في الملف التجاري عدد 893/3/1/2006 . - الحساب الذي توقف قبل خمس سنوات من المطالبة يعد متقادما والدعوى به سقطت" . كما جاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة تحت رقم "1760" بتاريخ 20/12/2011 ملف عدد 286/2010 أنه: "ابتداء من التاريخ الذي كان من المتعين قفل الحساب الجاري له يحسب أجل التقادم المنصوص عليه في المادة الخامسة من مدونة التجارة". المطلب الثاني: إقفال الحساب بالاطلاع بعد تعديل المادة 503 من مدونة التجارة بالرجوع إلى المادة 505 من مدونة التجارة، يتبين أنها لم تحدد المدة التي يتعين مراعاتها بين مرحلة قفل الحساب وتصفيته، إذ كان يلجأ البنك خلال فترة قفل التصفية إلى نقل حساب الزبون المفتوح لديه إلى حساب من نوع آخر يسمى "حساب المنازعات" رغبة في استرداد مستحقاته، ولا يلجأ إلى القفل النهائي للحساب والمطالبة القضائية إلا بعد فشل الإجراءات الودية. وفي هذه الحالة يلجأ البنك إلى تحويل الأقساط غير المؤداة من رأسمال وفوائد إلى حسابات خاصة تسمى "حسابات الأداء" والتي على أساسها يتم احتساب الفوائد البنكية إلى غاية الأداء الفعلي للزبون مما يثير التساؤل حول الفائدة المترتبة على هذا الحساب خلال هذه الفترة. وإذا كان الزبون خلال هذه الفترة لا يستفيد من الخدمات التي يقدمها له الحساب بالاطلاع أثناء تشغيله، وفي المقابل لا يمكن إلزامه بأداء الفوائد الاتفاقية ما لم يوجد اتفاق على ذلك بينه وبين البنك؛ وهو مبدأ أقره الاجتهاد القضائي كما بينا سابقا. لكن المشرع، ورغبة منه في تلافي كل الإشكالات التي أثارها موضوع قفل الحساب البنكي، كان حكيما من خلال الظهير الشريف رقم 1.14.142 الصادر بتاريخ 25 من شوال 1435 (22 غشت 2014) بتنفيذ القانون رقم 134.12 تنسخ وتعوض بمقتضاه أحكام المادة 503 من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة والذي شكل بكل أمانة طوق النجاة للعديد من زبناء البنوك، لتلافيه لعيوب وثغرات المادة سالفة الذكر - قبل التعديل - بنصه على أنه: "يوضع حد للحساب بالاطلاع بإرادة أي من الطرفين، بدون إشعار سابق إذا كانت المبادرة من الزبون ومع مراعاة الإشعار المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الاعتماد إذا كانت المبادرة من البنك؛ غير أنه وجب أن يوضع حد للحساب المدين بمبادرة من البنك إذا توقف الزبون عن تشغيل حسابه مدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به. وفي هذه الحالة، يجب على البنك قبل قفل الحساب، إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته البنكية. إذا لم يبادر الزبون داخل أجل ستين يوما من تاريخ الإشعار بالتعبير عن نيته في الاحتفاظ بالحساب، يعتبر هذا الأخير مقفلا بانقضاء هذا الأجل. يقفل الحساب أيضا بالوفاة أو انعدام الأهلية أو التسوية أو التصفية القضائية للزبون". وبناء عليه، فإن الزبون غير ملزم باتباع أي إجراء لقفل حسابه؛ غير أن البنك ملزم قبل وضع الحد للحساب المدين والذي توقف صاحبه عن تشغيله لمدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به إشعار الزبون بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته البنكية، فإذا تقاعس الزبون عن التعبير عن نيته في الاحتفاظ بحسابه داخل أجل ستين يوما من تاريخ الإشعار، فإن حسابه يعتبر مقفلا بانقضاء هذا الأجل. وقد بدأت مختلف المحاكم المختصة بتطبيق