جاءت هيفاء البكوش الثلاثينية للتصويت ل "الأفضل من بين السيئين" في الانتخابات الرئاسية التونسية، اليوم الأحد، على غرار كثر غيرها يشاركون في الاقتراع بهدف تثبيت مسار الانتقال الديمقراطي في بلادهم، بالرغم من غضبهم تجاه طبقة سياسية لا تنتهي تجاذباتها. تعمل هيفاء، الحاصلة على شهادة في علوم الأحياء، في مركز اتصالات لإخفاقها في الحصول على عمل يتماشى ومؤهلاتها. وتبدي عدم ثقتها "في طبقة سياسية سيئة"؛ ولكن ذلك لا يثنيها عن أداء واجبها الانتخابي. تجسّد هيفاء صورة عن الشباب التونسي الذي ملّ من طبقة سياسية تنخرها التجاذبات والصراعات المحتدمة على السلطة، ومن حكومة لم تجد حلولاً للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم وسط تنامي نسب البطالة في صفوف الشباب. وأقفلت مراكز الاقتراع، قبل ساعة ونصف، في إطار الدورة الأولى من الانتخابات التي يتنافس فيها 26 مرشحاً قدّموا برامج انتخابية متشابهة تقريباً، أو أخرى سطحية. وينص القانون الانتخابي على تنظيم دورة ثانية ما لم يحصل أي من المرشحين على نسبة 50%. وتقول أميرة محمد (صحافية، 38 عاماً) لفرانس برس: "صحيح أنّ الاختيار صعب، لكن لا يوجد قناعة مائة في المائة بمرشح". "أين الشباب؟" لاحظ عدد من مراسلي فرانس برس، خلال زيارتهم إلى بعض مراكز الاقتراع صباح الأحد، وجوداً كثيفاً للمتقدّمين بالعمر في مقابل عدد قليل من الشباب، بالرغم من أنّ مشاركتهم ستمثّل عاملاً حاسماً في الاقتراع. ويتساءل عادل التومي، الستيني الذي أتى للمشاركة بما وصفه ب"الاحتفال الوطني وانتصار الديمقراطية"، "أين الشباب؟ هذا وطنهم وهذا مستقبلهم". "ما زالوا نائمين"، وفق ما كتب أحد المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي مبادرة لتشجيع الشباب على الانتخاب، عرضت حانات في منطقة قمرت بالضاحية الشمالية للعاصمة تقديم زجاجات البيرة بنصف سعرها لكل من يأتي ويظهر أصبعه ملونة بالحبر للتأكيد على مشاركته في الاقتراع؛ ولكن بالنسبة إلى الموجودين في مكاتب الاقتراع، فلا داعي لإغرائهم. ويبدى عبد العزيز محجوب سعادته بقدومه للاقتراع، ويقول: "أبلغ من العمر 81 عاماً وأنا سعيد جداً بالمشاركة في الانتخابات الحرّة. بفضل الله اليوم هناك ديمقراطية". أما مختار السالمي (76 عاماً)، فيحثّ على "التوقف عن الانتقاد"، ويقول "كونوا على مستوى فرصة الانتخاب بكل حرية". مورو مبتسم والشاهد واثق ومع فتح أبواب الاقتراع، بدأ المرشحون بالتوافد لتأدية واجبهم الانتخابي. وفي منطقة المرسى بالضاحية الشمالية للعاصمة، وضع عبد الفتاح مورو، مرشح حزب "النهضة"، ورقته في الصندوق وكانت الابتسامة تعلو محياه. وغير بعيد عن ذاك المكتب، أدلى يوسف الشاهد، رئيس الحكومة والمرشح، بصوته وظهر واثقاً أمام الحاضرين، وقال: "اليوم يعيش التونسيون يوماً كبيراً... أدعو كل التونسيين إلى الانتخاب لكي لا يقرر أحد مصيرهم" بدلاً عنهم. وتبدو الانتخابات مفتوحةً على كلّ الاحتمالات، الأمر الذي زاد من ضبابيّة المشهد بين ناخبين لم يكن جزء كبير منهم حسم أمره مع حلول صباح الأحد، وبين مراقبين اختلفت توقّعاتهم للنتائج، علماً أنّ القانون كان يحظر نشر نتائج استطلاعات الرأي خلال الحملة الانتخابيّة. وقرّر القضاء التونسي إيقاف المرشح ورجل الإعلام نبيل القروي قبل عشرة أيّام من انطلاق الحملة الدعائيّة، على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبيض أموال وتهرّب ضريبي؛ فقرّر الأخير الدخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولّت زوجته سلوى سماوي وعدد من قيادات حزبه "قلب تونس" مواصلة حملته. إقبال ضعيف وأغلقت مكاتب التصويت أبوابها مساء اليوم الأحد عند الساعة السادسة (الخامسة بالتوقيت العالمي) في أعقاب الدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس التي دعي الناخبون للتصويت فيها غداة وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي. وتجاوزت نسبة المشاركة 35 بالمائة عند الساعة الخامسة مساء، وفق ما أفادت به الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس. وأكد رئيس بعثة الاتحاد الأوربي لملاحظة الانتخابات في تونس ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو، في وقت سابق اليوم، أن المائة ملاحظ التابعين للبعثة والمتواجدين في 41 مكتب اقتراع موزعة على 27 دائرة انتخابية جهوية، لاحظوا أن الانتخابات الرئاسية جرت في أجواء تتسم بالهدوء، وفي ظل احترام الإجراءات المعمول بها. وأوضح كاستالدو، خلال لقاء إعلامي بمركز للتصويت بتونس العاصمة، أنه لم يتم تسجيل أية مخالفة كبرى منذ انطلاق عملية التصويت على الساعة الثامنة صباحا، مشيرا إلى توفر كافة التجهيزات والمعدات الضرورية للاقتراع. وأشار إلى أن بعثة الاتحاد الأوروبي لملاحظة الانتخابات ستواكب مختلف مراحل العملية الانتخابية ابتداء من إغلاق المكاتب وفرز للأصوات وصولا الى الإعلان عن النتائج.ويشرف على الانتخابات آلاف المراقبين، بمن فيهم مكلفون من قبل هيئة الانتخابات بالإضافة الى منظمات غير حكومية ونقابية تونسية وأجنبية، منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد الأوروبي ومركز "كارتر". ويتولّى سبعون ألف رجل أمن تأمين مكاتب الاقتراع ومراكز الفرز، على ما أعلنت وزارة الداخليّة السبت.