في ظل التطورات التي عرفتها التكنولوجية الحديثة، ظهرت مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي، تستقطب ملايين المستعملين يوميا، مثل "فايسبوك" و"إنستغرام" و"سناب شات" و"تويتر"، وغيرها من المواقع التي تسهل عملية التواصل ونشر الصور، لنصبح "أمام عالم افتراضي أكثر ما هو واقعي"، حسب بعض الباحثين في علم النفس الاجتماعي . بنزاكور: الإنسان رهين العلاقات الافتراضية في هذا السياق صرح محسن بنزاكور، الباحث في علم النفس الاجتماعي، بأن "التكنولوجية الحديثة جاءت في ظرفية سوسيولوجية استعاض بها الإنسان عن الحياة الاجتماعية"، قائلا إن "هناك تنازلا عن الحياة الجماعية مقابل الحياة الفردية"، ومفسرا ذلك ب"تناقص العلاقات والتبادل والمسؤولية والتراتبية الاجتماعية والمصالح المشتركة". وأضاف بنزاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "النظام الرأسمالي والنظام الاقتصادي الحديث بني على الفردانية ولم يعد يحتاج إلى الجماعة"، موضحا ذلك بأن "الإنسان أصبح قادرا على العيش بمفرده، وعلى الاكتفاء بذاته دون الحاجة إلى الآخر"، مضيفا: "هذا ما يجعلنا نعيش فراغا روحانيا. لكن الحاجة إلى الآخر ظلت موجودة". وأورد المتحدث: "أصبح هناك خوف من الآخر بحكم تصاعد العلاقات المتباعدة التي غيرت منظومة المدينة من الانفتاح على الداخل إلى الانفتاح على الخارج، إذ كبرت الشوارع عوض الأزقة الضيقة، وأصبحت العلاقة مع الآخر متباعدة، وهو بالتالي نوع من الغربة"، مردفا: "عندما ظهرت التكنولوجية وأصبح الإنسان رهين العلاقات الافتراضية أصبح من الصعب أن يتخلى عن البديل الاجتماعي، الذي يتجسد في مواقع التواصل الاجتماعي". وأكد الباحث في علم النفس الاجتماعي أن "خطورة السياقات التي كانت تتداخل في المجتمع الواقعي غابت عن العالم الافتراضي"، مفسرا ذلك بأن "المراهقين لديهم تلقائية في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، أي عدم الحيطة من الآخر وجهل من يكون، هل هو مريض نفسي أم بيدوفيل أم شخص في سن كبير"، مؤكدا أن "كل ما وراء الشاشة يغيب، وبالتالي الاحتياطات تتراجع، ما ينتج عنه الاحتيال والنصب والتحرش الجنسي والابتزاز". وأضاف المتكلم أن "كل الاحتياطات التي كان يعرفها الشخص في الواقع غابت عنه في مواقع التواصل الاجتماعي"، موضحا ذلك بأن "الأولى كانت تقتضي ممارسة يومية ونوعا من الذكاء التلقائي، بينما العالم الافتراضي يحتاج إلى العلم وإلى نوع من اليقظة الفكرية"، مضيفا: "تكرست تلك التبعية لوسائل التواصل الاجتماعي في غياب الذكاء الاجتماعي..يتولد نوع من الاستسلام، ونوع من الإدمان، وبالتالي صعوبة التخلي عن مواقع التواصل الاجتماعي". وزاد المتحدث ذاته أن "العنصر التكنولوجي يكرس الأمر، إذ كانت في القديم صعوبة في التكنولوجيا بسبب ضعف الأنترنيت، وكذا الحواسب الكبيرة التي لا تتحرك؛ في حين أصبح الآن الهاتف الذكي الذي يخول الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة فائقة"، مضيفا أن "هناك تطورا بوجود الصورة، إذ كان يتم مجرد تبادل الكلمات، أما الآن فأصبح الفيديو المباشر والتعليق المباشر"، وأردف مفسرا: "كل هذه التطورات أصبحت تزكي التبعية لمواقع التواصل الاجتماعي وصعوبة التخلي عنها". وأورد بنزاكور أن "كل هذه التطورات إذا أضفنا عليها الطابع المغربي المتجلي في "التبركيك" و"الفضول" (البحث عن المعلومة)، تزيد من تكريس هذه المسألة"، مشيرا إلى "التعاطي الزائد لأحداث السرقة، الانتحار، الاغتصاب، القتل، عكس المعلومات الثقافية والعلمية"، وموردا أن "هذا يعكس صورة كانت ولازلت في المغرب، وهي حب معرفة أخبار الغير"، وزاد: "هناك نفور شبه كلي مما يتعلق بالمعرفة والثقافة والعلم"، مؤكدا أن "من الصعب على الإنسان المغربي التخلي عن مواقع التواصل الاجتماعي للأسباب المذكورة سلفا". الشعباني: صعوبة التخلي عن مواقع التواصل في السياق نفسه صرح علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، بأن "مواقع التواصل الاجتماعي حديثة، إذ عاش المغرب قرونا بدون استعمالها"، مضيفا: "يمكن القول إنه يصعب في الفترة الراهنة على الكثير من المغاربة الذين اعتادوا على هذه المواقع أن يتخلوا عنها"، مفسرا ذلك بأن "هناك دراسات أجريت في بعض الدول، كإنجلترا وأمريكا، تبين أنه من الصعب جدا التخلي على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لجميع الفئات العمرية، وخاصة الشباب والمراهقون". وأكد الشعباني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "تجربة أجريت في إنجلترا سنة 2015 من طرف بعض الطلبة، إذ تم قطع شبكة الاتصال على المستعملين، فوقعت بلبلة كبيرة جدا، واحتجاجات عنيفة حول هذا الإجراء، بسبب عدم تحمل البقاء بدون مواقع التواصل الاجتماعي". وأضاف الباحث في علم الاجتماع أن "المغرب مثله مثل بلدان العالم، من الصعب جدا أن يتخلى مواطنوه عن هذه المواقع"، وزاد موضحا: "سوسيولوجيا لا يمكن إصدار الأحكام النهائية حول مثل هذه المواضيع، لأن الأمر لازال في بدايته، وليست هناك دراسات سوسيولوجية معمقة حول الظاهرة". *صحافية متدربة