مقتضيات التعديل، إذ جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء تحت رقم 5269 ملف عدد 2217/8222/2015 بتاريخ 22/10/2015 ما يلي: "وحيث إن القانون رقم 12-134 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6290 بتاريخ 11/9/2014 نسخ وعدل مقتضيات أحكام المادة 503 من القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة والتي أصبحت تنص على ما يلي: (يوضع حد للحساب بالاطلاع بإرادة أي من الطرفين، بدون إشعار سابق إذا كانت المبادرة من الزبون ومع مراعاة الاشعار المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الاعتماد إذا كانت المبادرة من البنك)، وأضاف المشرع (أنه يجب أن يوضع حد للحساب المدين بمبادرة من البنك إذا توقف الزبون عن تشغيل حسابه مدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به)، وفي هذه الحالة يجب على البنك قبل قفل الحساب إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته البنكية". لكن الملاحظ على مستوى الواقع العملي أن بعض البنوك ما زالت تستغل جهل بعض زبنائها بهذه المقتضيات، فتشعرهم بضرورة الأداء عن حسابات بنكية لم تعرف أي حركية لأكثر من سنة ودون سلوك لمسطرة الإشعار المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر. وتأسيسا على ما سبق، فمطالبة البنك لزبونه بأداء مبلغ معين بعد توقفه عن تشغيل حسابه المدين لمدة سنة، تحتسب من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به، هي مطالبة غير قانونية، واستغلال لجهل بعض الزبناء بالمقتضيات القانونية، إذ يتوجب على البنك أن يقفل الحساب بعد القيام بمسطرة الإشعار المنصوص عليها في هذه المادة مباشرة بعد تقاعس الزبون عن الإجابة عن فحوى الإشعار المذكور؛ لكن نسجل أنه وفي حالات كثيرة يؤدي الزبناء تلك المبالغ المطالب بها خوفا من المتابعات القضائية في اعتقادهم، علما أنه من غير المتصور أن تبادر مؤسسة بنكية إلى متابعة زبون لها عن الأداء بهذا الخصوص، وهي تعلم مسبقا عدم قبول طلبها لعدم استيفائه للشروط الشكلية؛ لأنه لا وجود والحالة هذه لعنصر المصلحة، والتي يشترط فيها أن تكون مبنية على أساس قانوني، وهو الذي لا وجود له والحالة هاته ما دامت المؤسسة البنكية قد خرقت القانون أصلا لعدم إغلاقها الحساب البنكي، على الرغم من توفر الشروط القانونية لذلك. ويمكن القول إن الرضوخ لمراسلات المؤسسات البنكية - وإن كان البعض يفسرها على كونها بسبب اقتراف بنكيين لأخطاء خلال عملية "إغلاق الحساب"، تتمثل في حذف الحساب من النظام المعلوماتي فقط، فيما تظل الالتزامات المرتبطة به نشيطة ضمن النظام ذاته؛ وهو ما يفسر استمرار توصل الزبون بخطابات التحصيل من البنك-، فإن أداء المبالغ المطالب بها هو تنازل عن الحقوق، وفيه تشجيع لهذه الأخيرة في الاستمرار في مثل تلك السلوكات المنافية للنص القانوني، وأكل لأموال الناس بالباطل، وإن عدم استجابة الزبناء لتلك المراسلات لن يضرهم في شيء. وختاما، وإن كان لا يعذر أحد بجهله للقانون، فإننا نرى أن العديد من زبناء المؤسسات البنكية ما زالوا يجهلون مقتضيات المادة 503 من مدونة التجارة في صيغتها الحالية. لذلك، بات لزاما خلق برامج تحسيسية بهذا الخصوص. كما يتوجب على جمعيات حماية المستهلك أن تقوم بدورها بهذا الخصوص، ووضع حدّ لممارسات تؤرق العديد من زبناء البنوك. *باحث في قانون الأعمال