يُعاني مضمون الخطاب الوعظي ل"الدعاة الجدد" من خمسة مآزق، وفق كتاب جديد للباحث المغربي منتصر حمادة، هي: "مأزق الإبداع وتقويض مقصد التجديد، مأزق التسييس وتقويض مقصد التجرّد، ومأزق الإخلاص وتقويض مقصد الدعوة، ومأزق العَلمنة وتقويض مقصد التديّن، ومأزق التوسّط وتقويضِ مقصدِ التوحيد". ويسجّل حمادة، في كتابه المعنون ب"الخطاب الوعظي المعاصر - مساهمة في نقد ظاهرة الدّعاة الجُدد"، الصّادر عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، أن ظاهرة "الدعاة الجدد" لم تخرج عن "التّفاعل الطبيعي مع مقتضى الدعوة الإسلامية، اللصيقة بالرسالة النبوية: "بلِّغوا عني ولو آية""، ويرى أنّها "قد جاءت بالشيء الجديد في أشكال التبليغ، وبدرجَة أقل في مضامينه، وساهمت في ترشيد التديّن الإسلامي بالمنطقة العربية، بشكل كبير، ولدى الأقلية المسلمة في أوروبا الغربية، بشكل أقلّ". ويذكر حمادة أنّ المتلقّي لأعمال الدّعاة الجدد يتعامَل معهم على أنّهم القدوة الدّينية المرجوَّة، والمؤهلة لتأسيس نوع من المصالحة بين المعاصرة والتراث، وبين العقل والنقل، والدّنيا والدين، ويتعامل معهم على أساس أنّهم يشكّلون "النموذج المثالي" لمُسلم اليوم، دون انتباه إلى مآزق خطابهم، من "عَلمَنَة للدعوة"، و"تسليع لها"، و"رهبنتها". ويرى حمادة أنَّ أولى محطات طرق باب التجديد النوعي للخطاب الديني، عند تيار "الدعاة الجدد"، تكمن في التفطن لبعض المآزق المعرفية، والسلوكية، التي سقط فيها هذا الخطاب؛ وقدّم حول هذا نماذج، من قبيل: سؤال العَلمنة، مذكّرا بأنّه بما أن العَلمانية عَلمانيات فالحديث عن "العَلمنة" التي تروم فصل الأخلاق عن الدين. ويتحدّث الكاتب عن أنَّ الأمراض السلوكية التي أصبح الإسلام اليومَ مصابا بها ناتجة عن فساد في الاعتقاد، وفساد في منطقه، وقدّ أمثلة بالمرض القتالي أو "التديّن الخارجي"، و"تديّن الخمول" الذي أصاب العديد من الطرق الصوفية، ومرض "التديّن المٌسيّس" الذي أفرز مآزق اختزال الإسلام أو "المرجعية الإسلامية" في أحزاب سياسية، و"تديّن التقية" الذي يُميز الساحة الإسلامية الشيعية، بالتحديد، وتتّصف به بدرجة أقل بعض أنماط التديّن الإيديولوجي، في الساحة الإسلامية السنية، خاصة مع التّيّار الإخواني. ومن بين الأمراض السّلوكيّة التي ينبّه إليها الباحث منتصر حمادة، في قراءته لمضامين الخطاب الوعظي لبعض رموز ظاهرة "الدعاة الجدد"، "مرض التَّسليع"؛ الذي لا تقلُّ مأزقيَّته عن الأمراض الأخرى، لاعتبارين على الأقل هما: اتّسامه بأسلوب ناعم، وعاطفي، ومؤثر بشكل كبير على المتلقي؛ وعدم استيعاب المعنيين به خطورة المآزق التي تسبب فيها هذا التديّن الاستهلاكي الناعم؛ فهو مرض يسلّع الدّعوة، فيسَلِّعُ بالتالي الدّين؛ وقدّم مثالا على هذا بفترة الصوم، التي أصبحت أشبه ب"مادة استهلاكية" عند العقل الرأسمالي. كما ينبه حمادة أهل العمل الدعوي والخطاب