أعلنت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بشراكة مع منظمة "DIGNITY" والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، أمس الجمعة، عن إطلاق الدليل المغربي للتوعية والوقاية من التعذيب، الذي تم إعداده من قبل خبراء متخصصين في المجال. ومازال الغموض يسود الأوساط المغربية بشأن مكامن الاختلاف بين التعذيب والعنف والمعاملة القاسية، وغيرها من المفاهيم القانونية، وهو ما حاولت المنظمات سالفة الذكر تبيانه خلال الندوة الصحافية التي احتضنتها مدينة الدارالبيضاء، وكذا إرشاد ضحايا التعذيب إلى المؤسسات المختصة في التوثيق وإعادة التأهيل. عز العرب لحكيم بناني، رئيس فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بمدينة فاس، قال إن "المشروع موسوم بثلاثة مستويات؛ أولها تكوين جمعيات مختلفة ضمن نسق المجتمع المدني، بحيث لا يقتصر الأمر على المناضلين فقط، وإنما ينبغي أن يشمل الأفراد والأشخاص والمهنيين من مختلف المجالات". وأضاف لحكيم بناني، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الهدف المحوري للمشروع يتجسد في تعميم ثقافة التعرف على ضحايا التعذيب من المناضلين إلى شريحة أوسع تشمل جميع أفراد المجتمع، ما من شأنه خلق مسؤولية المواطن في التعرف على ضحايا التعذيب، من خلال جملة من المعايير المحددة التي تميز بينه وبين العنف والمعاملة القاسية". وأوضح أستاذ الفلسفة في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قائلا: "نحن لا نعرف عدد ضحايا التعذيب، وإنما يقتصر الأمر على الضحايا السياسيين فقط بحكم الظهور الإعلامي، ومن ثمة فإننا ننتبه إلى الحالات الواردة في الإعلام، بينما لا نبالي بالحالات الهشة، مثل النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وضحايا الإرهاب والمخدرات، وغيرهم". وأبرز الأكاديمي المغربي أن "المجتمع يغفل التعامل مع هذه الفئة المجتمعية، ومن ثمة نريد القيام بإحصاء شامل لكل تلك الحالات، وكذلك نسعى إلى تأهيلها وإدماجها داخل المجتمع، لأنه لا يجب الاقتصار على المتابعة القانونية فقط، على أساس أن القانون الجنائي ينسى الضحايا، وهو النقاش الذي نطرحه اليوم، الأمر الذي دفعنا إلى محاولة تشكيل النقص الكائن في القانون الجنائي". من جانبها، اعتبرت ممثلة منظمة "DIGNITY"، وهي جمعية دنماركية شاركت في إعداد دليل التوعية والوقاية من التعذيب، أن "الندوة تأتي من أجل التعريف بضحايا التعذيب، على أساس أننا نشتغل بشكل مشترك مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في إنجاز هذا المشروع الذي استهدف مدينة فاس، وذلك بمشاركة خبراء متعددين، بغية إعداد دليل تعريفي حول هذه الظاهرة". وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس، أن "الدليل الذي قمنا بإنجازه يتكون من رسومات متنوعة، تظهر ماهية التعذيب وطرق التبليغ عنه، إلى جانب فهم مكامن الاختلاف بين العنف والتعذيب، حتى يتسنى للناس معرفة طبيعة الظاهرة قيد الدراسة، وكذلك بالنسبة للخبراء الذين تناط بهم مسؤولية توعية أفراد المجتمع". أما فهد الوزاني، محام بهيئة فاس عضو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فقد أوضح أن "المغرب أصبح ضمن الدول التي تنص في تشريعاتها الوطنية على منع وحظر ما يسمى بالتعذيب، بحيث نص المشرع صراحة على تعريف جريمة التعذيب بشكل عام، بالنظر إلى الخلط الذي يقع في ذهن المواطنين والمواطنات بشأن مسألة التعذيب". وأشار الوزاني، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن "كلمة التعذيب متداولة بكثرة وسط المجتمع، لكن التعذيب من الناحية القانونية يتطلب توفر ثلاثة عناصر جوهرية؛ أولها أن ينتج عن موظف عمومي، بحيث يترتب عنه ألم أو عذاب جسدي أو نفسي شديد". العنصر الثاني، بحسب عضو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بفاس، يتجسد في "أن يكون التعذيب عمديا في مواجهة الضحية، بينما يكمن العنصر الأخير في وجود غاية من وراء التعذيب، كأن يلجأ إليه الموظف العمومي من أجل نيل اعتراف أو معاقبته على جريمة أو بدافع عنصري"، مبرزا أنه "يتم إثبات العنف الشديد عبر شهادة أو خبرة طبية". من جهته، أبرز عبد الكريم المانوزي، الكاتب العام للجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، أن "المغرب شهد نحو 50 ألف ضحية مباشرة عن التعذيب منذ حصوله على الاستقلال. وقد عملنا على التكفل بالضحايا الذين نستقبلهم في الجمعية، وذلك بمساعدة أطباء متطوعين". ولفت المانوزي إلى كون الجمعية التي يترأسها "قدمت نحو 25 ألف خدمة طبية لفائدة ضحايا التعذيب، أي تقريبا استهدفنا ما يربو عن 5 آلاف ضحية، لكن رغم ذلك يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها الكاملة في الاعتناء بضحايا التعذيب"، خاتما بالقول: "لم يتم تفعيل توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، بما فيها خلق مركز وطني لضحايا التعذيب".