تعد الجمعيات المدنية بالمغرب عموما شريكا مهما لا يمكن إغفاله في تحريك دواليب التنمية والاقتصاد والتقدم، كما أنها تلعب دور الوسيط بين المواطن والدولة، لتحقيق التنمية الشاملة عن طريق ترابط أعمالها مع جهود الدولة والقطاع الخاص؛ وهو ما يؤثر إيجابيا على المجتمع ومواطنيه. بالأقاليم الخمسة المشكلة لجهة درعة تافيلالت، تجاوز عدد الجمعيات النشيطة بمختلف المجالات 2000 جمعية، حسب إفادة مصدر رسمي. وتسعى أغلبية هذه الجمعيات، بتنسيق مع القطاعات الحكومية والمجالس المنتخبة والقطاع الخاص، إلى تحقيق تنمية المجتمع، من خلال بلورة مشاريع تنموية واقتصادية؛ وهو الدور الذي أسست من أجله هذه الجمعيات وتستفيد من الدعم العمومي. عمر آيت أحمد، أستاذ باحث وفاعل جمعوي، أكد أن أقاليم درعة تافيلالت عرفت، في السنوات الأخيرة، ارتفاع عدد الجمعيات التي أسسها الشباب، وكلها تدعي أنها تساهم في تعبئة جهود الأفراد والجماعات لإحداث التنمية في المجتمع لصالح المواطنين والمساهمة في تكامل جهود الدولة في تلبية الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. جمعيات تعيش البرودة والفتور نعيمة صابر، فاعلة جمعوية من زاكورة، أوضحت أن أغلبية الجمعيات بإقليم زاكورة وبالجهة عموما تعيش في السنوات الأخيرة نوعا من البرودة والفتور؛ وهو ما يشل نشاطها أو عدم انتظامه على العموم، مشيرة إلى أن عددا قليلا من الجمعيات بالجهة التي تشذ عن القاعدة وتصارع من أجل البقاء تعاني من بعض المشاكل التي لا تعاني منها تلك التي تستفيد من الدعم العمومي دون أن تقدم أي دور، وفق تعبيرها. وأضافت المتحدثة ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجال الجمعوي بالجهة نفسها شهد مجموعة من الإخفاقات التي تسببت فيها جمعيات "همها الاسترزاق" على حساب الضعفاء والمعوزين، لافتة إلى أنه لا يمكن إغفال وجود جمعيات نشيطة وقدمت أفكارا ومشاريع تنموية وساهمت إلى جانب مصالح الدولة في التنمية الشاملة، تقول المتحدثة. "بعض الجمعيات تستفيد من مبالغ مالية مهمة من المال العام، إلا أن لا وجود لها على أرض الواقع ولم يسبق لها أن قامت بعمل مقابل تلك الأموال التي استفادت منها"، يقول داود صودي فاعل جمعوي من الرشيدية، مشيرا إلى أن أغلب الجمعيات أسست وأعضاؤها يجهلون دورها، لافتا إلى أنه "بات من الضروري تقنين دعم الجمعيات، أو سحب دعم الجمعيات من يد المجالس المنتخبة؛ حتى لا يتم استغلاله سياسيا وانتخابيا"، وفق تعبيره. ولم يخف الفاعل الجمعوي ذاته أن "غالبية المجالس المنتخبة بدرعة تافيلالت تقوم بتوزيع الدعم العمومي للجمعيات بمنطق الولاءات السياسية والانتخابية؛ وهو ما أصبح يفقد للعمل الجمعوي مصداقيته"، مشددا على أن "الدولة ملزمة اليوم أن تقوم بمراجعة الطرق التي يتم بها تدبير هذه المنح من طرف المنتخبين وباقي القطاعات؛ حتى لا يتم تمييع العمل الجمعوي أكثر"، وفق تعبيره. الدعم يسيل لعاب الجمعيات تستفيد المئات من الجمعيات المؤسسة بأقاليم جهة درعة تافيلالت من الدعم العمومي، من أجل المساهمة في تحريك دواليب التنمية بمجالاتها المتعددة؛ إلا أن غالبية الجمعيات تستفيد من هذه المنح المالية دون أن تساهم في تلك الغاية، لاعتبارات عديدة، منها السياسية، يقول جمال الدين أوعمي فاعل حقوقي بتنغير. ولفت الحقوقي ذاته إلى أن "الدعم العمومي يسيل لعاب الجمعيات التي تصارع الزمن من أجل الاستفادة منه"، مشددا: "يجب على الجهات المانحة لهذه الجمعيات الدعم العمومي أن تطالبها بالتقريرين الأدبي والمالي، من أجل معرفة الجمعيات التي تستحق الدعم والتي يجب أن تعيد الدعم إلى الجهة المانحة". وأضاف المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لهسبريس، "لا يعقل أن تستفيد بعض الجمعيات التي همها الوحيد هو الاسترزاق، ويتم إقصاء جمعيات تستحف الدعم والمواكبة خصوصا النشيطة بالجبال"، لافتا إلى "أن الطريقة التي يتم بها تدبير هذا الدعم فيها الكثير من علامات الاستفهام"، وفق تعبيره. رئيس أحد المجالس المنتخبة بالجهة كشف بدوره أن الدعم يتم توزيع بمنطق الولاءات، مشيرا إلى أن جميع المجالس دون استثناء لا تحترم شروط ومعايير توزيع المنح على الجمعيات، موضحا أن مجلسه أيضا يقوم بتوزيع المنح بالطرق التي يتم توزيع بها الدعم من قبل جميع الجماعات في الجهة خاصة والمغرب عموما، وفق تعبيره. وأضاف المسؤول الجماعي ذاته، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته للعموم: "من الطبيعي توزيع الدعم لفائدة الجمعيات القريبة منك وإقصاء جمعيات أخرى للضغط عليها من أجل الاستسلام والتقرب منك"، مشيرا إلى أن هذا الدعم يعد الوسيلة الوحيدة لجمع أصوات الجمعيات لصالحك ومن خلالها يمكن للرئيس أن يضمن مستقبله في الانتخابات المقبلة، وفق تعبيره. هل يفتحص مجلس جطو الجمعيات؟ استفادة الجمعيات القريبة من السياسيين والمنتخبين من الدعم العمومي، والتي لا تحمل إلا الاسم في الوثائق، جعل العديد من الجمعويين الذين استقت هسبريس آراءهم خلال إعدادها لهذا الروبورتاج يطالبون المجلس الأعلى للحسابات بإيفاد لجنه من أجل افتحاص مالية الجمعيات ومصير الأموال التي استفادوا منها. حميد جمال، فاعل جمعوي من ورزازات، أكد أن الوقت حان من أجل وضع نهاية للخروقات اللاقانونية بخصوص دعم الجمعيات من قبل الجماعات والقطاعات الحكومية، موضحا أن أغلبية الجمعيات تستفيد من ملايين السنتيمات؛ لكنها في الواقع لا تقوم بأي عمل جمعوي، واصفا تلك الجمعيات ب"الاسترزاقية" على حساب بؤس الفقراء. من جهته، قال علي حمداوي، فاعل جمعوي بميدلت: "في الحقيقة، يجب على قضاة مجلس جطو أن يحلوا بالجهة هذه المرة ليس من أجل افتحاص مالية الجماعات؛ بل من أجل افتحاص مالية الجمعيات العمومية المستفيدة من المال العام"، مشيرا إلى أن "فضيحة الجمعيات ستكون أكبر بكثير من الاختلالات التي تعرفها بعض الجماعات الترابية ومن شأن هذه اللجن أن تكشف المستور"، وفق تعبيره.