يفتتح الملك محمد السادس، الجمعة 11 أكتوبر الجاري، الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، ويرتقب أن يوجه خطابا بالمناسبة يقف فيه على قضايا سياسية عدة؛ من ضمنها تراجع مستوى الأداء الحزبي ومدى نجاح ممثلي الأمة والحكومة في مواكبة التشريعات والأوراش الكبرى. ويتزامن الدخول البرلماني، الذي يُعتبر بمثابة افتتاح لموسم سياسي جديد، مع ولادة حكومة العثماني الجديدة، المرتقب أن يعين الملك محمد السادس أعضاءها الأسبوع الجاري، بعد مخاض عسير مرت منه وصل إلى حد انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من الائتلاف الحكومي بسبب "انسداد الأفق السياسي في المغرب والدخول في مرحلة السباق الانتخابوي المبكر"، بتعبير بلاغ للحزب ذاته. ويستعد البرلمان المغربي، مباشرة بعد انطلاق الدورة البرلمانية، لاستقبال الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، من أجل عرض تقريره السنوي الصادم، الذي رفعه مؤخرا إلى الملك محمد السادس، والذي كشف بالأرقام والمعطيات حجم الفساد الذي ينخر جسم المؤسسات العمومية والقطاعات الحكومية. وتدفع مكونات المعارضة بالغرفة الأولى بضرورة تشكيل مهام استطلاعية ولجان لتقصي الحقائق للوقوف على الاختلافات التي رصدتها المؤسسة الدستورية. كما يرتقب أن يحضر عدد من الوزراء والمسؤولين الذين وردت أسماؤهم ضمن التقارير إلى اللجان البرلمانية. الأغلبية البرلمانية تواجه امتحانا عسيرا مرتبطا بالمصادقة على مضامين مشروع القانون الجنائي، الذي أثار جدلا واسعا بالمغرب حتى قبل شروع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مناقشته، خصوصا أنه يتضمن ملفات خلافية مرتبطة بتقنين الإجهاض والحريات الفردية. حكومة العثماني تواجه أيضا أصعب دخول سياسي، بحسب عدد من المتتبعين، فهي مطالبة بترجمة توجيهات الملك محمد السادس، خصوصا الواردة في خطاب عيد العرش الأخير، التي أكدت عدم قدرة السياسات الحكومية في القطاعات الاجتماعية على مواكبة مسيرة الإصلاح التي دشنها العاهل المغربي في بداية حكمه، لكن ذلك لن يكون سهلا، لاسيما مع اقتراب تحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال مع دنو انتخابات 2021. واعتبر عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط، أن المغرب يوجد اليوم أمام أصعب دخول برلماني وحكومي في تاريخه، و"ذلك لوجود العديد من المؤشرات الخطيرة التي ينبغي الانتباه إليها، والتي تتطلب من العثماني وأغلبيته التحرك العاجل". وقال اسليمي، في تصريح لهسبريس، إن "الدخول السياسي الحالي يأتي مع استمرار حكومة حزبية ضعيفة لم تستطع إلى حد الآن، بعد مرور أزيد من نصف ولايتها، أن تترك بصمات عمل يلتقطها المواطن ويشعر من خلالها بأن نمط حياته المعيشية يتغير نحو الإيجابي". وسجل المحلل السياسي ذاته، في المقابل، اتخاذ قرارات سلبية من طرف الحكومة "تقود إلى إنتاج مزيد من الاحتجاجات القطاعية التي قد تتجمع وتكبر مع استمرار الحكومة بالشكل نفسه، وهي احتجاجات تسحب السياسة تدريجيا إلى فضاءات خارج الأحزاب والنقابات والبرلمان". ويرى اسليمي أن المشهد السياسي المغربي يتسم بوجود نخبة وزارية ظلت تتداول على المناصب الوزارية لمدة تزيد عن ثماني سنوات وتغير مقرات الوزارات والقطاعات، معتبرا ذلك "انحسارا وانغلاقا للنخب التي تتداول على المناصب الوزارية، إلى درجة أن هناك وزراء عششوا لسنين في مناصبهم الوزارية، وهو أمر غير عاد لأنه لا يسمح بالانفتاح على كفاءات جديدة في التدبير". وأضاف الباحث في العلوم السياسية أن استمرار النخب الوزارية نفسها "يخلق إشكالية سيكولوجية تجعل كثيرا من المتتبعين يرسخون فكرة عدم التغيير في العمل الحكومي؛ فتغيير النخب يخلق آمالا بوجود تغيير قادم في مجال التدبير، وهي آمال غير الموجودة حاليا مع حكومة العثماني قبل تعديلها المتوقع". ووقف المتحدث على مؤشر سياسي آخر يهدد المشهد الحزبي المغربي يرتبط بالعقلية والنفسية الحزبية ورؤيتها للشأن الحكومي، مشيرا إلى "حلبة الملاكمة التي خاضتها قيادات حزب التقدم والاشتراكية بين الداعين للخروج من حكومة العثماني والمتشبثين بالبقاء فيها"، معتبرا ذلك "خطرا كبيرا يجب الانتباه إليه، فالمناصب الحكومية باتت تخلق اقتتالا مستمرا بين مكونات الأحزاب السياسية". كما أثار المصدر ذاته "صراع الأجنحة الذي عرفه اجتماع شبيبة الحركة الشعبية، في إطار الصراع عن دعم ترشيحات وزارية دون أخرى المرتبط بصراع قادم حول الدواوين والإدارات العمومية". وخلص اسليمي، في تحليله، إلى أن التجربة الديمقراطية المغربية لما بعد 2011 باتت "مرهقة بالثنائية في التدبير الحكومي القائمة على تحالف تصارعي بين العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، ومن الواضح أن هذا الصراع سيزداد مع اقتراب الانتخابات التشريعية، الشيء الذي سيؤثر على الشأن الحكومي". وحذر الباحث في العلوم السياسية من انتقال الممارسة السياسية في المغرب إلى خارج البرلمان والأحزاب؛ "فقنوات وممرات التمثيلية والسياسة بدأت تنتقل إلى خارج البرلمان والأحزاب والنقابات، وهذا خطر كبير يحتاج إلى تغييرات كبيرة تعيد السياسة إلى مجالها الطبيعي"، في إشارة إلى إمكانية خروج الأوضاع عن السيطرة.