كل شيء تغير أمامي، كيف أحكي لكم ما حدث خلال هذه الفترة من حياتي، كنت أعتقد أنني تغيرت لكن الناس هي التي تغيرت. الحياة امتحان عسير، كل يوم تقدم لنا دروسا جديدة في فن البقاء. البقاء يعني أن تذوب كل الذوبان في كيان المجتمع، سواء كان مفتوحا أو مغلقا. المهم عليك أن تكون مستعدا للتضحية بكل خصوصياتك. من هنا تبدأ ولادتك الجديدة ونقلك بالمجان إلى الحبس الكبير. أريد أن أحكي لكم كل شيء، أشعر أن كل شيء تغير من حولي، المدينة لم تعد تحمل سوى الاسم، امتلأت فقط بالسيارات بماركاتها الجديدة وبالدراجات النارية. والله لا أفرق بين الماركات اليابانية والكورية. لقد تشابه عليّ البقر. الشوارع مملوءة عن آخرها، الضجيج والصخب سيدا الموقف. لا يمكنك أن تشعر ولو لحظة بتجوال مريح. هناك سباق محموم في الطريق بين سائقي سيارات الأجرة والعربات المجرورة. ماذا أقول لكم هناك حرب مفتوحة على كل الواجهات. الشرطة أضحت مجرد علامة من علامات الدولة. والسلطة مجرد اسم يدرس في مادة علم السياسة، لكن وجودهما لم يعد ضروريا لأن المجتمع أصبح أكبر بكثير منهما. أريد أن أخبركم أن المدينة أصبحت تعرف أكبر عدد من المقاهي. أكبر عدد من العاطلين. أكبر عدد من المطلقات. هذه إحصائيات ليست رسمية. مجرد كلام يسقط على أدني مكرها بالمقهى. الناس يتحدثون كثيرا هذه الأيام عن الأزمة. والله لا أعرف بالضبط أي أزمة يقصدون. هل أزمة هجرة الشباب والنسبة المرتفعة للغرق أم أزمة عطش شجر الزيتون أم أزمة ماذا؟ أنتم تعرفون جيدا أن المدينة مشهورة بالبقر. والجمعيات المختصة بحقوق الحيوان تطالب منذ مدة طويلة بحديقة لتربية الطاووس. مازال الجميع بالمدينة مندهشين من غرابة هذا الطلب. ما الذي يجمع بين البقر والطاووس؟ ربما هناك سر تاريخي يجمع بينهما؟ كذلك الناس هذه الأيام يتحدثون كثيرا عن الألم. الكل يحاول تفكيك هذا المفهوم الجديد من موقعه الطبقي والثقافي. هناك من أعجبه المفهوم وحاول نقله إلى المسرح وهناك من حاول نقله إلى عالم الغناء وهناك من قام بنقله إلى الفكاهة. المهم أن المفهوم أعجبني كثيرا لأنه حقق تصالحا مع كل المغاربة الغاضبين من الفقر والفساد. أتعرفون، الناس في مدينتي لم يعطوا للمفهوم أي حيز زماني للنقاش والجدال. مشغولون بأمور أهم، بصراحة لم أعد أعرف ماذا يريد الناس بالضبط؟ لكن أعرف جيدا أنهم يتألمون كثيرا ولا يتكلمون. هل بسبب الخوف لا أظن ذلك، لأنهم لم يعودوا يخافون من أي شيء. ربما لأنهم أصبحوا يتعايشون مع الألم. في الحقيقة، أشياء كثيرة لم أعد أفهمها ولا أستطيع استيعابها بالمرة، ربما أصبحت أنظر للأشياء بعيون مختلفة. وربما الناس تغيرت نظرتهم للأشياء. المهم الناس يمشون ويمشون، لم أعد أعرف إلى أين وجهتم بالضبط؟ كل ما أشعر به أن الناس في سباق، سباق من أجل ماذا لا أعرف؟ ربما انشغالاتي تغيرت، ربما لم أعد أفهم ما يحدث من حولي. وعدتكم أنني سأخبركم بكل شيء، لكن صدقوني لا أستطيع، لا أستطيع بالمرة لأن المدينة أصبحت أكبر مني. أشعر بالغربة، أشعر بالغياب، أشعر بأنني لا منتمٍ. من أكون؟ عليّ أن أختار مع من أكون؟ هل مع البقر أم الطاووس؟