يزيح الشرطي الملثّم، أحد عناصر فرقة التدخل السريع، نظارته السوداء عن عينيه، ممازحاً طفلة صغيرة داعيا إياها إلى الاقتراب دون وجلٍ لأخذ صورة تذكارية بقربه، بعد أن لاحظ تردّدها. تبتسم الطفلة وتستجيب للدعوة، قبل أن يتبعها آخرون من مختلف الأعمار والأجناس وحتى الجنسيات، في مشهدٍ تكرّر مرّات ومرّات، لتمتلئ مواقع التواصل بطنجة بمئات الصور الشبيهة. وعلى الرغم من الطوابير الطويلة التي تنتظر أخذ صور و"سيلفيات"، وعلى الرغم من الأسئلة والاستفسارات الكثيرة؛ فإن النفس الطويل كان جليّا لدى كل رجال ونساء الأمن الموجودين بالدورة الثالثة للأبواب المفتوحة للأمن الوطني بطنجة، حيث غاب "التجهّم" الذي ألفه المواطن لدى رجل الأمن، بحكم عمله، وحضرت الابتسامة والدعابة والوجوه البشوشة. يقول أحد رجال الأمن، مفضلا عدم الكشف عن هويته، "ما تفعله المديرية العامة للأمن الوطني الآن هو بناء مستقبل جديد وعلاقة مختلفة مع الجيل الصاعد، نريد أن نهدم تلك الهوّة التي كانت موجودة لدى الأجيال السابقة التي كانت تعتبر الأمن "طابو" بشكل من الأشكال". ويضيف محدّث هسبريس بكل تلقائية: "العلاقة الجديدة ينبغي أن تكون مبنية على الانفتاح.. فقوّاتنا، مثلاً، كانت موجودة منذ السبعينيات؛ لكن لم يكن يعرف عنها أحد شيئا. الآن، الزمن تغيّر، وأصبح لزاماً على مؤسستنا أيضا أن تسايره. ما نريده، الآن، هو مواطن واعٍ، متفهّم لدور الأمن؛ وهو أمر سيخدمنا نحن أيضا في مهامنا وتدخلاتنا وسيجنّبنا ما يعرف بالأضرار الجانبية، حيث إن أيّ تصّرف خطأ من مواطن عادي، إن لم يكن واعيا، قد يكون مكلّفا له ولمهامنا". يكاد فضاء الأيام المفتوحة، التي انطلقت فعالياتها الأربعاء وتختتم اليوم الأحد، يئن تحت وطأة العدد الهائل للزوار، وغير المسبوق ربّما في تاريخ المعارض بطنجة. تناقل الجميع الخبر، إلكترونيا وعلى أرض الواقع، فحملت العائلات أبناءها، وجاءت لتكتشف ما كان يوماً غامضا ومخيفا بالنسبة لها. ولم يتوقف الأمر عند العائلات، بل تعداها إلى المؤسسات والمدارس والكتاتيب القرآنية أيضا، حيث عرفت الفضاءات زياراتٍ متتالية لأفواج من مختلف المؤسسات والمشارب والتخصصات. ووفق إحصائيات غير رسمية استقتها هسبريس من عين المكان، فإن عدد الزوار تجاوز، إلى غاية صباح أمس السبت، 300 ألف زائر؛ في انتظار الإعلان عن العدد النهائي للزوار رسميا. وعلى عكس النمطية التي تعرفها مثل هذه النوعية من المعارض، فقد ركزت الأبواب المفتوحة للأمن على جزئية التنوع؛ وهو ما شجع الزوار على تكرار الزيارة لاكتشاف فضاء جديد في كل مرة، ومشاهدة العروض المفتوحة التي يقدمها الأمن في الفضاء الخارجي للمعرض والتي تشهد إقبالا منقطع النظير أيضا. فمن فضاء يعرض لتاريخ الأمن والمعدات القديمة التي كان يستعملها، تجرّك قدماك نحو فضاء يعرض فرق الخيالة ومجسمات لها. كما يمكنك أن تتعرف على المعدات التي تستعملها الشرطة في عمليات الاقتحام والاطلاع عليها رأي العين، بعدما كانت مجهولة ومخيفة في وقت من الأوقات. تقول لمياء الجباص، عميد شرطة عاملة بالمكتب المركزي الوطني لمديرية الشرطة القضائية، الذي ينسق مع الشرطة الدولية "الإنتربول"، إن "الهدف من فضائنا هو أن نعرف الزائر أن هناك مصالح أخرى تعمل في الخفاء، ولا يحتك بها إلا لماما. نشعر بالفخر ونحن نشرح عملنا للزائر وما نقوم به من عمل عابر للحدود. نستمع، بدورنا، لهم ولتخوفاتهم واستفساراتهم". وتضيف المتحدثة: "نروم أيضا إظهار الوجه الإيجابي للأمن الذي يحمي المواطن داخل وحتى خارج الوطن، خصوصا أن موقع المغرب الجغرافي يجعلها في مهبّ الجريمة العابرة للحدود.. وطبعا لا تتوقف الاستفسارات من طرف مختلف الفئات، سواء كانوا زوار عاديين، أم باحثين جامعيين، أم أجانب". بدا واضحا أن الجدار الوهمي، الذي كان يفصل رجال الأمن عن المواطنين، قد اختفى – ولو مؤقتا – خلال أيام الأبواب المفتوحة بطنجة، مؤذناً بعلاقة جديدة يبدو أن الطرفين معا يأملان أن تستمر، بعيدا عن مشاعر التحفظ أو الخوف أو الانطباعات المسبقة؛ وهو ما عبّرت عنه إحدى الزائرات على صفحتها الفيسبوكية حين نشرت لها صورة مع عبارة "الأبواب المفتوحة" معلقة عليها بجملة "نتمنى ألا توصد أبداً !".