الوعظي، في المؤسسات الدينية، والمنابر غير التابعة بالضرورة للعمل المؤسساتي، إلى "ما يُشبه حالة استنفار فقهية ومعرفية"، تساعدهم على تغذية عدّتهم النظرية، من أجل تجاوز العديد من الآفات التي طالت الخطاب الديني بشكل عام في العالم الإسلامي، وفي المنطقة العربية بشكل خاص؛ وهو ما يقتضي إرادة صنّاع القرار، بحُكم غلبة دور الفاعل السياسي في المنطقة العربية على دور الفاعل الديني. ويجب الاشتغال، وفق خلاصات كتاب "الخطاب الوعظي المعاصِر"، على "مواجهة تواضع تفاعل المؤسّسات الدينية مع قضايا الساحة، مقارَنة مع تفاعل خطاب المشاريع الإسلاموية، التي غزت ولازالت تغزو المؤسسات الدينية، والمؤسسات السياسية، فالأحرى منظمات المجتمع المدني، والإعلام التقليدي، والحديث، وشبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي". ويشدّد الباحث على أنَّ من الضروري تجاوز "تواضع المؤسسات الدينية في تفاعلها مع ظاهرة "التطرف العنيف"، إذ لا يخرج تفاعلها عن واقع التواضع"، وهو تفاعل صنّفَه في خانة "الأعطاب البنيوية للعمل الديني المؤسساتي، بسبب غياب الشجاعة العلمية، والأخلاقية، للخوض الفقهي، فبالأحرى المعرفي، في تفكيك الخطاب الديني المتشدد". ورأى الكاتب أن أداء العديد من المؤسسات الدينية في المنطقة العربية، التي انخرطت خلال العقدين الأخيرين في عدة مشاريع إصلاحية، مساهمة في صيانة "الدولة والدين"، كان يمكن أن يكون أحسن بكثير، آخذا بعين الاعتبار "التحديات الكبرى" التي تطال الحقل الديني، محلياً، وإقليمياً، ودولياً، و"الضوء الأخضر" لصناع القرار، والإمكانات المادية الكبيرة التي وفرتها دول المنطقة، لمُجمل المؤسسات. ويذكر حمادة أنّ من حقّ الدعاة الجدد الاعتقاد بأن البرامج التي يقدمونها تبقى أحسن البرامج"، ثم يضيف: "ومن حق المتلقي، أيضا، التذكير بمُقتضَى النصوص الإسلامية، التي تقوِّضُ هذا الادعاء"، مستحضرا من بينها في الآية القرآنية: "فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى". ويؤكّد الباحث أن من أهمّ التحديات السلوكية التي تواجه "الدعاة الجدد" في السياق الراهن الأخذ بعين السياقات الاجتماعية المحلية والإقليمية والعالمية، والاجتهاد في أخذ مسافة من مشاريع الساحة، عوض السقوط في ازدواجية المعايير والمواقف، التي تقوض مقاصد الخطاب الوعظي بشكل عام، أيّاً كانت مرجعية وحسابات المعنيّين به. كما ينبّه الكتاب الجديد إلى تحديات معرفية وأخلاقية يمرّ منها العالَم حاليا، مثل: قضايا ومشاريع "ما بعد الإنسان"، و"الذكاء الاصطناعي"، و"الثورة الرقمية"، التي مازال أهل المعرفة الفلسفية في الساحة العربية عاجزين عن مواكَبتِها معرفيا، ويضيف: "فالأحرى توقع المواكبة الدينية لفقهاء، وعلماء، ووعاظ المؤسسة الدينية… لهذه التحديات الكونية، التي ينتظر العالم مساهمة الجميع لمواجهتها، بما في ذلك الأعلام الدينية والفكرية العربية والإسلامية".