موضوع مجتمعي ليس وليد اللحظة لكنه يظهر كلّما طفت على السطح قضية مشابهة، يتعلق الأمر بالإجهاض الذي أفرز نقاشا مجتمعيا بين الإسلاميين والحداثيين، طوال الأسابيع الأخيرة، مرده إلى الاختلاف بشأن تجريم أو عدم هذا الفعل، ودفع فئات واسعة من المجتمع المغربي إلى الانخراط بدورها في مناقشة هذا الموضوع الذي جعل المملكة في مفترق الطرق، لاسيما أن التحكيم الملكي السابق بشأنه أمسك العصا من الوسط، بحيث طمأن الحداثيين وقوّى الإسلاميين في الوقت عينه. آثار مجتمعية البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، عبر عن استغرابه من "التشدد الذي حدث خلال السنوات الأخيرة من لدن السلطات"، وقال: "لم نكن نسمع من قبل بتوقيف الأطباء المشاركين في عمليات الإجهاض، بحيث لا تُطبق بنود القانون الجنائي في أغلب الأحيان خلال فترة معينة، لكن حدث الآن تغير لم نعد نفهم دواعيه". وأضاف الشرايبي، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الإجهاض التقليدي له مضاعفات خطيرة، بحيث يمكن أن تلجأ المرأة الحامل إلى الانتحار أو تقدم على ما يسمى بجرائم الشرف، أو يمكن أن تضع مولودها وتتخلى عنه في نهاية المطاف، الأمر الذي سيجعل هذا الطفل عرضة للتشرد والتسكع بالشوارع، وهو ما سيشكل خطورة على الأمن المجتمعي". 800 حالة يوميا البروفيسور ذاته أوضح أن "وتيرة توقيف الأطباء في مراكش ومكناس والرباط وبني ملال تدعو إلى الاستغراب؛ بحيث تشير دراسة أنجزت سنة 2018 إلى متابعة 73 طبيبا من طرف القضاء بسبب الإجهاض"، مبرزا أن "الفصول الممتدة من 449 إلى 458 من القانون الجنائي يتم تطبيقها بالحرف لأنها تتضمن عقوبات جنائية، بينما الفصل الوحيد الذي لا يعاقب المرأة المُجهضة هو 453، لأنه يأخذ بعين الاعتبار الخطر الذي يمكن أن يحلق حياة أو صحة المرأة". "لكن يجب تحديد ماهية صحة الأم"، يردف المتحدث، مشيرا إلى كون "الصحة بحسب المنظمة العالمية للصحة تشير إلى الصحة البدنية أو العقلية أو الاجتماعية. بمعنى، إذا كانت الأم ستعاني من الاكتئاب أو إمكانية الانتحار أو تدهور الحياة الاجتماعية، فلها حرية القيام بالإجهاض، ومن ثمة يجب تحديد مفهوم صحة المرأة في القانون"، موردا أن "الأرقام المتوفرة تشير إلى 600 و800 حالة إجهاض في اليوم". التربية الجنسية محسن بنزاكور، باحث في علم النفس الاجتماعي، قال إن "غياب التربية الجنسية يطبع المجتمع المغربي، بحيث هنالك تداخل بين ما هو قانوني وبيداغوجي وديني"، مبرزا أنه كان ينادي من زمان بأن يتصالح المغربي مع جسده، "لكن يجب أن تتم العملية في إطار العلم عوض الجهل، من خلال التعامل مع الجسد بطريقة علمية ليس بالمفهوم الجنسي وإنما بالمعيار النفسي". وشدد بنزاكور، في حديثه لهسبريس، على أن "الجسد مازال ملكا للكل في المغرب، الأمر الذي يسهل معه الاغتصاب والحمل غير المرغوب فيه، سواء تعلق الأمر بالذكر أو الأنثى؛ إذ لا يدرك الأب أو الأم النتائج المرتبة عن العملية الجنسية، بينما التربية الجنسية ستجعل الفرد مسؤولا عن جمالية الجسد وحرمته". تمثلات خاطئة الباحث في علم النفس الاجتماعي تابع قائلا: "يجب أن نصل إلى هذا المستوى، أي أن يكون الجسد ملْكا لصاحبه، وهو ما يفسّر التدخل في الحياة الشخصية بالمغرب، ما يستدعي ضرورة الحسم في بعض الجوانب الدستورية"، مردفا أن "الجانب الديني يتضمن تمثلات خاطئة للجنس من منظور المسلم المغربي، ذلك أن الإسلام لا يحاسب على الممارسة الجنسية، بينما نشاهد المتابعات القانونية التي تطال ممارسيها بالمغرب". أما أمل شباش، اختصاصية في العلاج النفسي والجنسي، فأوردت أنها ألقت محاضرة في الموضوع سنة 2007 بدبي أبرزت فيها أن التربية الجنسية لا تعني التحريض على الفساد، قائلة في تصريح لهسبريس إن "التربية في الحياة، أو ما يسمى بالتربية الجنسية، تعني تعليم الأبناء كيفية حماية أنفسهم، من خلال عدم منح أجسادهم لأي كان، وكذلك عدم ترك أنفسهم عرضة للاستغلال من لدن الآخرين". "علماء الإسلام" ينفون من جانبه، يرى لحسن بن ابراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيراتتمارة، أن "الإجهاض هو إسقاط الجنين قبل اكتماله أو بعد اكتماله، وهو حرام لأنه اعتداء على النفس، خصوصا بعد نفخ الروح فيه"، مبرزا أن "بعض العلماء أجازوا الإجهاض إذا كان استمرار الحمل يشكل خطرا على صحة الأم أو حياتها، كما أباح القانون الإجهاض إذا كان الحمل بسبب الاغتصاب أو بسبب زنا المحارم". واعتبر سكنفل، في تصريح أدلى به لهسبريس، أن "الإجهاض، باستثناء الحالات السابقة، يبقى على أصله في التحريم، فإسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه (أربعة أشهر) قتل للأبناء باعتبار ما سيؤول إليه الأمر، وقد رتب الشرع على الإجهاض بدون سبب دية هي ربع عشر دية المقتول خطأ، وفي هذا إشارة إلى خطورة هذا الأمر لكونه جناية على نفس".